كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بات لبنان يخشى من مشروع دولي لتوطين جديد للنازحين السوريين، بعد أن فجّر مخطط إسرائيلي عُرف بمشروع «آلون» حرباً أهلية لبنانية، لتوطين الفلسطينيين فـيه، حيث جاء التحذير من وزير الخارجية جبران باسيل، الذي ومن خلال المؤتمرات الدولية والإقليمية التي يحضرها، يشمّ رائحة تمديد إقامة النازحين السوريين، تحت شعار «العودة الطوعية» لهم الى سوريا، دون تحديد فترة زمنية، وهو ما تقدمت به الأمم المتحدة، ورافقت اقتراحها بتمكين هؤلاء من العمل، وتأمين فرص لهم، وصرف الأموال من أجل أن ينشئوا مؤسسات إنتاجية تؤمن موارد لهم، إضافة الى ما تقوم به الأمم المتحدة من رعاية تربوية وصحية واغاثية لمن تسجلوا لديها، وبلغ عددهم فـي لبنان حوالي مليون ومئتي ألف نازح، والبعض برفع العدد الى مليون ونصف المليون يشكلون مع نصف مليون فلسطيني لاجئ، حوالي نصف اللبنانيين، وهو ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أثناء زيارته الى لبنان، الذي يتحمل أعباءً مالية واقتصادية وتربوية وديموغرافـية وأمنية، أكثر من طاقته الإستيعابية، لضيق مساحته الجغرافـية، وصغر حجم اقتصاده وموارده المالية، وتوجه بالشكر الى اللبنانيين، على تحملهم ما لم تستطع دول أخرى بإمكاناتها المالية ومساحتها الجغرافـية وحجمها الديمغرافـي.
فالنزوح السوري الى لبنان، كان الأكثف بين دول الجوار، ولم ينحصر بالمناطق الحدودية المتاخمة له، بل وصل إليه آلاف من السوريين الذين قدموا من مناطق درعا القريبة من الأردن، ودير الزور والحسكة فـي شمال وشرق سوريا، ومن حلب فـي الشمال أيضاً، الى إدلب فـي الغرب، وحمص وحماه فـي الوسط، وهو ما أثقل اللبنانيين بهذا الكم الهائل من النازحين الذين توزعوا على كل المناطق اللبنانية دون استثناء، وإن كانت الكثافة ،فـي الشمال والبقاع المتاخمتين للحدود مع سوريا.
مهاترات سياسية
فهذه الكثافة من النزوح السوري، تعاطى معها المسؤولون اللبنانيون الرسميون، والسياسيون والحزبيون، ورجال دين، و«جماعات إسلامية»، على أنها شيء طبيعي، وبدأت مزايدات سياسية، عمَن يريد أن يوظف هذه الورقة سياسياً، فرفض فريق «14 آذار» إقفال الحدود أمام النازحين، أو الضغط لعودتهم الى مناطق آمنة فـي سوريا، أو نقلهم الى منطقة عازلة بين لبنان وسوريا، القريبة من حدود البلدين و كل هذه الإقتراحات التي تقدم بها الوزير باسيل، قبل أن يتولى حقيبة الخارجية جوبهت بالرفض، لا بل أن النائب وليد جنبلاط شنّ حملة على الأجهزة الأمنية التي تبعد سوريين متورطين أمنياً أو المتسللين الى لبنان، لأن النظام السوري سيقتص منهم، كما إعتبر «تيار المستقبل» وقوى سياسية أخرى لا سيما الإسلامية منها، مواقف باسيل بأنها «عنصرية» لتظهر لهم بعد سنوات خطورة النزوح السوري، الذي تنام فـيه خلايا وشبكات إرهابية، تقوم الأجهزة الأمنية بكشفها وتوقيفها، لكن التقارير الأمنية، تخشى من أن يأتي الوقت لتنفجر القنابل الموقوتة الموجودة فـي أماكن إقامة النازحين فـي مخيمات خاصة بهم، أو فـي أحياء ومنازل يسكنونها، إذ أن التقديرات الأمنية، تتوقع أن يُفرز النازحون من بينهم حوالي خمسين ألف مقاتل، هو ما يوازي عديد الجيش اللبناني، إضافة الى مئات من الإنتحاريين