فاطمة الزين هاشم
منذ أشهر لفتت انتباهي على إحدى محطّات التلفزة المصرية، مقابلة مع من يدّعي المشيخة ووصايته على نساء العالم حاملاً بيده كتاباً أعتقد أنّه من تأليفه المقزّز -كدشداشته- (الميني جوب) التي تعذّر عليه زيادة متر واحد من القماش لإطالتها وتغطية ساقيه اللتين تشبهان سيقان الماعز (الجربانة) أخذ ينطنط (كالقرد الماكل حامض) ويشتم من هنا وهناك ويحقّر بالمرأة حتّى وصل به المطاف إلى أن يصدر فرماناً بإقصاء المرأة عن محيطها الخارجي بداعي الحمل والإنجاب وتربية الأطفال والطبخ والنفخ وغسل الثياب، وعند عودة الزوج إلى البيت تحضّر له الماء الساخن وتغسل رجليه منحنية الرأس كي يكون بمستوى قدميه، وإن لم تفعل ذلك يعد تقصيراً منها، عندها يجب تأديبها بالضرب المبرّح حتّى «تتربّى» وتعرف واجبها لأنّ الإسلام يجبرها على ذلك.
لم أعرف أين درس هذا الشويخ (أو المشروخ) أصول الدين، ومن أين أحضر هذه الفتاوى (الخنفشارية) التي تشبهه هو وحده، كما قال أيضاً إنّ المرأة ليست إلّا جارية ويجب أن لا تتعدّى حدودها هذه، وبعدها انتقل إلى الطائفة الشيعية وأخذ يفنّد على مزاجه ويخترع الفتاوى الكاذبة، كأن يدّعي أنّ الشيعة إذا كانوا يصلّون وذكرت كلمة «آمين» تبطل الصلاة، كما إذا سهى الشيعي عن صلاة العشاء يجب أن يصبح صائماً، وإذا كان هناك أيّ من العقود فـيجب أن يكون الشاهد شيعياً فقط، كما ادّعى أنّ للشيعة قرآن خاص.
لا أعلم كيف يستضيف التلفزيون متخلّفاً كهذا يرمي الفتن بين المسلمين بدلاً من أن يحاول توحيدهم إذا كان يدّعي بأنّه رجل دين، ولكنّي واثقة من أنّه لا يفقه شيئاً فـي الدين، بل حُفّظ هذا الكلام ليزيد الإنشقاق بين أمّة محمّد، والدليل على ذلك أنّه عندما تقوم مقدّمة البرنامج باستفسار معيّن يتهرّب لعدم قدرته على الإجابة.
وقد تمسّك بكلمة «المرأة ضلع قاصر»، حيث بمناسبة وغير مناسبة يردّد ذلك، فإذا كانت المرأة ضلعاً قاصراً فإنّ كلّ الرجال لهم ضلع فـي هذه القضيّة، ويا أيّها الرجال: إذا كانت المرأة بنظركم الضلع القاصر الذي يسهل عليكم ليّه وكسره، فإنّكم بنظرتكم الدونيّة لها تشكّلون كافّة أضلاعها القاصرة المعطوبة والمصابة بكسور والتواءات وسوء تغذية ناجمة عن سوء اهتمامكم واحترامكم لها، وامتناعكم عن منحها فرص نمائها وتغذيتها لتصبح مع الأيّام كاملة متكاملة ومتماسكة لا مجال لسحقها.
لماذا لا تأخذون بحكمة جبران خليل جبران بنظرته الواقعيّة للأنثى؟ فقد جعلها نظيرة البرية التي يتّخذها الإنسان، ساحة لحروبه ومذابحه، فهو يغرس تربتها بالعظام والجماجم، ويقتلع أشجارها ويحرق أعشابها، ويلطّخ صخورها بالدماء ولكنّها تبقى هادئة وساكنة، ويظل فـيها الربيع ربيعاً، والخريف خريفاً إلى ما لا نهاية الدهور، وهي كالنحلة تماماً فـي اجتيازها للمستنقعات سائرة نحو البساتين المزهرة.
وجبران خليل جبران أحد أبناء تلك الأرض الخلاقة المبدعة تعاطى مع كرمها وأصالتها تحت سقف من الوفاء وردّ الجميل وجعلها مقياساً لكل ينابيع العالم.
والمسيح عليه السلام أوّل من ناصر المرأة وطالب بكفّ الظلم عنها حتّى ولو كانت زانية، ومنحها الثقة والأمان وعاملها بالرحمة والرأفة والغفران، وقد تجلّى عطفه هذا حينما حكم رجال الدين اليهود على المجدلية الزانية بالموت رجماً بالحجارة، فخاطب الناس مدافعاً عنها قائلاً: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بأوّل حجر».
فإذا كان مثل هؤلاء العظماء قد أكرموا المرأة وأشادوا بها وبدورها الفعال فـي الحياة فكيف بصعلوك مثل ذلك الذي طلع على شاشة التلفزيون ويضعها فـي إطار «الخادمة» فـي حين أنّ المرأة طبيبة وممرّضة ومهندسة ومحامية حتّى أنّها وصلت إلى الفضاء بجانب الرجل ولها إنجازات كبيرة والدليل على ذلك، المهندسة العراقية التي توفّيت منذ أيّام، كأفضل وأشهر مهندسة فـي العالم؟
حتّى المرأة التي لا تعمل فهي تربّي أجيالاً لها بصمة فـي الحياة، تسهر على عائلتها بكل جوارحها، وتحرم نفسها من أشياء كثيرة لتعطيها لأولادها وهي سعيدة.
يجب على الفضائيات ووسائل الإعلام أن يعدّوا البرامج التثقيفية لاطلاع الناس حول مثل هذه المسائل، حتّى لا ينبري لنا مستشيخ كهذا ويلوّث الدين بلسانه السليط الذي لا يحمل إلّا الضغينة والفتن التي نحن فـي غنى عنها فـي هذا الزمن الرديء.
Leave a Reply