علي حرب – «صدى الوطن»
عيد الأمهات هو من أكثر الأعياد عاطفـيةً واحتفاليةً فـي العالم وفـي كل الثقافات الانسانية والدينية حيث هو مناسبة ليعلن فـيه الأبناء عن امتنانهم لهذه المخلوقة والملاك البشري التي هي صنو التضحية والرحمة والعطاء وبذل الروح والتفاني أمام أولادها. البعض يحتفل بالهدايا والورود يعطيها للأم العظيمة والبعض يعبر بالكلمات العاجزة أصلاً عن الإفصاح عن مكنونات الصدر لكنها تبقى محاولات لرد بعضٍ من جميل الأم فـي عيدها الذي ليس مصادفة أبداً وقوعه فـي فصل الربيع من كل عام، فصل الطبيعة المعطاءة الكريمة كعطاء الأم.
لدى الأمهات مكانة عالية فـي الثقافة العربية حيث لم يدخر الشعراء العرب والمغنون وعلماء الدين وسعاً وكلمات فـي مدح الأمهات وتبيان أفضالهن على الحياة. ولا يقتصر هذا على التراث العربي فكل الثقافات تنظر الى الأمومة بمزيج من القداسة والمودة والحب الذي تستحقه بجدارة. حتى فـي البيئات الذكورية، يعتبر دور الأم ضرورياً لفلاح المجتمع.
ويصادف عيد الأم نهاية هذا الاسبوع، فـي ثاني أحد من شهر أيار (مايو). ولكن بالنسبة لبعض الأسر العربية الأميركية، هذه هي المرة الثانية التي تحتفل فـيها بهذه المناسبة هذا العام. ففـي الشرق الأوسط، يحتفَل بعيد الأم يوم ٢١ آذار (مارس)، وهو بداية فصل الربيع.
وبغضّ النظر عن التاريخ، عيد الأم فرصة للاحتفال بالأمهات اللواتي هن العمود الفقري للمجتمع. عيد سعيد لكل الأمهات حول العالم، خصوصاً إلى الأمهات الوحيدات اللواتي يقمن بوظيفة الوالدين، وإلى الأمهات اللاجئات اللواتي يخاطرن بحياتهن لإيصال أبنائهن إلى بر الأمان، وإلى المعلمات اللواتي هن بمثابة الأهل لجميع طلابهن، والى جميع الأمهات المربيات والراعيات والمؤدِّبات. وفـيما يلي بعضٌ من الحب المنثور فـي كلمات من أبناء عرب أميركيين لأمهاتهم:
من ندى الى زينات شاتيلا
حلويات شاتيلا هي رمز الحلم العربي الأميركي المتمثل بالنجاح التجاري الصارخ فـي صناعة الحلويات التي تجمع بين الذوق والإبداع والتراث. زينات شاتيلا، أرملة رجل الاعمال الأيقونة رياض شاتيلا، هي رئيسة الشركة الآن. كذلك هي أيضاً أم عاملة مكافحة قامت بتربية ثلاث بنات: ندى وتانيا وبتول.
ندى تقول إنَّ من نعم الله عليها أنْ ربَّتها أمها زينات شاتيلا
واصفةً الاخيرة بأنها الملهمة التي كرّست حياتها لأطفالها ولإنجاح تجارة العائلة. «لقد علمتنا قيمة.. شرف أن نحاول دائماً بذل قصارى جهدنا فـي كل تجربة حياتية».
وأردفت ندى «أمي علمتنا كيف نحترم الآخرين وكيف نعطي مجتمعنا دون أن نفقد تواضعنا وامتناننا». «كانت أمنا سر نجاح والدنا فـي تنمية أعمال العائلة وتأسيس شركة الحلويات. واليوم، لا تزال سرّ أسرتنا. عيد أم سعيد لوالدتنا المذهلة. نحبك».
ابنتك ندى
من رشيدة طليب الى فاطمة العبد
يقولون إن تربية طفل تتطلب جهود قرية كاملة. لكن فاطمة العبد ربّت وحدها ١٤ ولداً (سبعة صبيان وسبع بنات)! هي والدة النائبة السابقة فـي كونغرس ميشيغن رشيدة طليب، وشقيقها الناشط البارز راشد العبد. رشيدة تقول إن روح الدعابة عند أمها كانت سراً من اسرار قدرتها على تجاوز المحن والمهمات الصعبة التي قد تعترض تربية هذا العدد الكبير من الأولاد.
«أمي تمتلك ابتسامة سحرية تضيء الغرفة» قالت رشيدة، وأضافت «لا يهم طبيعة المعاناة التي تمر بها، فحتى عندما تبكي تستخدم الضحك وتحاول دائماً العثور على الجانب السعيد مهما كانت أنواع المحن التي تمر بها».
