حسن خليفة – «صدى الوطن»
بمناسبة شهر التوعية بـ«مرض التوحد»، نيسان (أبريل) أطلقت منظمة «الأيادي الزرق المتحدة» فـي ديربورن بالتعاون مع «المركز الإسلامي فـي أميركا» حملة لتوعية وتثقيف أهالي المدينة حول هذا المرض الذي يصيب الأطفال ويسبب لهم العزلة وسوء الفهم الاجتماعي مما يحبط كثيراً من العائلات العربية التي يعتبر بعضها أن هذا النوع من الاضطرابات يشكل مصيبة وعاراً.
وقد شارك العشرات من أهالي المدينة بحضور أطباء وناشطين محليين فـي إطلاق حملة التوعية خلال حفل أقيم مساء الجمعة، الأول من نيسان (أبريل) الماضي، بـ«المركز الإسلامي فـي أميركا»، حيث تمت إضاءة المسجد الكبير المطل على شارع فورد بالأنوار الزرق إعلاناً عن إطلاق الحملة تحت عنوان «أنيروها زرقاء».
وعبرت رئيسة تجمع السيدات فـي «المركز الإسلامي» ميرفت قدوح فـي بيان بالمناسبة عن حجم التحدي الذي تواجهه جاليتنا للتعرف على هذا النوع من الاضطربات، بسبب نقص المعلومات وقلة الخبرة الصحية، إضافة إلى الإحراج والخجل الاجتماعي الذي يدفع بعض الأهالي إلى التستر على حالة أولادهم المتوحدين.
وفـي لقاء مع «صدى الوطن» أشارت قدوح إلى أن العائلات العربية الأميركية تفضل إنكار وجود هذا النوع من الإصابات بين أبنائها خوفا من ردود الأفعال السلبية، وإساءة فهم سلوك المصابين. وشددت على «أننا يجب أن ننفتح تجاه هذا النوع من الاضطرابات، وأننا يجب أن نعتني بهؤلاء الأطفال فـي مجتمعنا».
وأكدت طبيبة الأطفال لبنى فقيه، التي تحدثت خلال كلمة الافتتاح لفعالية الحملة، أن العديد من العائلات العربية الأميركية لا ترغب بالإفصاح عن إصابة أبنائهم بمرض التوحد، وغالبا ما يخفون ذلك إذ لا تتسبب تلك الإصابة بإلحاق العائلة بلقب مشتق من إصابة أحد أبنائها، كما لو أن «المتوحد» معوق جسدياً أو عقلياً.
وأضافت أن التشخيص لا يقتصر فقط على المريض، وإنما يشمل كامل العائلة التي يجب عليها أن تتعامل مع نمط الحياة الذي تفرضه إصابة أحد أفراد العائلة.
من ناحيتها، قالت مؤسِسة منظمة «الأيادي الزرق المتحدة» فـي ديربورن، منى علوية إن التوحد غدا وباءً فـي الولايات المتحدة، و«بات مألوفاً أن كل واحد منا يعرف مصابين بهذا المرض»، ففـي الولايات المتحدة، يوجد طفل مصاب واحد بين كل 68 طفلاً، وهو أكثر انتشارا بين الذكور حيث يصاب واحد من بين كل 42 طفلاً ذكراً، بحسب «مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض».
وأضافت علوية «يمكن لهذه الحملة التي أطلقناها أن تأتي بنتائج إيجابية إذا ازداد وعي أبناء الجالية بهذا المرض».
وتابعت: إننا نحرز تقدماً، ولدينا المزيد من العائلات التي تقبل على حضور الفعاليات المرتبطة بالتوحد، خلافا للسابق، وهم يجلبون أطفالهم معهم، ويبدون انفتاحا أكبر نحو الحديث حول هذه الموضوعات.
وأبدت إحدى الأمهات الحاضرات، وتدعى بادية سليمان، حماساً للمشاركة فـي الفعاليات التي تنشر الوعي حول مختلف أنواع الأمراض، وأعربت عن رغبتها فـي دعم العائلات التي لديها أطفال متوحدون، مضيفة أنها ترغب بأن يدرك الناس أن هذه المسألة مهمة، وكل شخص يجب أن يتثقف حولها.
وقال والد أحد الأطفال المتوحدين، ممن رفضوا الإفصاح عن هويتهم، إن العائلات التي لديها أطفال يعانون من التوحد تتشارك الهموم والهواجس نفسها التي اختبرها مع زوجته لدى اكتشافهما إصابة طفلهما البالغ عمره خمس سنوات حالياً، وأضاف شاكراً القائمين على حملة التوعية، مشيراً إلى أنه لم يكن قد سمع بإسم هذا المرض قبل أن يتم تشخيص حالة طفله بالإصابة.
