طارق عبد الواحد
● مثيرة.. صور البابا فرانسيس وهو يقوم بزيارة مخيم اللاجئين فـي جزيرة ليسبوس اليونانية، قيل أن يقفل عائدا إلى الفاتيكان، عاصمةالمسيحيين الكاثوليكيين، وقد قرر أن يصطحب معه عشرة لاجئين، بينهم سوريان. ويقفز إلى الذهن مباشرة فرانسيس الآخر، فرانسيس قلابات.. مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فـي مترو ديترويت وعموم شرق الولايات المتحدة، وهو يحثّ الأميركيين -عبر شهادته أمام لجنة فرعية فـي مجلس النواب الأميركي- على استقبال اللاجئين المسيحيين دون المسلمين، فـ«المسيحيون لا يمكن أن يكونوا إرهابيين، وأما المسلمون فـيمكنهم الذهاب إلى السعودية أو الكويت» … أو إلى الفاتيكان، يا نيافة المطران!
● مؤثرة.. صور الحبر الأعظم وهو يقوم بغسل أقدام بعض اللاجئين، بينهم مسلمون، فـي استعادة لطقس «خميس الغُسل» الذي أرساه السيد المسيح للتعبير عن مشاركة المعذبين، آلامهم وعذاباتهم. ومؤثر وجارح.. ذلك التواضع العميق لأعلى سلطة روحية فـي العالم وهو يقوم بتقبيل أقدام الفارين من جحيم الحروب. وتقفز إلى الذهن مباشرة صور الكثيرين من «سماحة مشايخنا» و«فضيلة علمائنا»، وهم يستسلمون -بتواضع كاذب وملفق- أمام المريدين والمنافقين الذين يتسابقون إلى تقبيل أياديهم. أيها السادة.. لا تحلموا أبدا برؤية «شيخ» أو «عالم» أو «علّامة» وهو يقبّل قدم مسكين أو معذب!
● مريرة، تلك اللحظة التي توقف فـيها الشيخ ذو الصوت الرخيم عن تلاوة بعض الآيات القرآنية فـي أحد فعاليات جاليتنا فـي مركز إسلامي فـي ديربورن. جريا على العادة، وكما تعلمون، تبدأ المراكز الإسلامية برامج فعالياتها بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وهي عادة محمودة تكتسب معاني إضافـية فـيما إذا كان صوت المقرئ جميلاً، وتوفر فرصة للتأمل فـي الجمال الاستثنائي للقرآن، الذي بات «قرآنا مهجورا» بحسب تعبير إحدى الآيات القرآنية.
المهم.. كان القارئ يقرأ وكان الحاضرون يحلقون فـي آفاق سماوية رحبة، وفجأة.. توقف المقرئ عن التلاوة، حين دخل الشيخ إمام المركزالذي كان عليه (بالطبع) أن يسلّم على الضيوف من أصحاب السماحة والنيافة وأصحاب المعالي والسعادة وأصحاب المقامات والحضرات. استغرق الأمر حوالي دقيقة من الزمن لإلقاء التحيات والرد عليها بأحسن منها (!). دقيقة بدت طويلة ومنفرة إلى درجة بدا فـيها أن الله.. كان فـي آخر قائمةالمدعوين!
● فـي مسلخ بديترويت، تعود ملكيته لعرب من ديربورن، عُلقت فتوى شرعية ممضية من قبل شخص مجهول الهوية. إي والإمامو علي.. ورقة كتب فـيهاعدة سطور تحت عنوان «فتوى شرعية»، وفـي آخر تلك السطور يوجد إمضاء من دون إسم. وتحث الفتوى إياها الزبائن الكرام على عدم شراء اللحوم من المتاجر الأميركية، بما فـيها متجر الـ«ريستورنت ديبو»، حتى وإن حملت شعار «لحم حلال»، فهي محرمة ولا يجوزأكلها. ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء لكي يفهم المرء أن تلك الفتوى مفصلة على مقاس خاص، يعود بالمنفعة على أصحاب ذلك المسلخ، ويعود بالمنفعة كذلك على ذلك الشيخ وأمثاله ممن لا يتورعون عن ذبحناً «ذبحاً حلالاً» سلخ جلودنا مقابل أثمان زهيدة، وبيعنا بضاعة كاسدة. أيهاالأفاضل.. لم نعد بحاجة إلى براهين لكي نثبت أن الدين قد صار «بيزنس» منذ زمن طويل، فمعظم مشايخنا فـي ديربورن يقطنون بيوتا تقدر أثمانها بمئات آلاف الدولارات.. ومع ذلك لا يتورعون عن التحدث عن الزهد والتقشف الذي تحلى به الأئمة الأطهار.. والخلفاء الراشدون!
● فـي الحياة، كما فـي النحو والإعراب، توجد ثلاث حالات رئيسة هي الرفع والنصب والجر (فكروا بها) ولكل حالة حركة إعرابية خاصة،أقواها حركة الجر فـي النحو، وهي الكسرة. أما فـي الحياة فإن أقوى الحركات هي حركة النصب.. وعلامتها الفتح والضم والكسر، فـي آن واحد. فالنصب «يفتح» أبوابا للرزق على البارد والمستريح، و«يرفع» بيوتا لا عماد لها (كان العلم يرفعها فـي السابق) و«يكسر» كل القواعد والحسابات الاجتماعية.
Leave a Reply