بلال شرارة
نخبة فاسدة تكشف عنها وثائق مسربة من دولة بنما ارتكزت على تحقيق صحفـي استمر سنة كاملة واستند على نحو ١١ مليوناً ونصف المليون وثيقة كانت موجودة فـي مكتب محاماة «موساك وفونسيكا» الذي يعمل منذ أربعين عاماً فـي مجال الخدمات القانونية وله فروع فـي ٣٥ بلداً حول العالم.
الوثائق كشفت عن شبكات تعاملات مالية، وتهرب ضريبي، ومدخرات من فساد مالي وسرقة للاموال العامة وإخفاء أصول عن هيئات الضرائب وتبييض اموال تورط فـيها نافذون حول العالم بينهم طبعا شخصيات أو شركات مصرفـية عربية مرتبطة بعائلات ومقربين من القذافـي ومبارك وغيرهما.
مكاتب لصحافـيين حول العالم تعمل على هذه الملفات والوثائق والفضائح التي تشير الى أنه لم يعد هناك شيء مخبأ وانه ليس هناك من شيء بعيد عن أعين ومسامع الرأي العام. اليوم «أوراق بنما» وغداً؟ من يعش يرَ.
طيب كيف يجري التعامل مع هذه الفضيحة الدولية فـي عالمنا العربي؟ مصر انموذجاً: أعلنت مصلحة الضرائب انه سيتم التنسيق مع وزارة الخارجية ومباحث الاموال العامة للتأكد من حقيقة ما نشر حول تهرب نجل الرئيس الأسبق، علاء مبارك، من سداد ضرائب مستحقة للدولة عن طريق تأسيس شركة فـي دولة بنما.
مصلحة الضرائب المصرية تقوم بالتنسيق مع نظيراتها فـي كافة الدول الموقعة على اتفاقيات تبادل معلومات وتنسيق ضريبي مع مصر لرصد أنشطة المستثمرين المصريين فـي الخارج وحجم أرباحهم.
على هذا الصعيد صرح قانونيون فـي مصر بأن الوثائق تعيد الأمل فـي استعادة الأموال المهربة، وقد وضع اساتذة القانون المصريين وصفة لاسترداد الأموال المصرية المهربة، وقالت المصادر المصرية إن تلك الوثائق هي مقدمة، ويجري الإعداد لتحريك دعاوى ضد المتهمين فـي تلك الجرائم. لكن على مصر ان تبذل مجهوداً قانونياً فـي إثبات أن تلك الأموال تم الحصول عليها من خلال إساءة استعمال السلطة أيام حكم مبارك.
وكشف د. نبيل احمد حلمي استاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق السابق فـي جامعة الزقازيق عن وجود ثلاث طرق لتهريب الأموال للخارج تتسم بالسرية من خلال الاعتماد على بصمة العين أو الصوت للتعامل مع البنوك والشركات الناقلة للأموال وذلك بهدف التهرب من الملاحقة الضريبية والقضائية.
«وثائق بنما» مثلت زلزالا هزّ العالم، خلفت الوثائق تداعيات واسعة النطاق على عدد من البلدان حيث بدأت أوروبا تتحرى وتفتح تحقيقات بدأت المطالبات لإقالة مسؤولين.
نحن نعطي مصر أنموذجاً كونها البلد الذي يثبت كل يوم أن لا تهاون فـي استعادة حقوق الدولة المنهوبة، ونحن بأمس الحاجة الى أنموذج عربي يجري تعميم تجربته على كل بلد، خصوصاً أنه فـي مصر لا أحد فوق القانون والقضاء الذي استعاد مؤخراً آلاف الفدادين من الأراضي المغتصبة، كما أن القضاء كشف فـي أكثر من مناسبة أن «هيئة الاغاثة الاسلامية»، هي طريق «الإخوان» لغسل الأموال وتهريبها الى الخارج، وأن حصيلة تصالح حسين سالم مع الدولة بلغت ٨.٥ مليار جنيه. وأن القضاء المصري استعاد ٢٣٨ مليون جنيه مؤخراً من محمود الجمال صهر مبارك بعد أن انتهى جهاز الكسب غير المشروع من قضية هذا الرجل.
أنا أزعم ان القضية الراهنة سفتح أعين الناس على مصالحها، وأن الحقيقة تطارد الفاسدين مهما علا شأنهم ولو كانوا فـي بروج مشيدة.
غير أننا على مساحة العالم الثالث نحتاج الى استقلالية القضاء بدايةً لحماية الأموال العامة.
Leave a Reply