خليل إسماعيل رمَّال
فعلها البلد الأعجوبة مرة ثانية وأضاء صخرة الروشة بعَلَمْ بلجيكا تضامناً مع ضحايا الاٍرهاب الداعشي الوهَّابي فـي بروكسل. بلد خيال الصحرا المقطوعة فـيه الكهرباء والماء والمقطَّع الأوصال والذي بحاجة إلى أطنان من الأمصال، تضامن فـي السابق أيضاً مع أمِّه الحنون فرنسا لنفس السبب، لكنه لم يرَ ويسمع بشهداء برج البراجنة ولبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو المنطقة الشرقية فـي شبه الجزيرة العربية المغتَصَبَة. فبالنسبة لشبه الوطن «شارلي إيبدو» أقرب اليه من جريدة «السفـير»، التي كادت تندثر وتموت معها حقبة الصحافة الوطنية. هذا البلد لا تعني له شيئاً الضاحية وباقي المناطق، ودماء ضحايا الغرب عنده أغلى من أبناء الوطن الصغير والكبير (لا عتب على صحافة الرجل الأبيض إذاً)، ذلك لأن الكيان اللبناني الجهيض، منذ نشوئه كان دائماً يشرئب بعنقه نحو أوروبا وأميركا وبقي طيلة ٥٠ عاماً يُعرَف بأنه فقط «ذو وجه عربي».
وفـي الأسبوع الماضي انشغل البلد بأكمله بإهانة المطربة الإماراتية، أحلام للبنانيين بعد انتقاد بعض الإعلام اللبناني لبرنامجها الفاشل (الملكة) والذي ألغي بعد الحلقة الأولى، فلم تحتمل النقد ووصفت اللبنانيين بـ«الشحاتين» معيِّرةً إياهم بالزبالة فـي طرقاتهم. ورد الفنان عادل كرم فـي برنامجه «هيدا حكي» على شاشة «أم تي ڤي» المتصهينة، الصاع صاعين على أحلام التي كانت قد تراجعت بعد الحملة الواسعة ضدها على السوشال ميديا، فأوضحت أنها لم تخصّ بكلامها إلا بعض الإعلاميين اللبنانيين. لكن هذا لم يشفع لها عند مبضع لسان عادل كرم الذي لم يبق فـيها ستراً مغطَّى وسط تصفـيق حاد من الجمهور مع أنه كان حريصاً على ألاَّ يُغضِب الخليج رغم أن هذا الخليج يقوم بطرد عنصري تعسفـي للمئات من العائلات اللبنانية.
وقد تستحق أحلام كل هذا الغضب الذي بقدرة قادر وحَّد اللبنانيين كما لم توحدهم عداوة الإسرائيليين ولا زبالة السياسيين الذين بالكاد رحَّلوا النفايات وبقوا هم على صدورنا قابعين بعد تقاسمهم الجبنة حتى أصبح لبنان مضرب مثل الزبالة يعيبه ويعايره «الذي يسوى والذي لا يسوى»!! لقد صبوا جام غضبهم وثاروا لكرامتهم المسلوبة من قبل مطربة فاشلة ويا ليتهم حنقوا على وحوش المال من نواب ووزراء وحراس النظام ولصوص الصفقات الذين يعيثون فـي البلد ويتركونه فـي مهب الفراغ من دون محاسبة ولا من يحزنون. كل هذا لم يثر حفـيظة اللبنانيين، بل تقزَّم احتجاجهم من ثورة شعبية واسعة أخمدتها السلطة الغاشمة بكل الأدوات والأساليب الملتوية، ليقتصر على حفنة قليلة من النشطاء فـي حملة «بدنا نحاسب»!
غير طبيعي أنْ يتخدَّر الشعب لهذا الحد وهو يرى النفط الموعود تسرقه إسرائيل التي كادت تصبح مصدِّرة له بينما الحكومة لم تبدأ فـي التنقيب بعد، ثم ماذا عن فضيحة شبكات الإنترنت المشبوهة؟ هل تمت لفلفتها كما أسلفنا برغم خطورة هذا الملف، فـي أبعاده المالية والامنية والتقنية والوطنية؟! وأخيراً وليس آخراً، ماذا عن فضيحة تورط عشرات الضباط والرتباء فـي سرقة مليارات الليرات من «الرزق السائب» للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي منذ أيام أشرف ريفـي، حيث تبيَّن وجود شبكات وعصابات نصب واحتيال داخل المديرية كانت تعمد إلى ابتزاز العناصر لتسيير معاملاتهم حتى فـي تلك التي تتعلق بالمعدات الطبية للمرضى من ذوي العسكريين.
فـي هذه الأثناء، يتضاعف خطر «داعش» على أبواب عكار والشمال لتجديد إمارته ومنفذه البحري، خصوصاً بعد هزيمته الإسترتيجية إثر تحرير تدمر على يد الجيش العربي السوري والمقاومة وإيران وروسيا التي، كما أوضحنا سابقاً، لم تسحب قواتها من سوريا بل إنها قامت بتعزيزها للقضاء على الارهاب التكفـيري فلم تتم فرحة أعداء سوريا. وهنا على الهامش لا خيار للغرب الغبي إلا أن يعترف بخطأ التآمر على سوريا ويقف مع الرئيس بشَّار الأسد، لا أردوغان، لمحاربة الوهابيين الدواعش إذا أراد حل مشكلته وإلا فلينفلق!
لكن رغم هذا مازال السياسيون يتلهون بالقشور بينما الوضع المعيشي والصحي والمالي والقضائي وصل إلى حالة يُرثى لها، والنَّاس فـي الداخل لا يعنيهم فـي الأمر شيء ولا حتى رغيف خبز الفقير المسرطن، أما المغتربون فـيكادون يُصابون بجلطة كلما سمعوا أخبار لبنان خوفاً وقلقاً على أحبائهم. الظاهر أنَّ الشعب تعود العيش فـي بلد فلتان يشاهد فـيه يومياً كيف ينهش حرامية النظام الرزق السايب! عجيب، ما سر هذا التنويم المغناطيسي؟
Leave a Reply