علي حرب – «صدى الوطن»
عندما يشهد المرء مرارة معاناة اللاجئين هذه الأيام، لا يملك إلا أنْ ينتابه فـي أحيان كثيرة شعورٌ بالمرارة والأسى، مع إحساس برغبة لا مفر منها للقيام بعمل ما لإغاثة هؤلاء. لكن المناضلة الإنسانية الصيدلانية نضال كرمو، ارتأت ألا تكتفـي بالكلام ومشاعر التعاطف فقط، بل قررت أن تمد يد العون لضحايا الحروب والتهجير حول العالم، ولاسيما فـي بلدها الأم، العراق الجريح.
كرمو أمضت العقد الماضي من حياتها فـي العمل الإنساني، واليوم تعمل بجهد لإنجاح أحدث مبادراتها الإغاثية بإقامة عيادات متنقلة فـي العراق.
قصة هذه الصيدلانية المليئة بالعطاء، هي كقصة الكثيرين من المهنيين ورجال الأعمال الناجحين فـي مجتمعات الجاليات العربية بمنطقة مترو ديترويت. هاجرت من العراق فـي العام 1980 لتواصل بنجاح، تحصيلها العملي وتفتتح لاحقا عملها التجاري الخاص، «صيدلية نضال» الذي در عليها أرباحاً طائلة.
هذه القصة عاشها ويعيشها الآلاف من أبناء الجاليات العربية والكلدانية، إلا أن قليلين جداً من هؤلاء قرروا مد يد العون للآخرين.
مثل ملايين أطفال البلدان العربية، فتحت كرمو عينيها على معاناة الأطفال الفلسطينيين على شاشات التلفزيون أثناء طفولتها فـي العراق. وتقول كرمو إن تلك المشاهد كانت أول ما حرك فـيها شعور التعاطف مع الآخرين، ومنذ ذلك الوقت ظلت كرمو حريصة على إحداث فرق فـي حياة الآخرين.
«هناك أحداث لا نستطيع السيطرة عليها، لكن فـي بعض الأحيان نحن قادرون على مساعدة إخواننا البشر. وإذا قمنا بمساعدة شخص واحد او طفل واحد فهذا أفضل من لا شيء، أفضل من عدم تقديم العون لأي شخص على الإطلاق».
كرمو تابعت وراقبت عن بعد، العنف والحروب والانتكاسات التي حلت بالعراق منذ رحيلها عنه، من الحرب مع إيران إلى غزو الكويت الى حرب الخليج الأولى ثم الحصار والغزو الذي قادته الولايات المتحدة والأسوأ من ذلك كله، ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي. «لقد رأيت أشياءً غيرت مجرى حياتي».
وعلى الرغم من أنها كانت تقوم بالاعمال الخيرية منذ شبابها، بدأت كرمو بنشاط إنساني مكثف منذ العام 2006 عقب زيارة اجرتها لوطنها الأم، العراق، حيث شهدت بأم العين حاجة الشعب الماسة للإمدادات الطبية، والحالة الإنسانية المزرية التي يعيشها المرضى العراقيون فـي ظل انحلال الدولة والنظام الصحي. بعد تلك الرحلة وضعت كرمو مساعدة أبناء شعبها فـي مقدمة أولوياتها، حيث بدأت أولاً بالتبرع لصالح جمعية «الإغاثة الطبية العالمية» (وورلد ميديكال ريليف)، وهي مؤسسة صحية غير ربحية مقرها الدولي فـي مدينة ديترويت.
وتقول كرمو إنها -بعد عودتها من العراق- قامت بإنفاق كل مدخراتها المالية لشراء معدات طبية وإرسالها الى بلدها المنكوب.
لاحقاً بادرت كرمو بترؤس بعثات طبية إلى المستشفـيات فـي إقليم كردستان. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، قامت كرمو بعشر مهمات إنسانية إلى العراق. كما أنها فـي العامين الماضيين، وسعت نطاق عملها الانساني من المجال الطبي إلى توفـير الملابس والتبرعات العينية الأخرى للاجئين.
وعلى مدى ثماني سنوات، قامت كرمو بتمويل نشاطها الخيري من مالها الخاص، إلا أنها تعمل منذ عامين على جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الإجتماعي لصالح «بعثة العالم الواحد الطبية»، وهي منظمة غير ربحية أسستها كرمو لمساعدة المحتاجين حول العالم مع التركيز بشكلٍ خاص على العراق.
العطاء خير من البذخ
تقول الصيدلانية الكلدانية الأميركية إن طلب المال من الآخرين يشكل مصدر إحراج حقيقي لها، لكنها تؤكد أنها كانت تضع نفسها فـي ضائقة مالية تلو الأخرى لتلبية أكبر قدر من احتياجات المرضى فـي العراق. وتوضح «الأمور تعقدت كثيراً فكنت أسافر للقيام بالأعمال الإنسانية على نفقتي الخاصة وكان عليّ فـي الوقت نفسه أن أدفع اجوراً للصيادلة الذين يشغلون أعمالي التجارية هنا».
وتحاول كرمو اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي حث الناس على العطاء الخيري، عبر One World Medical Mission، وتقول إن التبرع لقضايا نبيلة أفضل بكثير من البذخ وإنفاق الأموال من دون طائل، وتضيف «بـ٦٥٠٠ دولار يمكن إرسال مستوعب مليئ بالمعدات الطبية الى العراق- وهذا المبلغ يعادل ثمن حقيبتَي يد من الماركات الشهيرة، هذا المبلغ يمكن أن ينقذ حياة ١٠ آلاف شخص».
فـي العراق، تعمل كرمو مع المنظمات الشعبية على توزيع المساعدات إلى الأشخاص الذين هم بأمس الحاجة إليها. واشارت إلى انها كانت أيضاً فـي مهمة طبية مع «الرابطة الوطنية العربية الأميركية الطبية» إلى الأردن، حيث قدمت معونات إلى النازحين السوريين فـي مخيم الزعتري.
وتحدثت كرمو حول ضرورة رفع كفاءة منظمتها، قائلة إنها تحاول دائما توفـير المال عن طريق شراء معدات وإمدادات الإغاثة، مثل الكراسي المتحركة والعكازات.
ورداً على سؤال حول العديد من الجوائز التقديرية التي تلقتها، اكدت أنها ليست ذات صلة.
ومضت تقول «أنا خادمة لشعبي وكل الشعب العربي وأنا لا أعتبر نفسي رئيسة منظمة». وانتقدت المنظمات التي تستند فـي المساعدات التي تقدمها على أساس دين وعرق المحتاجين. وختمت بالقول «لم يقل يسوع يجب مساعدة المسيحيين فقط، بل إن جميع الديانات تعظ بضرورة مساعدة الآخرين».
للتبرع لمنظمة كرمو، الرجاء زيارة الموقع التالي:
www.oneworldmedicalmission.org
Leave a Reply