خليل إسماعيل رمَّال
لم تكن تلك أول صفعة يتلقاها زعيم العالم الحر خلال زيارته لمملكة عائلة سعود حيث كان فـي استقباله مجرد شخصين فقط لا قيمة لهما هما حاكم الرياض ووزير خارجية آل سعود، من دون ان يكلِّف مليكهما سلمان نفسه مشقة الحضور للمطار. وبالرغم من محاولة مسؤول أميركي التخفـيف من الازدراء الواضح والمتعمَّد لآل سعود لرئيسه عبر القول أن «غياب سلمان عن الاستقبال فور الوصول لم يُنظر إليه كإهانة»، مشيراً إلى أن باراك نادراً ما يستقبل الزعماء الأجانب فـي المطار عند وصولهم لأميركا لكن هذا من باب «تغطية السموات بالقبوات». فقد غاب عن ذهن هذا المسؤول أنَّ معلمه هو رئيس دولة عظمى وليس كديكتاتوريي الأنظمة العربية الزهايمريين الذين لا يفوِّتون مناسبة للظهور أمام الكاميرا والذين تُعتَبْر استقبالاتهم و«توديعاتهم» أخباراً وطنية عظيمة لأنها مرتبطة مباشرةً بغرورهم وصلفهم ونرجسيتهم مع أنهم، كما قال الرئيس السوري عنهم، أشباه رجال. ثم إن سلمان تجشّم عناء استقبال حكام الخليج الذين كانوا يعقدون قمة عنده فـ«أشمعنى باراك يعني»؟ كذلك نقل التلفزيون السعودي وقائع استقبال الخليجيين بالبث الحي بينما لم تسلّط وسائل الإعلام السعودية الضوء، مباشرة، على حضور أوباما إلى الرياض! هذا موقف احتقاري ألف بالمئة ولو وضعوا عليه كل مساحيق التجميل.
قلنا ليست هذه هي الصفعة الأولى، فخلال زيارة أوباما للتعزية بموت عبدالله احتقر سلمان ضيفه الأميركي فتركه وحيداً يستقبل المعزِّين وغادر «ملك المؤمنين» المكان فجأةً بداعي الصلاة ولم يحن وقتها بعد. ربَّما الإذلال السعودي لأوباما ناجم عن عنصرية لونية مقيتة بسبب كثرة الخدم والحشم عندهم أو ربَّما أنَّ العقل السعودي الموتور يظن أنَّ باراك هو شيعي متخفـي لأنَّ إسم والده حسين، من يدري؟! المهم أنَّ العلاقات بين واشنطن وآل سعود هي فـي أدنى درجاتها ولن يحييها أوباما وهي رميم بعد إبرام الإتفاق النووي الإيراني الذي كان علامة مدوية لانحسار النفوذ السعودي-الإسرائيلي فـي أميركا وهذه نقطة تُسجَّل لصالح الرئيس الأميركي رغم ضعفه وحماقة وخسة مواقفه فـي مواقع أخرى متعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي. ولعل الغضب السعودي من أميركا (الناجم عن سوء فهم للنظام الأميركي رغم ٧٠ سنة حب من طرف سعودي واحد) ليس فقط بسبب التباين حول الملفات الإقليمية بين واشنطن والرياض. فالكونغرس يبحث مشروع قرار يجيز للقضاء الأميركي النظر فـي دعاوى قد تُرفع إليه، تطال الحكومة السعودية أو مسؤولين فـيها، على دور مفترض لهم فـي أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ الإرهابية، كما كشف المخرج مايكل مور فـي فـيلمه الوثائقي عن تهريب سلالة بن لادن بعد وقوع الهجمات بتواطؤ من بندر بن بوش. كما يدور نقاش فـي واشنطن حول ما إذا كان يجب رفع التصنيف السري عن ٢٨ صفحة من تقرير أحداث ١١ أيلول يُعتقد انها تتطرق إلى أدوار محتملة لحكومات وكيانات اجنبية من بينها السعودية. صح النوم أميركا لقد أصبحتم مثل «٨ آذار» فـي لبنان! هذا الأمر يخيف آل سعود ويكشف دورهم غير المستور أصلاً فـي دعم إرهابيي «القاعدة» وربيبتها «النصرة» وتوأمها فـي الجرائم والقتل المجَّاني «داعش» وكلهم فـي الهوى وهابيون!