المنتشرين فـي كل المناطق اللبنانية، وينتمون الى تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، حيث توقف القادة الأمنيون ومراجع حزبية وسياسية، عند «الشريط المتلفز» الذي وزعه تنظيم «داعش» عبر مكتبه الإعلامي فـي الرقة، والصادر عن «الدولة الإسلامية فـي العراق والشام»، ويظهر فـيه شخصان لبنانيان يدعيان «أبو خطاب اللبناني» (عمر الساطم) و«أبو عمر الشامي» (بسام بيتية)، يتوجهان الى «أهل الصحابة» أي السُنّة، ويدعونهم الى قتال «الروافض» (الشيعة) و«الكفار» (المسيحيين)، و«المرتدين» من السُّنة، مع ذكر أسماء شخصيات من كل الطوائف، مَن يريد تنظيم «داعش» استهدافهم ومنهم الرؤساء نبيه برّي وميشال سليمان وسعد الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله والوزير نهاد المشنوق وآخرين.
خطر ديموغرافـي
فخطر النزوح السوري كما فـي شكله الحالي خطير على الأمن والإقتصاد والديموغرافـيا فـي لبنان، فكيف إذا تُرك أمر عودة النازحين يتم بشكل طوعي، ما يعني تمديد إقامتهم، وتنفـيذ «توطين مقنّع» لهم، صار مطلباً دولياً، كي لا يلجأ هؤلاء الى أوروبا، التي يفجر فـي شوارعها الإرهاب الذي تقوم به «داعش» المولودة من رحم تنظيم «القاعدة»، إذا إتّخذت الدول إجراءات للحد من الهجرة إليها، مع التفجيرات التي أصابت بروكسل مؤخراً وفرنسا قبل أشهر، وهي إمتداد لتفجيرات بدأت فـي العام 2004 فـي إسبانيا و2005 فـي بريطانيا، ولم يتوقف المسلسل منذ ذلك التاريخ.
من هنا يبرز خطر ما يُطرح فـي أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من توطين للسوريين النازحين، تحت عنوان إنساني وأمني، دون مراعاة ظروف لبنان الذي قدم ما يستطيع للنازحين السوريين و قبلهم للاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، تاريخ تشريدهم من أرضهم على يد الصهاينة، الذين يرفضون حق العودة لهم المثبت بالقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، فتحول اللجوء الفلسطيني المؤقت الى دائم، وارتفع عدد الفلسطينيين من مئة ألف الى نصف مليون فـي لبنان.
فما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين الذين رعتهم الأمم المتحدة عبر «منظمة غوث اللاجئين» (الأونروا)، فإن هذا ما يجري مع السوريين الذين تقدم لهم الأمم المتحدة، المساعدات الإنسانية، إلا أنها تخبئ وراءها، استمرار إقامتهم فـي لبنان، وهو ما حذّر منه وزير خارجية لبنان، وقاطع زيارة بان كي مون الذي يعتبره فـي مكان ما متواطئاً فـي موضوع إقامة دائمة للنازحين السوريين، التي ستتحوّل الى إسمها الحقيقي التوطين الذي سيأتي وراءه التجنيس، كما حصل مطلع العام 1994، وهذا سيغيّر فـي «الديموغرافـيا اللبنانية»، وغلبة طائفـية من لون مذهبي، إذ سبق وتمّ تجنيس فلسطينيين وسوريين، فـي مخالفة لمقدمة الدستور، التي ترفض التوطين الذي يجري تنفـيذه بالتجزئة، وهو ما يخشى منه اللبنانيون، لاسيما المسيحيون منهم، الذين يرفعون الصوت مطالبين بحقوقهم التي تتناقص فـي الوظائف الرسمية، كما أن تمثيلهم النيابي يأتي بأصوات السّنة، وهو ما رفع من نبرة «الخطاب الطائفـي» لدى القوى المسيحية، التي تطالب بحصتها ليس فقط فـي وظائف الفئة الأولى، لا بل الأدنى منها، وصولاً الى حاجب موظف فئة سادسة.
