كان لدعم العرب والمسلمين الأميركيين للمرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية بيرني ساندرز تأثيرا حاسما أهلّه لفوز تاريخي فـي ولاية ميشيغن، بفارق لم يتجاوز ١٩ ألف صوت على منافسته الأوفر حظاً هيلاري كلينتون التي تتمتع بدعم قيادات الحزب الديمقراطي، أو ما يعرف بـ«كبار الناخبين» الذين سيكون لكل منهم صوت فـي مؤتمر الحزب المقرر فـي فـيلادلفـيا أواخر تموز (يوليو) المقبل، ومن بين هؤلاء سبعة ناخبين كبار من ميشيغن، هم خمسة نواب وسيناتوران، جميعهم أعلنوا تأييدهم لوزيرة الخارجية السابقة رغم أن أغلبية ناخبي الولاية كان لهم رأي مغاير.
كما برهن ناخبو ميشيغن على أن استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات التمهيدية يوم الثامن من آذار (مارس) الماضي، كانت مخطئة، لاسيما وأن معظمها تنبأ بفوز كلينتون، ومع ذلك يظل دعم ديموقراطيي الولاية لوزيرة الخارجية السابقة بمثابة بيضة القبان، فلكي يحوز المرشح الرئاسي تسمية الحزب الديمقراطي، يتوجب عليه أن يجمع 2383 صوتا من أصوات المندوبين، 30 بالمئة منهم من قيادات الحزب وحكام الولايات والمشرعين فـي الكونغرس الأميركي، وهؤلاء يطلق عليهم إسم «المندوبون الكبار» (Superdelegates) ويشكل مجموعهم ٧١٤ صوتاًَ من أصل ٤٧٦٥ سيقررون من الحزب ذاته تسمية المرشح الذي سيحظى بدعم الحزب فـي الانتخابات الرئاسية العامة المقررة فـي تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
ومن الواضح أن قرار هؤلاء السياسيين سيكون مرجّحاً لاسم المرشح الفائز، بغض النظر عما إذا كان يحظى بأغلبية أصوات الناخبين الذين اختاروا بقية المندوبين من مختلف أنحاء الولايات المتحدة و«المواقع الأميركية» فـي الخارج.
إن عملية تسمية الحزب الديمقراطي للمرشح الرئاسي حسب هذه الوصفة تفتفر إلى أدنى منطق الديمقراطية، الذي تقوم على المعادلة الذهبية المعروفة: صوت واحد لكل ناخب!
حصة ميشيغن من المندوبين الكبار هي 17 مندوباً بينهم 10 داعمون لكلينتون، فـيما لم يقرر البقية لمن سيمنحنون أصواتهم، مع الإشارة إلى أن أيا منهم لم يعلن دعمه لساندرز.
وتضم قائمة مندوبي ميشيغن الكبار -بالإضافة إلى عشرة من قيادات الحزب- كلا من النواب ساندر ليفن وبرندا لورانس وديبي دينغل ودان كيلدي وجون كونيورز، إضافة إلى عضوي مجلس الشيوخ السناتورين ديبي ستابينو وغاري بيترز، وهم جميعا يقفون إلى جانب كلينتون ويدعمون تسميتها للرئاسة على الرغم من أن أغلبية أصوات ناخبي الولاية فـي الحزب الديمقراطي قد ذهبت لصالح ساندرز. وإذا تمسك المشرعون بقراراتهم فهذا يشير إلى أنهم لا يأخذون بعين الاعتبار نتائج صناديق الاقتراع التي هي أساس العملية الديمقراطية وفـي صلب أدبيات الحزب الذي يفترض به أن يكون مثالا يحتذى فـي الديمقراطية.
وفـي هذا السياق، كان صادما ما أدلى به النائب الديمقراطي عن فلنت، دان كيلدي بعد أقل من أسبوع على فوز ساندرز فـي انتخابات ميشيغن، حين قال: «أنا أعرف هيلاري منذ زمن طويل، وقد قررت أن أكون إلى جانبها». كيلدي بهذا التصريح ضرب بعرض الحائط ما أسفرت عنه انتخابات الولاية مقدماً رأيه الشخصي على قرار الناخبين، حتى قبل أن ينشف الحبر على بطاقات الاقتراع!
وبانتظار مؤتمر الحزب فـي فـيلادلفـيا، على مندوبي ولاية ميشيغن التفكير بعمق بمعنى الذهاب حتى النهاية والتصويت لصالح كلينتون، لما قد يكون لذلك من انعكاسات سلبية على شعبية الحزب فـي الولاية التي لطالما صوتت للمرشح الديمقراطي فـي سباق الرئاسة باستثناء الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان.
وقد أظهرت الجولة التمهيدية فـي ميشيغن، أن لدى المرشح الجمهوري دونالد ترامب حظوظاً قوية لسحب بساط الولاية من تحت أقدام الديمقراطيين فـي نوفمبر، وإذا تمسك كبار المندوبين بدعم كلينتون رغم حصول ساندرز على الأغلبية الشعبية، فإن ذلك -بلا شك- سيضعضع قواعد الحزب فـي ميشيغن وسائر الولايات الأميركية التي صوتت لساندرز بكثافة.
إن الفشل الذي مني به الديمقراطيون فـي حشد الناخبين بالولاية، مقارنة بالجمهوريين، سوف يتفاقم إذا ما قرر مندوبو الولاية الكبار التصويت لصالح كلينتون، وسوف يزدادون بذلك عزلة عن ناخبيهم فـي المستقبل.
ومن الواضح أن الديمقراطيين بحاجة لاجتذاب الشباب إلى صفوفهم، وهو الأمر الذي ينجح فـيه سناتور فـيرمونت بشكل لافت حتى أنه نجح فـي تشكيل تيار شعبي مواز لترامب، حيث يتسابق المرشحان على حشد آلاف المناصرين فـي مهرجاناتهم الانتخابية، فـي حين يكتفـي باقي المرشحين بإطلالات خجولة.
فعلى سبيل المثال كسبت كلينتون 1280 من أصوات المندوبين خلال الانتخابات بالمقارنة مع 1030 صوتا لساندرز، وإذا ما أضفنا أصوات الناخبين الكبار فسوف تتغير النتائج بشكل دراماتيكي، خاصة وأن 30 «مندوباً كبيراً» فقط يدعمون ساندرز مقابل 469 يدعمون كلينتون.
وصحيح أن الناخبين الكبار يمكن أن يبدلوا مواقفهم، وقد حصل هذا الأمر فـي انتخابات الرئاسة الأميركية، فـي العام 2008، حين بدلوا مواقفهم المؤيدة لكلينتون وصوتوا لمنافسها، الرئيس الحالي باراك أوباما.
ولكن ما تقوم به وسائل الإعلام الأميركية حين تنشر إحصاءاتها المتعلقة بحصاد المندوبين مع كل جولة انتخابية، هو العمل على إضافة أعداد «المندوبين الكبار» إلى «المندوبين» المنتخبين، فبذلك «تموّه» الحقيقة، ليبدو أن كلينتون تتقدم بفارق كبير على ساندرز.
ولهذا السبب فقد اعتمدنا أن نسقط عمدا الإحصاءات المتعلقة بـ«المندوبين الكبار» من الـ«أنفوغراف» الذي تنشره «صدى الوطن» أسبوعياً (ص-12) لنبيّن الحصاد الحقيقي للمندوبين المنتخبين لكل مرشح.
Leave a Reply