لقد أدان العرب والمسلمون الإرهاب فـي كل مناسبة، وبشتى الطرق. لقد أدانوا العنف وتبرأوا من المتطرفـين، وأصدروا البيانات ونظموا المسيرات والمظاهرات والمؤتمرات الشاجبة للأعمال الإرهابية، كما أعلنوا عن استعدادهم للتعاون مع مؤسسات تطبيق القانون المحلية والفدرالية من أجل تطويق وتجفـيف الأفكار والممارسات المتطرفة. ولكنهم وعلى الرغم من كل ذلك مازالوا يدفعون الثمن مرتين، مرة حين يلقى اللوم عليهم جميعا بدون استثناء، ويتم تحميلهم مسؤولية أية عمل عدواني يحدث بأي أي مكان فـي العالم، وأخرى حين يسقطون ضحايا لاعتداءات «التكفيريين» الذين لا يقيمون فرقا بين المسلمين وغيرهم.
يبدو أنه حتى «ولو مشى المسلمون فوق الماء»، فسوف يتهمهم اعداؤهم بأنهم عاجزون عن السباحة، ولن يتوقف بعض السياسيين الأميركيين عن شيطنتهم خلال خطاباتهم العنصرية فـي أعقاب الهجمات الإرهابية، فها هو المرشح دونالد ترامب يقول «إن المسلمين لا يقومون بما فـيه الكفاية لمحاربة الإرهاب».
لقد أشار قطب العقارات -الأربعاء الماضي- إلى أن المسلمين، بمن فـيهم المسلمون الأميركيون، لا يقومون بإخبار السلطات المختصة عن المتطرفـين العنفـيين. ولا شك أن مثل هذه الادعاءات المتعصبة تشكل حافزا على العنف والتمييز ضد المجتمعات الإسلامية فـي الغرب، فـي أميركا وفـي أوروبا.
بطبيعة الحال، نحن لسنا خبراء بأوضاع المجتمعات الإسلامية فـي أوروبا، ولكن الولايات المتحدة -التي شكلت مقصدا للمهاجرين من جميع أنحاء العالم، وعلى مدى عدة قرون- كانت على الدوام بوتقة صاهرةً لمختلف القوميات والأديان والمذاهب. ومع ذلك لا يتوقف السياسيون اليمينيون الأميركيون عن المبالغة فـي حجم المشاكل التي تهدد المجتعمات الأوروبية بسبب المهاجرين المسلمين، فـي محاولة منهم لتبرير مطالباتهم وشعاراتهم الجائرة التي ترمي إلى التضييق على المسلمين فـي الولايات المتحدة.
وعلى سبيل المثال، فقد دأبت قناة «فوكس نيوز» فـي أعقاب هجمات باريس، فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على ترويج فكرة مفادها أن المسلمين فـي فرنسا وبريطانيا يتحكمون بمناطق معينة، خاصة بهم، ويطبقون فـيها حكم الشريعة الإسلامية، ويمنعون على المواطنين الآخرين دخولها. وقد قام مراسلو القناة الأميركية ومذيعوها وضيوفها، من أمثال غريغ بالكوت وجينين برو وستيف إيمرسون وشون هانيتي بالحديث والإشارة إلى تلك المناطق الخطرة، ولم تتوقف «فوكس نيوز» عن بث مثل تلك الأقاويل المتحيزة والتقارير المفبركة، إلا عندما قام بعض رؤساء بلديات المدن الفرنسية والبريطانية بالتهديد بمقاضاتها أمام القانون، ومطالبتها بالاعتذار عن إعلامها المتحيز والمثير للكراهية.
وبالفعل فقد قام صحافـيان، فـي القناة، بإصدار «تصحيحات عن أخطاء» تمثل بعض أوهام الجناح اليميني، ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان.
إن السياسيين الجمهوريين يتبنون التصورات غير الصحيحة للجناح اليميني حول أوضاع المسلمين فـي أوروبا ويقومون بإسقاط تلك التصورات على مسلمي الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق يمكن نفهم دعوة المرشح اليميني للرئاسة الأميركية تيد كروز إلى مراقبة المجتمعات الإسلامية فـي أميركا بعد هجمات بروكسل.
والحقيقة أنه لا توجد فـي الولايات المتحدة، كما هو الحال فـي أوروبا مثلا، أحياء إسلامية، ففـي أميركا يعيش المسلمون إلى جانب غير المسلمين فـي كل أنحاء البلاد. وقد رد قائد شرطة مدينة نيويورك بيل بارتون على مثل هذه الادعاءات بأن دائرته تضم حوالي ألف شرطي مسلم يعملون على تأمين حماية المواطنين الأميركيين، بمن فيهم المرشحون المتعصبون للرئاسة الأميركية. وقال «كروز لا يعرف عما يتكلم، فعندما كان يتجول فـي مدينة نيويورك فمن المرجح أن شرطيين مسلمين كانوا يعملون على حمايته».
وحتى هنا، فـي منطقة مترو ديترويت التي تتمتع بكثافة سكانية عالية من العرب والمسلمين، إلا أن هذه المناطق ليست مقصورة عليهم، وإنما يعيشون فـيها إلى جانب جيرانهم من مختلف الإثنيات والأديان والمذاهب، وهم يشكلون عامل استقرار وازدهار فـي المنطقة التي تنتشر فـيها الأعمال والاستثمارات، وتتميز بثقافتها المتنوعة والمسالمة، كما تتميز بانخفاض نسبة أعمال العنف والجريمة مقارنة بالمدن الأميركية الأخرى.
وقد غرد عميد الكونغرس الأميركي السابق النائب جون دينغل على صفحته على موقع «تويتر» قائلاً: «إذا قصدت مطعم لابيتا فـي مدينة ديربورن، فسوف تشاهد عشرات الزبائن من المسلمين الأميركيين، وأي واحد من هؤلاء يصلح أن يكون رئيساً لأميركا بأكثر مما يصلح كروز».
إن المتعصبين اليمينيين، وفـي مقدمتهم ترامب وكروز، يجب أن يكونا مسؤولين عن مثل هذه التلفـيقات التي يحاولان بها تصيد الأصوات الانتخابية الرخيصة على حساب سلامة المواطنين الأميركيين ووحدة الوطن.
وكما أن مواطنينا الأميركيين يطالبوننا بإدانة الإرهاب وشجبه، فإننا نطالبهم بدورنا-خاصة البيض المسيحيين- بإدانة ترامب وكروز لتعصبهما المقيت وتحيزهما ضد المسلمين، اللذين قد يسيئا بها إلى موقع أميركا فـي العالم ويهددون أمنها واستقرارها.
Leave a Reply