فاطمة الزين هاشم
لقد ألفنا هذا المثل منذ الصغر ومازالت الناس تردّده حتى الآن، وهو يعني أن «الوجه الكشِر» يثير الاستياء وعدم الشعور بالراحة، فالبشاشة مطلوبة فـي كل الأزمان، ويزداد الطلب عليها فـي هذه الأوقات العصيبة. ألا يكفـي ما نسمعه وما نشاهده على محطّات التلفزة ونقرأه فـي الصحف عن أخبار الحروب والدمار والقتل والاغتصاب والعنف المستشري فـي العالم؟
تخرج من البيت صباحاً لشراء حاجياتك اليومية وتملأ عربة التسوّق بكل تحتاجه، فتواجهك المحاسبة، عند صندوق الدفع، شابة أو سيدة، مقطبة الجبين، مقلوبة البراطم، تتعامل معك بطريقة مقزّزة تشعرك وكأنّك تعمل فـي «بيت أبوها»، أو كأنّك متطفّل، لا لزوم لك فـي هذا المكان.
ذهبتُ البارحة إلى أحد المحلات المنتشرة فـي ديربورن لشراء حاجيات المنزل، ملأت العربة بما أحتاجه، وعندما وصلت إلى الصندوق لدفع الحساب قابلتني سيّدة كانت تتكلّم مع نفسها وقد ظننت لبرهة أنها تكلمني. بدت وكأنها تحمل هموم العالم على رأسها، هذا ما لاحظته من تعابير وجهها المقلوب رأساً على عقب. حاولت ملاطفتها لأريحها بعض الشيء وترحم انتظاري الطويل فـي الطابور حتّى وصلت إلى صندوق المحاسبة التي تقف وراءه، فما كان منها إلا أن نفرت فـي وجهي وتعاملت معي باستعلاء وعنجهية كأنها ملكة سبأ فـي عصرها. نظرت إليها، وهي التي لا يزيد حجمها عن حجم الذبابة فـي نفسي يا ربّي.. لو كانت هذه المرأة بحجم السيّدات العاديات ماذا كانت لتفعل؟ وحفاظاً على أعصابي تمالكت نفسي وتركت لها الأغراض وخرجت كي لا أشتكيها وأتسبّب فـي قطع رزقها، مع أنها تستحق ذلك لقلّة أدبها.
على الموظّف أن لا يحمل مشاكله الخاصة إلى مكان عمله لأنّها ستنعكس عليه وعلى من يتعامل معه سلبيا، كما ستنعكس أيضاً على أصحاب المكان الذي يعمل فـيه، فالموظف أو الموظفة اللطيفة الخلوقة تجلب الزبائن إلى المكان الذي تعمل فـيه وتفـيد ربّ العمل، إذ عندما يذهب المرء إلى مكان ليبتاع حاجياته فهو يعتبرها نزهة -فـي نفس الوقت- وفرصة للابتعاد عن المنزل ومتطلّباته وجوّ العمل المجهد، خاصة إذا كان المتسوق سيّدة تقضّي نهارها فـي التنظيف والطبخ وكيّ الملابس وخدمة الأولاد وتدريسهم، فهي بحاجة لأن تخرج قليلاً من المنزل لترفّه عن نفسها وتتسوّق لبيتها، بمعنى أنّها ليست بحاجة إلى موظفة مثل تلك لتزيدها همّاً وكآبة وتشعرها بالندم على دخولها المحلّ الذي تعمل فـيه.
إنّ الوجه البشوش يدخل الفرحة إلى القلب ويشعره بالسعادة ويحبّب الناس إلى صاحبه. من الممكن أن تكون تلك السيّدة تعيسة فـي بيتها وتعاني من مشكلة ما مع زوجها أو أولادها، ربّما نفهم ذلك ونقدّره، لكن ليس مقبولاً أن تنقل هذا الغضب إلى مكان عملها وتصبه وتفرغه فـي وجوه الناس الذين ليس لهم ذنب فـي ذلك، فالمشاكل المنزليّة يجب أن يغلق عليها الباب وتبقى فـي مكانها لحين عودتها من العمل وتحلّها بالطريقة التي تراها مناسبة، بدلاً من أن تضايق الناس وتشركهم بهموم ليس لهم فـيها ذنب.
أعتقد هنا أنّ من واجب أصحاب المحلات، عقد الاجتماعات مع موظفـيهم من فترة لأخرى بغية تقييم عملهم وطرق تعاملهم وعدم مضايقتهم للزبائن وإلزامهم بضرورة التمتع بالأخلاق الرفـيعة، فالمتجر هو مصدر رزق لربّ العمل وللموظّف معاً، ومن هذا المنطلق يجب المحافظة عليه بتقديم الخدمة الجيّدة والتعامل اللطيف مع مرتاديه كي لا يهجروه ويذهبوا إلى مكان آخر يجدون فـيه الاحترام والتقدير، ولا نطلب هنا عمل المستحيل ولا إذلال الموظّف. كلا.. بل ننبّه فقط إلى إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.
البسمة صدقة والمعاملة اللطيفة هي صدقة أيضاً، كيف وإن كانت من سيّدة؟ فالمعروف عن السيّدات أنّهن منابع للطف والانسانية والذوق، فتعاملك بأدب واحترام مع الناس يزيد من احترامهم لك ويعزّز تمسّك صاحب العمل بوجودك، والدنيا فانية ونحن فانون، إذاً لنبتعد عن النكد ولنرسم البسمة على وجوه الآخرين، ولنعد إلى المثل القائل: اضحك تضحك لك الدنيا!
Leave a Reply