فاطمة الزين هاشم
قبل أيّام طالعتنا محطّات التلفزة اللبنانية بجريمة يندى لها الضمير الانساني وتقشعرّ لها الأبدان، حيث أوردت أنّ يوسف ابن السنتَين والنصف كان يُعذَّب وتُطفأ أعقاب السجائر فـي جسده الغضّ.
وُلد هذا الطفل لأب وأم سوريَّين يعيشان فـي إحدى بلدات الجنوب اللبناني، وقد تمّ الطلاق بين الزوجَين وتزوّج الأب من امرأة ثانية كما تزوّجت الأم من رجل آخر، وبقي الطفل معها ومع زوجها الجديد، لتبدأ صفحة مأساويّة من معاناة هذا الطفل المسكين، حيث أخذت الأم وزوجها يتفنّنان بتعذيبه إذ يُطفئان أعقاب السجائر فـي جسده الغضّ ويضربانه بقسوة حتّى أصبح جسده خارطة من آثار التعذيب، وفـي الليل كانا يحبسانه فـي قُنّ الدجاج خارج المنزل دون رحمة ودون خوف من الله، راعي الطفولة، يتصاعد الأذى من جسده النحيل فـينطلق صراخاً وبكاءً تضاعفهما شدّة البرد والجوع ولسع الحشرات ليُدفن ليلاً فـي نهاية المطاف تحت جُنح ظروف غامضة. أحد المحيطين لاحظ اختفاء الطفل فأبلغ السلطات اللبنانيّة وحضر الطبيب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة، فتمّ القبض على الأمّ المجرمة وزوجها الشريك فـي هذا الجرم الشنيع.
وهنا أتساءل: أين الضمير الجمعي لأهل تلك البلدة وهم قد شهدوا هذا الطفل البريء يتعرّض لأشدّ أنواع التعذيب والبطش دون ذنب؟ ألم يوجد بينهم إنسان رحوم تتحرّك فـيه المشاعر الإنسانيّة والرحمة لإنقاذه سواء بانتشاله وأخذه إلى منزله أو الإتّصال بالجمعيّات الخيريّة المعنيّة بمثل هذه الحالات المرعبة وهي موجودة ومعروفة فـي لبنان حيث تنشر عناوينها عبر وسائل الإعلام بين حين وآخر؟
فجأةً دبّ بأهل البلدة، الحماس، دفعة واحدة بعد موت الطفل أو دفنه حيّاً قبل تأكيد هذه الحقيقة لحدّ اليوم، فانطلقت ألسنتهم وراحوا يشرحون للشرطة التي حضرت إلى المكان، حول طرق التعذيب التي تعرّض لها ذلك الطفل المسكين، أين كانت ضمائرهم وقلوبهم المتحجّرة التي لم تتحرّك فـي الوقت المناسب لإنقاذه من أيدي هذين المجرمَين العاتيين؟ وأين الإنسانية التي جبل الله عليها قلوب البشر؟ هل اندثرت وعُبّئت فـي أكياس الزبالة المنتشرة فـي شوارع لبنان؟ فإذا كانت حكومتنا هناك، تتاجر بمصائرنا وصحّتنا فمن أين لها أن تتأثّر بالوضع الأمني المنفلت هنا وهناك؟
جرائم تُرتكب بحقّ الطفولة، وشباب يُقتلون بعمر الورود دون سبب، وزوجات تُقتلن على أيدي أزواجهن ويخرج الزوج بعد أسبوع من السجن كأنّه لم يفعل شيئاً، وأمّهات تتّشحن بالسواد لفقدهنّ أعزّ المخلوقات على قلوبهنّ بينما ضمائر نوّابنا تغطّ فـي السُبات بعد أن أتخموا جيوبهم من خزينة الدولة.
لكنّ العجب، كلّ العجب، يأتي من تلك الأمّ التي لطّخت الأمومة بعار الجريمة، والتي لا تستحقّ أن يطلق عليها لقب الأم، فأصبح لا يُليق بها ولا بشريكها فـي الجريمة إلّا الإعدام فـي ساحة عامّة ليكونا عبرةً لمن يعتبر.
ثمّ أين أب هذا الطفل؟ هل نفض يديه من المسؤوليّة وتركه لمصيره هكذا وبهذه السهولة المجّانية؟ هل نسي أنه سبب وجوده فـي هذه الحياة؟ أم أنّ شهواته الحيوانيّة قد أعمته عن متابعة مصير ابنه كما فعلت مطلقته؟ فالمسؤولية تقع على عاتقه أيضاً لإهماله فـي تتبّع ظروف ابنه الحياتية وطريقة معيشته وتربيته، كما أنّ الكل قد اشترك بوقوع هذه الجريمة الشنعاء سواءً الأب أو الأم أو زوجها.
ونعود لنتساءل: أين حقوق الطفل فـي بلادنا تلك؟ إنّ مسألة احترام وتطبيق مبادئ حقوق الطفل فـي مجتمعاتنا الشرقيّة مخجلة جدّاً، ففـي الغرب تحتل تلك القضيّة مكانة أوّلية من اهتمامات الدولة والمسؤولين، وهناك منظّمات تعمل ميدانياً على تطبيق مثل تلك المبادئ حيث لها قوانين خاصّة بها.
الطفولة تشكل العمق الاستراتيجي الإنساني للمجتمع، وهي رمز البراءة فـي الطبيعة وعنوان الطهر فـي الإنسان، وإنّ أسرار القوّة الحضارية للأمم تتجسّد فـي قدرة كل منها على العناية بصغارها وتفجير طاقاتهم بصقل مواهبهم، ومن هنا تكمن طاقات الأمم الإبداعية فـي أطفالها واعتبارهم ينبوع كل إبداع وعطاء وجمال.
إذن عندما ينعم علينا الله بأطفال، فهم يصبحون أمانة فـي أعناقنا، فإذا أوليناهم الرعاية الكاملة وأحسنّا تربيتهم وحافظنا على حياتهم وجعلناهم فـي منجىً من الخطر، نكون قد أدّينا واجبنا تجاههم بأمانة وحافظنا على هذه النعمة التي لا تُقدّر بثمن.
Leave a Reply