نشأت فاطمة العبد فـي قرية بالضفة الغربية فـي فلسطين، حيث عاشت الاضطرابات السياسية والاقتصادية، وعانت من ظلم الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. ولذلك «تتعاطف دوماً مع نضال الآخرين، وهذا شيء غرسته فـي كل واحد منا» اوضحت رشيدة طليب عن أمها «التي لم تنقطع يوماً عن تاريخها وإرثها ولغتها الأم. واستدركت «إنها انسانية بمعنى الكلمة يمكنها أن تشعر بألم الآخرين». طليب، وهي نفسها أم لطفلين، أفادت ان والدتها هي أيضاً «ستّو عظيمة» (جدة). عيد سعيد لرشيدة وأمها.
من علي جواد الى المرحومة إنصاف الصبّاغ
فقدت إنصاف الصباغ جواد، الزوج واثنين من أبنائها خلال حياتها المكافحة. لكنها لم تدع النكسات تشل حياتها. الصباغ أم لتسعة أبناء، بينهم مؤسس «النادي اللبناني الأميركي» علي جواد.
الأم المرنة، التي وافتها المنية فـي وقت سابق من هذا العام، ولدت فـي بلدة النبطية بجنوب لبنان فـي وقت مبكِّر من عام 1920. هاجر والدها إلى تشيلي عندما كانت صغيرة، وترعرعت مع عمها. وعلى الرغم من أن القدر والحرب نالا من أحبائها، قال علي جواد ان والدته ظلت صاحبة عزيمة لا تتزعزع وبقيت قوية ومتماسكة. وعن الدرس الأكثر قيمة الذي علمته إياه يقول جواد هو رفض الاستسلام. وكان علي جواد طفلاً عندما توفـي والده. فكانت أمه على قدر المسؤولية وملأت دور الأب والأم على أكمل وجه، يقول. «علمتنا المرحومة أن نحول الضعف إلى قوة» افاد علي جواد وتابع «فـي عام 2009، تعرضت لوقت عصيب، وكدت تقريباً أخسر كل شيء بسبب الأزمة الاقتصادية. ولكن بعد ذلك نظرت إلى والدتي، كيف تحكمت بحياتها بعد وفاة والدي وتعلمت منها كيف أكون قوياً».
من أميرة الى جوليا قاسم
أميرة قاسم هي مدرسة فـي البيت كما أنها أم فـي المدرسة، وفقاً لابنتها جوليا قاسم، التي تدرس اللغة الإنكليزية المتقدمة فـي «ثانوية ديربورن».
تعلمت جوليا قاسم عن الطبيعة المزدوجة للهوية العربية الأميركية من قبل والدتها، التي اعتنقت القيم الأميركية من دون أن تنسى جذورها.
أميرة قاسم، التي فازت بلقب معلمة العام فـي ديربورن، سنة 2008، عاشت بين لبنان والولايات المتحدة طيلة السبعينات حتى استقرت هنا فـي العام ١٩٨٥. جوليا تحضر حالياً فـي جامعة والدتها، «جامعة ميشيغن-ديربورن». «أمي تحيي فـي شخصيتها الغرب والشرق وشخصيتها هي كمربية وكأم» تقول جوليا قاسم. وختمت بالقول «علمتنا عن التقاطع الثقافـي، وقدمت لنا هذا الشعور بوجود منظور مختلف».
من رنا الى هناء المير
هناء المير تذكّر أطفالها الأربعة دوماً بقصة حب وكفاح عاشتها خلال الحرب فـي لبنان، حيث كان زوجها فـي قرية بعيدة عنها والمعارك تدور رحاها فمشت لساعات طويلة فـي ظروف خطرة للإطمئنان عليه والتأكد من أنه بخير. «فـي كل مرة كانت تسمع فـيها صفير صاروخ كانت تختبىء فـي أقرب حفرة»، تقول ابنتها الناشطة الحقوقية رنا المير، وأضافت «بمجرد أن كانت تسمع الانفجار، كانت تقوم.. تنفض الغبار عنها وتواصل المسير، حتى وصلت واطمأنت عليه، ثم استدارت وعادت من حيث أتت تحت الخطر».
بدأت رنا المير، نائبة مدير الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (أي سي أل يو-ميشيغن)، حياتها المهنية فـي الصحافة. وقالت ان اهتمامها بهذه المهنة تولد من القصص الماهرة التي كانت ترويها والدتها.
«أمي امرأة لا تصدق هي بمثابة نبراس لي فـي كثير من الأحيان» تقول رنا، وتؤكد أن خبرات والدتها وإحساسها القوي بالعدالة ساهما أيضاً فـي تحولها من الصحافة إلى مجال الحقوق المدنية.
واستطردت بالقول إنه عندما كان نشاطها الحقوقي يضعها فـي مواقف خطرة كانت تلحظ فـي عيون أمها «نظرات قلق ممزوجة بالفخر». «إن أعظم الدروس التي تعلمتها من أمي كانت دائماً من خلال أفعالها».. كل عام وأنت بخير.
Leave a Reply