ولم يساعد الجنون السعودي ظهور مانشيت كبير على صفحة «نيويورك ديلي ميل» عن «الحثالة الملكية» ويقصد آل سعود، حيث دافعت فـيه المطبوعة عن حق أهالي ضحايا ١١ أيلول بمقاضاة آل سعود، وتحدثت عن تهديد وابتزاز السعودية بسحب أصولها المالية البالغة ٧٥٠ مليار دولار من أميركا متسائلةً «هل هذا المبلغ أهم من أرواح ٣٠٠٠ ضحية»؟
رغم كل هذا يبدو أن أوباما تعلَّم دون أنْ يعرف من ساسة لبنان حول الناقض والمنقوض حيث أنه يسعى لإقامة «سلام بارد» بين آل سعود والجمهورية الإسلامية الإيرانية كمن يحاول الجمع بين الماء والنار. ومع أن لا مشكلة مع إيران الدولة التي تديرها مؤسسات ومراكز وسياسات حكيمة متعقلة وتتبع دستوراً عظيماً، لكن المأساة تكمن عند الطرف الآخر الذي لا يملك من كل ما ذكرنا شيئاً واحداً خصوصاً أنَّ آل سعود فقدوا الأمل بأميركا وهم الآن فـي تحالف وثيق مع من جمعتهم المصيبة معاً وأصبحت إسرائيل الحليف البديل الجاهز لهم بعد الحديث عن محاولة حاكم مصر السيسي إدخالهم طرفاً ثالثاً فـي حلف «كامب ديفـيد».
المشكلة أن أوباما، رغم ثباته فـي الموقف من الإتفاق النووي، ضعيف، وغباؤه «بهدل» الرئاسة الأميركية عندما سمح لبنيامين نتنياهو، قاتل أطفال فلسطين، بتحديه فـي عقر داره وداخل حزبه وفـي قلب الكونغرس، فلم يتخذ أي إجراء عقابي بل زاد من دعم أميركا اللامتناهي لدولة الإحتلال. لهذا يجب أحداث تغيير جوهري فـي الرئاسة الأميركية وبما أنَّْ المعركة ستنحصر بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب فإنَّ أهون الشرين برأي هذا الكاتب هو الأخير، والسبب ليس كما يدعي بعض العرب الأميركيين أنَّ ترامب يريد أنْ يعيد اميركا لعظمتها الأولى فهذا انشاء أميركي وأضغاث كلام، السبب هو أنَّ كلينتون هي صهيونية مئة بالمئة مثل زوجها الذي لم يسمح حتى بانتقاد تل أبيب. أما ترامب فرجل أعمال وجريء من خارج الطقم السياسي المراوغ ويمكنه المغامرة بمواقف لمصلحة بلده وهو برغم كلامه ضد المهاجرين والمسلمين وركوعه أمام اللوبي الإسرائيلي «آيباك»، لكنه سيصطدم فـي نهاية المطاف بالابتزاز الإسرائيلي ويكتشف خطره على مصالح أميركا كما أنه يعلم فـي قرارة نفسه بمهارات وقدرات وأفضال المهاجرين على هذا البلد.
ترامب هو المرشَّح الذي نكره أنْ نحب لكنه يبقى الأفضل من «رئيسة» لينة مائعة، كانت تستمع مرة لنتنياهو وهو يعنفها ويدين سياسة أميركا فلم ترد بكلمة. ما العمل؟ لقد كُتب علينا فـي هذا البلد ان نفاضل دوماً بين شيطانين!
Leave a Reply