عماد مرمل – «صدى الوطن»
يبدو واضحاً من طريقة تصرف السعودية مع لبنان منذ قرارها إلغاء الهبة العسكرية للجيش وصولا الى تصنيف «حزب الله» منظمة ارهابية، انها غلّبت الانفعال على الحكمة، والتوتر على التفكر، حتى أصبحت كمن يطلق النار عشوائياً فـي كل الاتجاهات، فـيصيب كل شيء الا هدفه.
سعد الحريري يوقع على عريضة استعطاف للمملكة «لعدم التخلي عن لبنان». |
والمفارقة أن من بين ضحايا «الغضب الملكي» حلفاء الرياض فـي لبنان، وفـي طليعتهم الرئيس سعد الحريري الذي تتعرض شركته «أوجيه سعودي» الى ضغوط شديدة فـي المملكة، إضافة الى أن الحملة السعودية المتدحرجة على لبنان أصابته بالحرج ووضعته فـي موقف صعب، بعدما وجد صعوبة فـي هضم جرعتها الزائدة برغم خصومته مع «حزب الله».
ومن الواضح فـي هذا الاطار، أن الحريري يعاني من مأزق حاد، فهو مضطر من جهة الى مراعاة التوازنات اللبنانية المرهفة التي تفرض عليه «طوعاً» أو «كرهاً» مواصلة الحوار مع «حزب الله» فـي الحكومة وعلى طاولتي الحوار الثنائي والموسع وبالتالي عدم مجاراة المملكة فـي توصيفها لـ«حزب الله» بأنه إرهابي، وهو ملزم من ناحية أخرى بتقديم شهادات حسن سلوك يومية تثبت اخلاصه للسعودية وتضامنه معها حتى أقصى الحدود الممكنة فـي مواجهة ايران وحليفها اللبناني المتمثل فـي الحزب.
ولعل أبلغ مثال على تخبط الحريري انه لا يترك مناسبة إلا ويستثمرها فـي الهجوم على الحزب والصاق التهم به مستخدما كل أنواع الأسلحة السياسية والإعلامية للدفاع عن السعودية انتهاء بتنظيم «رحلات سياحية» الى سفارتها فـي بيروت لابداء التعاطف مع المملكة، وابتكار عريضة لـ«العموم» تهدف الى تجميع تواقيع الأوفـياء لها.. ثم لا يلبث بعد كل ذلك أن يغطي وزير الدخلية نهاد المشنوق المنتمي الى تياره فـي اعتراضه خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب على توصيف «حزب الله» بانه إرهابي، فـي قت يستعد ممثلون عن الحريري الى المشاركة فـي جلسة الحوار المقبلة مع الحزب فـي عين التينة فـي 16 آذار (مارس) الحالي!
وإذا كان الحريري يسعى الى مسايرة المملكة حتى الرمق السياسي الأخير، بمعزل عن مدى قناعته فـي جدوى كل ما تفعله، إلا أن هناك فـي أوساط «تيار المستقبل» وقوى «14 آذار» من بات عاجزاً عن فهم حقيقة ما تريده السعودية وحائراً فـي كيفـية تفسير سلوكها حيال لبنان، والذي لا يميز بين صديق وخصم.
ويمكن فـي هذا الاطار تسجيل الملاحظات الآتية:
– إذا كانت الرياض تريد معاقبة «حزب الله» والضغط عليه وعلى حليفه الإيراني، فإن ما فعلته يعطي مفعولا عكسياً، إذ أن إلغاء الهبة العسكرية التي كانت مقررة للجيش اللبناني يضعف المؤسسة العسكرية ويعزز «شرعية» ودور سلاح الحزب فـي مواجهة الخطر الاسرائيلي والتهديد التكفـيري. وعليه، كان يفترض بالرياض بدل وقف العمل بالهبة أن تبادر الى مضاعفة المساعدات للجيش حتى ينتفـي أي مبرر لدى الحزب للابقاء على سلاحه.
– فـيما تشكو الرياض من التمدد الايراني فـي المنطقة وتتهم «حزب الله» بأنه تحول الى رأس حربة للمشروع الفارسي الإقليمي وأحكم «قبضته» على الدولة اللبنانية.. فإن المفارقة أنها تلجأ فـي الوقت ذاته الى تجفـيف ينابيع الدعم لهذه الدولة، تاركة فراغاً من شأنه أن يحرض طهران وحليفها اللبناني على مزيد من التمدد فـي الساحة الداخلية!
– إن من يراقب الاجراءات السعودية يخال للحظة ان شخصية من «8 آذار» تترأس الحكومة اللبنانية الحالية وان أغلبية وزرائها يدينون بالولاء لحزب الله، فاقتضى تأديبهم، فـي حين ان رئيس الحكومة هو حليف تيار المستقبل تمام سلام الذي شاركت الرياض فـي تسميته، أما الوزراء فليس للحزب منهم سوى اثنين يتوليان حقيبتين غير سياديتين، بل يمكن القول إن الاكثرية فـي الحكومة هي حليفة او صديقة للسعودية (تيار المستقبل-حزب الكتائب-كتلة الرئيس ميشال سليمان-كتلة النائب وليد جنبلاط-مستقلو «14 آذار»..)
– إن تصرفات السعودية تنم عن ضعف ثقتها فـي قدرات حلفائها فـي «14 آذار» واكتشافها أنها لا تستطيع الاتكال عليهم لتحقيق التوازن مع «حزب الله»، برغم أنها أنفقت مليارات الدولارات على امتداد السنوات الماضية لتعزيز دورهم وتوسيع نفوذهم، وليس الانفاق الخيالي على الانتخابات النيابية عام 2009 سوى أحد الامثلة على حجم الاستثمار السعودي غير المجدي فـي فريق «14 آذار» الذي حصل آنذاك على الأكثرية النيابية لكنه عجز عن تسييله الى توازنات سياسية جديدة فـي السلطة. ليس هذا فقط، بل أن المشهد الدرامي اكتمل مؤخرا مع ترشيح رمزي «14 آذار» سعد الحريري وسمير جعجع لاثنين من أبرز أقطاب «8 آذار» وحلفاء «حزب الله» وسوريا وإيران وهما العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية.
وأمام تواضع كفاءة الاصدقاء المحليين، اضطرت المملكة لتخرج من كواليس المواجهة على الساحة اللبنانية الى خشبة المسرح، تماماً كما فعلت فـي اليمن حيث وجدت نفسها ملزمة بخوض الحرب مباشرة، وباللحم الحي، خلافا لاستراتيجية المملكة التاريخية القائمة على خوض الصراعات بالواسطة.
انه زمن المواجهة القاسية بين عواصف الحزم.. وعواصم العزم!
Leave a Reply