صناعة إسرائيلية
ومشاريع التوطين الفلسطينية، هي من صنع الإسرائيلي، الرافض لحق العودة للفلسطينيين الى أرضهم، وطرح فـي مطلع السبعينات مشروع «الوطن البديل» للفلسطينيين فـي الأردن، وتسبب بمعارك بين النظام الأردني والمنظمات الفلسطينية، وتوطينهم فـي لبنان، اشعل حرباً أهلية، بين قوى إنعزالية طائفـية لبنانية وتنظيمات فلسطينية وحلفاء لهم، وقد وقع هؤلاء فـي الفخ الإسرائيلي، فبدلاً من أن يواجهوا أصحاب المشروع الصهيوني، إرتدّ خلافهم الى إقتتال فـيما بينهم، لا بينهم وبين العدو الذي نجح فـي تفجير الفتنة، مستغلاً تصرفات شاذة لبعض العناصر المنضوية تحت الفصائل الفلسطينية.
فالنازحون السوريون ليسوا هم مَن يطرح إقامتهم، وأن ظروف الحرب فرضت هجرتهم الى لبنان ودول الجوار وصولاً الى أوروبا ودول أخرى، وإن رفض أي مشروع أممي قد يطرح، لا يكون بتوجيه الخلاف مع النازحين، بل العمل معهم على رفضه، كي لا ينزلق لبنان الى أتون حرب داخلية، يكون السوريون طرفاً فـيها، وهذا ما يدمّر لبنان، كما حصل مع رفع شعار «لا للتوطين الفلسطيني» وهو مطلب محق لمن رفضه، بل إن الجريمة التي أرتكبت عندما توجه السلاح الى مَن يُفرض عليه التوطين وهم الفلسطينيون الرافضون له، والذين حملوا السلاح وبدأوا الكفاح للعودة الى فلسطين، وفرض تنفـيذ حق العودة على الكيان الصهيوني، الذي نجح فـي تحويل رفض التوطين الفلسطيني واللبناني، الى فتنة بينهما.
وما أثاره الوزير باسيل من تحذير بشأن مخطط لتوطين النازحين السوريين، يجب أن يواجه بالرد الموضوعي، لا فـي زيادة الشرخ الداخلي، وعليه هو أيضاً أن يحوّل هذا الملف الى قضية وطنية، إذ كانت المعلومات دقيقة لأن من شأن ذلك الإطاحة بمقدمة الدستور التي ترسخ صيغة العيش المشترك، وفـيها رفض للتوطين من أية جهة أو مجموعة أتى، لأن فـيه إخلال بالتركيبة اللبنانية المستندة الى تعددية طائفـية، سميت «ديمقراطية توافقية».
والتوطين المطروح من الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين، لأنه لا يعترف بوجود فلسطين ولا بشعب يحمل اسمها، وان اغتصابه لها، كان تحت شعار «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب»، وهذا ما لا ينطبق على النازحين السوريين الذين خرجوا من بلادهم، بسبب الحرب التي فُرضت عليهم، والصراع على السلطة، وهو ما لا يمكّن من أن يكون مشروع التوطين لهم فـي لبنان، قابلاً للتنفـيذ، والعوائق أمامه كثيرة، سياسية ودستورية وديموغرافـية واقتصادية، والرفض اللبناني الجامع له، وهو ما فرمل ما طرحته الأمم المتحدة، ودفع أمينها العام، الى القول إنه غير مطروح فـي لبنان، والذي يتهمه باسيل بالترويج والسعي له.
Leave a Reply