خرافة اللقاحات
تنتشر لدى أوساط شعبية واسعة نظرية تقول إن لقاحات الأطفال يمكن أن تزيد من احتمال إصابتهم بالتوحد، وقد كشف بعض المشاركين فـي الفعالية عن إيمانهم بهذه النظرية الشائعة، التي ظهرت للمرة الأولى بعدما نشرت دورية بريطانية، اسمها «ذي لينست» تقريرا فـي العام 1998 يربط بين مرض التوحد واللقاحات التي تعطى للأطفال، وقد ساهمت وسائل الإعلام التي اعتبرت ذلك الاكتشاف سبقا صحفـيا -حينها- فـي نشر الموضوع الذي يصفه العلماء بـ«الخرافة»، التي بات من الصعب تبديدها، مع أن معظم مؤلفـي التقرير قد تراجعوا فـي العام 2010 عن ربط اللقاحات بالتوحد، وقبل ذلك -فـي العام 2001- كانت دراسة بريطانية قد نشرت فـي دورية طبية مختصة فـي العام 2001 أثبتت بشكل واضح خطأ تلك النتائج.
وفـي هذا الإطار، فندت الدكتورة فقيه «خرافة العلاقة بين تعاطي اللقاحات والإصابة بالتوحد أمام الحضور الذي بدا معظمه مؤمنا بهذه الفكرة»، وقالت «إن الأسباب الحقيقية القابعة خلفه، وهي فـي معظمها أسباب وراثية وجينية»، مضيفة: «على سبيل المثال، إذا أصيب توأم بالتوحد، فإن احتمال إصابة توأمه تكون مرتفعة وتصل حتى حدود 90 بالمئة».
ومع ذلك، لاتزال إحدى الأمهات على قناعتها بأن اللقاح كان وراء إصابة ابنها بالتوحد، خاصة وأن أعراض المرض لم تظهر عليه إلا بعد أخذه للقاح، بحسب ما أخبرنا زوجها الذي أضاف بالقول: «ولكن هذا لا يهم.. المهم لدينا طفل مصاب وعلينا التعامل مع هذه المسألة وإيجاد الطريقة التي نستطيع بها تأمين حياة جيدة له بقدر ما نستطيع».
ولفتت فقيه إلى أن معظم الآباء ما يزالون يؤمنون بـ«خرافة اللقاحات» ولذلك فهي تكرس جهدها للعمل مع الآباء عن قرب لكي تتمكن من مد جسور الثقة بينها وبينهم.
إشارات وأعراض مبكرة
التوحد هو اضطراب يمكن أن يصيب الأطفال بدرجات مختلفة ولكن الأعراض الأساسية تكون متشابهة، بحسب فقيه، التي أكدت أن العلاج المثالي يجب أن يبدأ فـي عمر الـ18 شهرا، وفور التعرف على أعراض الإصابة التي عرفها «مركز بحوث مرض التوحد ومعالجته» بالإشارات التالية:
– فقدان التواصل البصري بين الطفل المصاب والآخرين.
– عدم استجابة الطفل لمن يبتسمون له.
– لا يستجيب عند مناداته باسمه.
– لا يلاحق الأشياء المتحركة بنظره.
– لا يحيي ولا يودع ولا يقوم بأية إشارة تنبئ عن تواصله مع الآخرين.
– لا يحدث ضجة للفت الانتباه.
– لا يستجيب لتعبيرات وسلوكيات الحنان.
– لا يتلهف لاحتضان الآخرين له.
– لا يبدي أية رغبة باللعب مع الآخرين.
التدخل المبكر
مع أنه لا يوجد علاج لمرض التوحد، إلا أن التدخل المبكر مع هذه الحالات يمكن أن يقلل بصورة كبيرة من «الإعاقة» التي قد يعاني منها الأطفال المصابون، بحسب ما قالت فقيه.
وتوجه والد أحد المصابين بنصيحة للآباء ألا يتأخروا فـي التعرف على الاضطراب الذي قد يصيب أحد أبنائهم، وقال مستفـيدا من خبرته الشخصية: إن المسألة محبطة حقا، ولكن لا تتأخروا فـي التدخل إذا شككتم بإصابة أحد أبنائكم، فهذا من شأنه أن يصنع فرقا كبيرا، وكفوا عن التفكير بأن هذا المرض يجلب العار للعائلة، وكلما قويت عزيمتكم فـي التعامل مع هذا المرض، فهذا سوف ينعكس إيجابا على حياة أبنائكم المتوحدين.
وبدورها، أشارت مريم علوية -وهي أم لطفل مصاب بالتوحد عمره ست سنوات- إلى أن الكثيرين ممن يعانون من هذا الاضطراب يكبرون ويعيشون حياة طبيعة، مؤكدة على أن ابنها ذكي ونشيط ويحب اللعب خارج المنزل، وبإمكانه التواصل مع من حوله.
وشددت على أن آباء المتوحدين يجب أن لا يهملوا أبناءهم، بل يجب أن يقضوا معهم مزيدا من الوقت، وأن يلعبوا معهم، حتى وإن لم يبدوا استجابة، فذلك لا يعني أنهم لا يفهمون ماذا يدور حولهم.
Leave a Reply