عماد مرمل – «صدى الوطن»
مرة أخرى، عاد العماد ميشال عون الى التلويح باستخدام الشارع للوصول الى قصر بعبدا، بعدما أقفلت فـي وجهه دروب المؤسسات الدستورية، فلا المجلس النيابي الحالي الممدد له يمكن ان ينتخبه رئيساً للجمهورية بسبب افتقار الجنرال الى أصوات الاكثرية، ولا الطبقة السياسية الحاكمة مستعدة لوضع قانون انتخاب عصري يفرز مجلساً جديداً يتولى انتخاب الرئيس.
ليس جديدا فـي تكتيكات الجنرال الاحتكام الى الأرض لمحاولة تغيير قواعد اللعبة حين تصبح مقفلة، ذلك أن هناك علاقة عضوية بين «التيار الوطني الحر» والشارع، تبدأ منذ عام 1989 حين كانت الحشود تزحف الى قصر بعبدا تأييداً لعون عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية، لتتحول التظاهرات والاحتجاجات الشعبية لاحقاً الى واحدة من أهم أدوات الضغط فـي المعارك السياسية التي خاضها الجنرال، سواء من المنفى الباريسي أو من مقره فـي الرابية.
وكان عون قد وجه رسالة واضحة الى من يهمه الأمر، خلال الاحتفال الذي أقامه مؤخراً التيار فـي ذكرى 14 آذار (حرب التحرير ضد الجيش السوري)، حين دعا أنصاره الى تجهيز سواعدهم استعداداً لكل الاحتمالات، لتبدأ منذ ذلك الحين كوادر التيار بتحضير القواعد ورفع الجهوزية، للمباشرة فـي التحرك على الارض متى حدد عون ساعة الصفر.
لكن يبدو أن دون تحديد ساعة الصفر، حتى الآن، عاملين مؤثرين، لا يستطيع عون تجاهلهما:
الأول، يتمثل فـي اضطراره الى مراعاة حسابات حليفه «حزب الله»، وعدم احراجه بتحرك واسع، يخترق السقوف التي تؤطر المرحلة الحالية.
والثاني، يتعلق بالموقف الهجومي الذي اتخذه رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية بتحذيره من أن استخدام الشارع للضغط من أجل فرض عون رئيساً للجمهورية، سيعني كسر المحرمات، وتالياً احتمال حضوره وكتلته النيابية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كان لا يزال يقاطعها، برغم انه مرشح، احتراما لمقتضيات التنسيق مع «حزب الله».
ويعكس تبادل التهديدات والانذارات بين الرابية وبنشعي وصول العلاقة الثنائية الى مرحلة حرجة جداً، تنذر بالأسوأ، إذا لم يتم تدارك التصعيد، قبل فقدان السيطرة عليه.
وتُحمّل مصادر «المردة» عون المسؤولية عن المأزق الحالي وما يمكن أن يفرزه من تداعيات لاحقة، متهمة إياه بانه لا يمانع فـي سلوك كل الطرق، بما فـيها تلك المتعرجة، للوصول الى قصر بعبدا، حتى لو تطلب الامر منه اجراء «مصالحات مصلحية»، على حساب ثوابت تياره، مع ألد الخصوم السياسيين، مثل «القوات اللبنانية» التي وقع معها عون تفاهما، والنائب خالد الضاهر الذي زاره مؤخراً وفد من التيار.
فـي المقابل، أكد أمين سر تكتل التغيير والاصلاح، النائب ابراهيم كنعان لـ«صدى الوطن» أن المطلوب انتخاب رئيس ميثاقي للجمهورية، يستطيع أن يعيد الاعتبار الى الشراكة الوطنية الحقيقية، انطلاقاً من تمثيله الواسع للوجدان المسيحي، كما هي حال العماد عون الذي بات ترشيحه يمثل إرادة الاكثرية الساحقة من المسيحيين، لاسيما بعد الاتفاق مع القوات اللبنانية.
وينبّه كنعان الى مخاطر الاستمرار فـي تهميش مكوّن لبناني أساسي، بدءاً من رئاسة الجمهورية وانتهاء بآخر موقع وظيفـي فـي الادارة، متسائلاً: هل يجوز أن يصل الاستهداف الى حد إزاحة موظف فـي وزارة المال أو فـي «النافعة» (مصلحة تسجيل السيارات) فقط لأنه مسيحي، وهل يدري أصحاب سياسة الإقصاء ماذا يفعلون؟
ويشدد على ضرورة احترام الميثاق الوطني، من خلال التوازن فـي الشراكة، والإقرار بحقيقة الأحجام والأوزان، معتبراً أنه -ومع احترامنا للنائب فرنجية- لا يمكن «نفخه» بكتلة وهمية أو بتأييد إسلامي واسع ثم يصار الى تقديمه كممثل للمسيحيين، يحظى بدعم 70 نائباً، أتى معظم المسيحيين منهم بأصوات المسلمين.
ويلفت كنعان الانتباه الى أن قانون الانتخاب الجائر لا يفرز توازنات حقيقية، مشدداً على وجوب إعادة تكوين السلطة وفق معايير سليمة.
وعلى قاعدة أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة المرض المتمثل فـي أزمة النظام، وليس التلهّي بعوارضه الجانبية، يوضح كنعان أن «التيار الوطني الحر» يرفض عقد اي جلسة نيابية عامة، تحت مظلة «تشريع الضرورة»، كما ينادي الرئيس نبيه بري وآخرون، مشيراً الى ان سياسة الترقيع لا تفـيد، وبالتالي فان استعادة شرعية النظام هي أهم من التشريع الذي يفتقر الى الميثاقية فـي ظل مجلس ممدد له، وقصر جمهوري شاغر يراد ان يملأه رئيس يشكل امتدادا للازمة، فـي حين نريد من الاستحقاق الرئاسي ان يكون مدخلا الى حلها.
لكن هذه المبررات لا تقنع النائب وليد جنبلاط الذي أبلغ «صدى الوطن» تأييده عقد جلسة تشريعية، وذلك استكمالا لمسار جلسة سابقة عقدت العام الماضي على قاعدة تشريع الضرورة أيضاً، معتبراً انه وفـي ظل استمرار الخلاف حول رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب علينا أن نبادر، على الأقل، الى إقرار مشاريع تهم الناس، منبها الى محاذير الاستمرار فـي إضاعة الوقت والفرص.
Leave a Reply