فـي يوم المرأة العالمي، الذي يصادف فـي الثامن من آذار (مارس) من كل عام، نجدد تهنئتنا للنساء العربيات على عطائهن الوفـير وتضحياتهن الجليلة، فـي مجتعماتنا العربية الأميركية فـي الولايات المتحدة، وفـي أقطار العالم العربي، وحول العالم.
وإننا فـي الوقت ذاته، نشعر بأن من أفضال نعمة الله علينا، وجود رائدات وقيادات نسائية فـي مجتمعاتنا العربية الأميركية، فـي مختلف المجالات السياسية والأكاديمية والفنية والخيرية والحقوقية، وفـي مجال الأعمال والتجارة.. إلى جانب العديد من المجالات الأخرى.
وفـي العالم العربي، حيث النساء أقل حظا وأقل تمكينا فـي المجتمع، تقل فرصهن فـي العمل والإبداع والإنتاج، فتدمر نصف طاقات الشعوب العربية بمنعهن من المشاركة فـي البناء والتطوير، وعلى الرغم من التمييزين القانوني والاجتماعي ضدهن، إلا أنهن أثبتن بما لا يدع مجالا للشك أهمية الأدوار التي يلعبنها فـي مجتمعاتنا. وكأمثلة على ذلك، مغامرة الأمهات السوريات بعبور البحار من أجل تأمين مستقبل أبنائهن فـي بلدان أكثر أمناً، أو النساء الفلسطينيات اللواتي يحاربن الاحتلال الإسرائيلي بالأنياب والأظافر، وبأية وسيلة ممكنة.
وفـي هذه المناسبة، نود التأكيد على أن الوقت قد حان كي تعيد الدول والمجتمعات العربية النظر فـي سياساتها وتشريعاتها التمييزية ضد المرأة، وأن تعمل على سن القوانين التي تساوي الذكور بالإناث، فـي الحقوق والواجبات، تمهيداً وتأسيساً لحماية المرأة من الاعتداءات السافرة عليها، ككائن إنساني، من جرائم التحرش والاغتصاب وجرائم الشرف وغيرها.
إنه لمن المخجل والمعيب بحق الشعوب العربية، وثقافتها وتاريخها الذي يحتقب سجلات مشرفة لنساء لعبن أدوارا ثقافـية وسياسية حاسمة، أن نجد المرأة ماتزال -مثلاً- ممنوعة من قيادة السيارة فـي العربية السعودية، حليفة الولايات المتحدة التي تعتبر رائدة فـي مجال حماية المرأة وتمكينها الاجتماعي والقانوني، كما أنه من المفاجئ أن بلداً عربياً آخر -كاليمن- ماتزال محاكمه تعتبر شهادة المرأة معادِلة لنصف شهادة الرجل.
أما فـي لبنان، البلد العربي الأكثر تحرراً وانفتاحاً، فما تزال المرأة اللبنانية غير قادرة قانونياً على تجنيس أبنائها أو زوجها بجنسيتها اللبنانية، حتى ولو كانوا مولودين تحت أرزة من أرزاته.
وفوق هذا كله، فإن بلدان الشرق الأوسط تفتقر لآليات الحماية المناسبة التي تحصن النساء من الاعتداءات الجنسية واستغلال أجسادهن، ناهيك عن العنف المنزلي الذي يتعرضن له، وسط شبكة محكمة من الأعراف والعادات الاجتماعية التي تكرس هيمنة الذكور وسيطرتهم داخل الأسر العربية.
إننا ندرك أن الواقع النسائي فـي العالم العربي لم يكن دائماً على هذه الحالة، حتى قبل عدة عقود خلت، فسجل حقوق المرأة العربية يشهد تراجعات ملحوظة بسبب التحولات السياسية التي طرأت على البلاد العربية مع سيطرة القوى الرجعية فـي المجتعمات العربية منذ الثمانينات.
وفـي هذا السياق، يمكننا التذكير بأن السياسات الاستعمارية الغربية قد ساهمت بتقويض منظومة الحقوق النسوية (التي كانت معقولة آنذاك) فقبل الغزو الأميركي للعراق، كانت المرأة العراقية قادرة على ارتياد الجامعات ومزاولة العمل فـي مختلف قطاعات الدولة، وبعد الغزو ظهرت جماعات أصولية، مثل تنظيم «داعش»، أعادت المجتمع العراقي (والمجتمع النسوي فـيه بشكل أكثر تحديدا) إلى العصور الوسطى، ومارست أعمالا إرهابية بحق النساء من مختلف الطوائف والأعراق، حتى وصل بهم الحقد إلى بيعهن كرقيق.
ولا شك أن اعتبار جميع العرب والمسلمين معادون للمرأة، أو متحيزون ضد مساواتها بهم، هو اعتقاد زائف يستعمله العنصريون لتشويه صورة العرب والمسلمين، ويستغلونه فـي حملات تسعير مشاعر الكراهية ضدهم.
على أن كل ذلك لا ينفي أن الدول والمجتعمات العربية لديها مشكلة مع قضية «التمييز ضد النساء على أساس الجنس»، وعلى هذه الدول والمجتعمات، بمؤسساتها ومفكريها وسياسييها، أن تواجه هذه المشكلة وتعمل على حلها فـي أسرع وقت.
وحتى على الصعيد المحلي فـي جاليتنا، فإن بعض العائلات لا تعامل أبناءها، من الإناث والذكور، على قدم المساواة، وبعض الآباء (والأمهات أحيانا) يفضلون صرف أموالهم ووقتهم على تربية وتعليم الذكور على حساب الإناث. هذا.. بالإضافة إلى تنامي ظاهرة العنف المنزلي التي تتكرر حوادثها بشكل ملحوظ، وتهمل فـي أحيان كثيرة، أو يُتعامى عنها تحت عناوين المحافظة على سمعة العائلة، فـيما تبقى المرأة هي الضحية الأولى.
لكن، ولكي نكون واضحين، يجب القول إن القمع الذي تتعرض له النساء ليس مشكلة عربية صرفة بل هي مشكلة عالمية، فحتى فـي الولايات المتحدة (قائدة العالم الحر) ماتزال المرأة الأميركية تعاني من التمييز فـي عدة مجالات، فـي مقدمتها.. العمل والأجور، ناهيك عن الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها فـي المجتمعات الأكاديمية والعسكرية، إضافة إلى شيوع ظاهرة التحرش والاغتصاب.
فـي يوم المرأة العالمي، نتطلع إلى يوم تتحقق فـيه المساواة فـي الحقوق بين الرجل والمرأة فـي المجتمعات العربية والمهجرية، وفـي جميع مجتمعات ودول العالم، إيمانا منا بدور المرأة الإنساني، معيدين التذكير -وعلى سبيل التهنئة- بما قاله ذات يوم المتصوف المسلم محي الدين بن عربي، الذي قال: ما لا يؤنث.. لا يعوّل عليه!
وفـي الختام، ألف تحية الى جميع نساء جاليتنا.. من الجدّة التي أهملها أبناؤها فـي دار المسنين.. الى الصبية التي تناضل للحصول على شهادة جامعية أو لقمة عيش كريمة، الى نجمات مجتمعنا بمختلف المجالات.. كل عام وأنتن.. ونساء العالم بخير.
Leave a Reply