مرت الذكرى الـ68 لنكبة فلسطين، هذا العام، بلا أصداء ولا فعاليات تذكّر العالم والمجتمع الدولي بفاجعة المأساة الفلسطينية التي قامت على أنقاضها دولة إسرائيل العنصرية في الـ15 من أيار (مايو) ١٩٤٨. وزاد هذه الذكرى السنوية مرارة تعدد النكبات في عدد من البلدان العربية التي دخلت جحيم الصراعات المسلحة في سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية التي لطالما رفعت شعوبها راية تحرير فلسطين قبل أن تجد نفسها وهي ترفع أمامها رايات ما أنزل الله بها من سلطان.
لم تعد ندبة النكبة تشكل علامة فارقة في تاريخ الشعوب العربية، بعدما أصبحت لكل شعب عربي نكبته الخاصة!
ولكن على الرغم من فداحة ما يجري في البلدان العربية، من «نكبات الربيع»، فمن غير المقبول أن تمر الذكرى السنوية «للنكبة الأم» مغلفة بصمت ثقيل، كصمت القبور، من دون إعادة التذكير بالحقوق الفلسطينية، السياسية والإنسانية، وفي مقدمتها حق العودة وحق تقرير المصير.
فالقضية الفلسطينية تحمل رمزية لنضال الإنسانية في العالم الحديث، مهما حاول أعداؤها طمسها وإغراقها بالمآسي والمجازر التي تفوق بوحشيتها ما اقترفته عصابات الهاغانا بحق قرى فلسطن وأهلها.
وعلى الرغم من المأساة العربية، فإن الفارق بين «نكبات الربيع العربي» والنكبة الفلسطينية هو فارق جوهري، لا يمكن تجاهله، أو التقليل من شأنه، فالصراعات الداخلية والأهلية في البلدان العربية هي بين مكونات البلد الواحد والمدينة الواحدة والحي الواحد وحتى البيت الواحد بعد أن دخلت شياطين السياسة بينهم وزرعت مستقبلهم بالألغام والمؤامرات الإقليمية والدولية، بينما تنفرد النكبة الفلسطينية بميزة فريدة كونها صراعاً بين شعبين، شعب أصيل وشعب جُمع من أشتات الأرض تحت غطاء الاستعمار وعلى أنقاض شعب أجبر على الهرب من أرضه وهجّر في جميع أصقاع الأرض.
قضية الشعب الفلسطيني منذ نكبته تنال التعاطف من قبل معظم شعوب العالم ومناضليه الذين ساندوا لعقود، الحقوق الوطنية والإنسانية للفلسطينيين، رغم تخاذل القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بدعمها غير المحدود للكيان الصهيوني.
كان ينبغي على العرب، والفلسطينيين من باب أولى، أن لا يغامروا بتجاهل تعاطف شعوب العالم مع قضيتهم المركزية، قضية فلسطين، رغم الآلام والفواجع والكوارث التي تدفع بلدانهم إلى شفير الهاوية، ويجب عليهم بالتالي أن يقتنصوا كل فرصة للتذكير بحقوقهم والتنديد بجرائم الكيان الصهيوني. كما كان يجب عليهم جميعا أن يتعالوا على جراحهم الشخصية وأن لا يتناسوا محنة الفلسطينيين ونكبتهم المستمرة -منذ أوائل القرن الماضي- تحت ذريعة الانشغال بمالآت الصراعات وتداعياتها الدموية في «بلدان الربيع العربي».
إننا نفهم أنه من الطبيعي أن يصل صدى الانقسامات التي تضرب جسد العالم العربي إلى المهجر الأميركي، ومن الطبيعي أن تتباين مواقف العرب الأميركيين إزاء ما يحدث في البلاد العربية وأن تتعارض آراؤهم وتتصادم مواقفهم بشأن معاناة أبناء جلدتهم من تداعيات الصراع وراء المحيطات. نعم.. ربما نكون مختلفين ومنقسمين حول كل شيء، ولكن من غير المقبول أن نفرط بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، التي تقع في صميم الوجدان العربي والإنساني بوصفها رمزاً للعدالة المغيبة في الأرض.
لقد اعتاد العرب الأميركيون على الاحتفال بذكرى النكبة في كل عام، رافعين الأعلام الفلسطينية، ومفاتيح البيوت التي أجبروا على مغادرتها تحت تهديد حراب الإسرائيليين وبنادقهم، مذكرين الأجيال الجديدة من الأميركيين أن الأجيال الفلسطينية الجديدة -ومعظمهما من الشبان الذين ولدوا على أرض غير أرض وطنهم الأم- لن تنسى أرض آبائها وأجدادها.
ومن المهم أن نذكر في هذا السياق، أن نسبة الأميركيين دون سن الـ36 ممن يتعاطفون مع القضية الفلسطينية قد ارتفعت من 9 بالمئة إلى 20 بالمئة خلال العقد الأخير، بحسب دراسة أجراها «مركز بيو» لاستطلاعات الرأي، ولكن ما نفع أن يتبنى الأميركيون قضيتنا ونتجاهلها نحن؟.
إننا في «صدى الوطن» لممتلئون بالأسى والحزن ونحن نشهد الذكرى الـ68 للنكبة تمّر من دون أية نشاطات أو فعاليات تعيد التذكير بفصولها التراجيدية، لذا نهيب بالجاليات العربية، وفي مقدمتها الجالية الفلسطينية، أن لا تنسى هذه المناسبة، أو تتناساها، سواء بدافع اليأس أو الإهمال أوعدم الشعور بالمسؤولية، وإننا نرجو أن يتم تدارك ما حدث للذكرى الحالية، في العام القادم.
لقد شكّل تجاهل الذكرى السنوية الـ68 لنكبة فلسطين، نتيجة إهمالنا أو ربما يأسنا مما يجري في العالم العربي، نكبة مضاعفة!
Leave a Reply