تخيلوا.. دولة فـي العالم ما يزال يقوم حكامها بجزّ رقاب البشر فـي الأماكن العامة، ويفرضون الطاعة والصمت على الناس بالقوة المميتة، ويضطهدون المرأة، ويروجون للطائفـية وللتفسيرات المتطرفة للتعاليم الإسلامية فـي مدارسهم العامة. قد يخطر على بالكم أننا نتحدث عن تنظيم «داعش» التكفـيري الإرهابي، ولكننا فـي الحقيقة نسوق التعابير التي استخدمها «مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة» فـي توصيف أحوال المملكة السعودية، الحليف القديم والمزمن للولايات المتحدة.
وقبل يومين فقط، زار الرئيس الأميركي باراك أوباما مملكة آل سعود وأعاد التأكيد على «الصداقة التاريخية» التي تربط بين البلدين، من دون أن يخفى على أحد، أن البرودة كانت قد تسللت إلى تلك العلاقات فـي أعقاب توقيع الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن من دون أن يمتلك صنّاع القرار فـي الولايات المتحدة الشجاعة الكافـية لمواجهة العائلة السعودية الحاكمة بحقيقة الانتهاكات الجائرة فـي ملف حقوق الإنسان وفـي السياسة الخارجية المدمرة التي تنتهجها المملكة، والتي ازدادت ضراوة وتخريبا فـي أعقاب اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربي».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يجمع بين نظام ملكي وراثي متخلف وبين نظام ديمقراطي حديث؟ وحتى إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تفرضه الواقعية السياسية، حيث لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون ولكن توجد مصالح دائمة، فإن المصالح الأميركية ما عادت تلتقي مع المصالح السعودية كما كانت فـي سابق عهدها.
إن سلوك العائلة السعودية الحاكمة وأسلوبها فـي ممارسة الحكم لم يعد يؤثر سلبا على مواطني الدولة وحقوقهم وحسب، ولكنه بات يهدد السلم العالمي، فـ«عاصفة الحزم» اللاأخلاقية التي تشنها السعودية على اليمن لم تثمر أيا من أهدافها المعلنة، وإنما على العكس أدت إلى تفشي «القاعدة» فـي أجزاء واسعة من هذا البلد العزيز، ناهيك عن الدور السعودي المكشوف فـي دعم الجماعات الإرهابية والتكفـيرية فـي سوريا وتغذية الصراعات والحزازات الطائفـية فـي طول العالم الإسلامي وعرضه، حتى أنجبت لنا تنظيم «داعش» الذي يندى بوجود جبين الإنسانية.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن النفط السعودي لم يعد سلعة ملحة للمستهلك الأميركي، كما كان الحال فـي العام 1973 فالولايات المتحدة باتت أيضا بلاداً منتجة للنفط الصخري، هذا بالإضافة إلى أن المنتجات النفطية فـي البلدان الأخرى مفتوحة أمام الأسواق الأميركية، وبالتالي على واشنطن ألا تتردد فـي إعادة النظر حول علاقاتها مع العربية السعودية، حتى وإن كانت من أكثر البلدان إنتاجا للذهب الأسود.
أما فـي الشأن المحلي، فإن العائلة الحاكمة تعامل مواطنيها وكأنهم رعايا أو خدم لهم، فضلا عن الفقر الذي يزداد انتشارا فـي واحدة من أغنى دول العالم بسبب غياب العدالة الاجتماعية، كما أنها تمنع عليهم النشاطات المدنية، والتمثيل وحرية الأحزاب السياسية، وتسيء معاملة العمال المهاجرين من خلال «نظام عمالة» يكاد يتدنى إلى مستوى الاستعباد، وتميز بينهم على أساس الانتماء الديني والمذهبي، وتفصل بين الجنسين وتعامل النساء كأنهن طابور خامس، وهذه الأشياء, مجتمعة أو منفردة، جعلت من النظام السعودي الحاكم واحداً من أسوأ الأنظمة الاستبدادية فـي العالم علي الإطلاق.
كان على أوباما فـي زيارته الأخيرة أن يقنتص الفرصة ليواجه السعوديين بكل صراحة وصرامة بنظامهم الظلامي الذي ينتمي إلى ما قبل العصور الوسطى، ولكنه بدلا من ذلك اكتفى بالدعوة إلى تطبيق إصلاحات فـي مجال حقوق الإنسان، كما أن إدارته مستمرة فـي بيع أسلحة متطورة للمملكة، تقدر أثمانها بمليارات الدولارات تلقي حممها على الشعب اليمني المظلوم.
لقد وصف المحلل السياسي الأميركي آرون ديفـيد ميلر -فـي عمود صحفـي على موقع «سي أن أن»- العلاقات بين الرياض وواشنطن بأنهما زوجان عالقان فـي وضع سيء، وإننا فـي «صدى الوطن» نقول: لقد حان وقت الطلاق!
Leave a Reply