مريم شهاب
كيف كانت جداتنا وأمهاتنا يعشن فـي مثل هذا الطقس البارد أيام زمان، فـي القرى التي لم تكن فيها تدفئة ولا مياه ساخنة ولا غسالات ولا أكل «دليفري»؟ الذي انا متأكدة منه، كوني عاصرت وعشت طفولتي فـي ذلك الزمن، أن سيدات زمان عشن حامدات شاكرات وصابرات على غضب الطبيعة وقسوة المناخ، بلا تأفف ولا تذمر ودون الحاجة إلى طلب المساعدة من أطباء الأمراض النفسية، ولا إلى نصائح الخبيرات فـي «الهبل» الاجتماعي للخروج من الكآبة و«السترس» التي تعانيه معظم «ستات» هذه الأيام المرفهات والغنوجات.
هل كانت جداتنا وأمهاتنا أكثر حظاً وأقل هماً من اليوم؟ أقول: نعم. يكفـي أنهن عشن فـي جوٍ طبيعي خالٍ من السيارات والفـيسبوكات والمسلسلات. ينمن باكراً وينهضن باكراً. على الأقل.. يرون القمر إذا هلّ، ويسبحن الخالق عند شروق الشمس. الأسبوع الماضي ظهر القمر بدراً فـي السماء. أحد المذيعين -على الراديو- هنا فـي ديربورن طلب من مستمعيه الخروج لرؤية القمر البهيّ فـي السماء. حتى القمر والنجوم نحن محرومون من رؤيتهم لأننا نعيش فـي بيوت مقفلة وبواسم مضاءة بالفلوريسانت. الست اليوم بالعكس معزولة عن جمال وعظمة الطبيعة.
أيام زمان.. كان يوم العرس بسيطا بمشاركة الأحبة وأهل الحارة. يوم يمر بفرح حقيقي بعيداً عن «دوشة» الحفلات وتزيين القاعات و«كركعة» المطربين والمطربات وإرسال الدعوات، وهذا أتى وذلك لم يحضر. أما شهر العسل فقد كانت تقضيه عروس أيام زمان مع عريسها فـي البيت و«على السكيت». لا حجوزات ولا أوتيلات ولا سفر بالطيارات، ولا «كروز» بالبواخر الفخمة، ولا انتظار فـي المطارات والبهدلة والشحططة على الحدود. تقريباً كان بلا تكاليف و«فتّ» دولارات، وتصاوير ولايكات على التويتر والفـيسبوكات.
هل هناك أجمل من ذلك؟ أيام كان العريس والعروس يقضيان أروع لحظات العشق والغرام بعيداً عن الأنستغرام، وعندما تثمر العلاقة وتحمل المرأة تتابع حياتها ببساطة وبدون دكاترة.
هذه الأيام يا سادة يا كرام، وبعد هوجة العرس ودوشة شهر العسل والغيرة من الصديقات والعدوات، لأن عرس فلانة كلّف كذا وفستان سعدانة كان أجمل، وفليتانة كان عرسها بهدلة، أقول بعد أن نزل «الفأس برأس العريس المسكين» الذي دفع كل هذه التكاليف «للشو أوف» فقط، لأن المتعة الحقيقية مع عروسه والمفروض أنها تكون حبيبته، هذا الشعور الإنساني الراقي والدافئ بين الشاب والفتاة هو «مفقود يا ولدي مفقود.. مفقود».
وما إن تعلم الست بأن الذي حصل قد حصل، وبأنها حامل بعد شهر العسل، حتى تتوتر أعصابها ويدب الوهن بركابها، «ويا ويلي وياي.. بيصير موالها». تذهب فوراً لاستشارة الطبيب فـينصحها حالاً بعدم القيام بأي عمل فـي البيت. مطلوب منها فقط أن تأكل وتنام وعلى زوجها شغل البيت وتحضير الطعام بعد الدوام. وبعد شهرين من الحمل ينصحها الطبيب بممارسة الرياضة لتنشيط عضلات البطن، وهات كل يوم «أيروبيك» و«جمناستيك» و«يوغا» لتخفـيف اكتئابها وتهدئة أعصابها. هذا إلى جانب المساج لظهرها وتدليك عضلات بطنها حتى تبقى مرنة. أما اختصاصية التغذية فتضع لها لوائح نظام الطعام والتأني فـي عمليات الغرام، حتى انتهاء أشهر الحمل المتعبة المزعجة.. يا حرام. (يتبع)
Leave a Reply