حسن خليفة – «صدى الوطن»
دفعت الحرب الطاحنة في سوريا ملايين السوريين إلى مغادرة بلادهم والبحث عن لجوء آمن لعائلاتهم في مختلف أصقاع الأرض، عبر نزوح جماعي ارتقى إلى درجة المأساة التي تزداد فصولها قسوة وإيلاما بوجود عشرات آلاف الأطفال اليتامى الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا معين ولا أسر ترعاهم وتؤمن متطلباتهم الأولى، من مسكن وغذاء وتعليم ورعاية صحية.
وقد حث هذا الواقع المتفاقم العديد من الأسر حول العالم إلى تبني أطفال سوريين للمساهمة -إلى جانب العديد من المنظمات الإنسانية- في تخفيف معاناة بعض هؤلاء، لكن كثافة النزوح السوري دفعت العديد من البلدان الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة، إلى تشديد سياسات الهجرة تحت عناوين حماية أمنها الوطني من الإرهاب والتطرف، الأمر الذي زاد في معاناة الأسر الراغبة بتبني الأطفال السوريين واستقدامهم من مخيمات اللجوء لكي يعيشوا في بلدان الغرب.
وما تعانيه الأميركية من أصول إيطالية ماريا قباني (33 عاماً) في هذا الصدد، هو خير مثال على التلكؤ الحكومي والتنصل الرسمي في أميركا من هذه المهمة الإنسانية، وهو ما تصفه قباني «بالمثير للغضب»، فالإخصائية القانونية في التجارة الدولية كانت قد اشترت مؤخراً بيتاً واسعاً في مدينة ديربورن، بعدما عقدت العزم على تبني ثلاثة أطفال سوريين واستقدامهم للعيش تحت رعايتها، وتأمين سفرهم وإقامتهم وتعليمهم على نفقتها الشخصية، ولكنها وبالرغم من جميع الجهود التي بذلتها في هذا المضمار لم تنجح حتى الآن في استقدام أي منهم.
إجراءات معقدة
وبحسب ما قالت لـ«صدى الوطن»، فإن قباني بعد معاناتها الشخصية في استكمال الإجراءات القانونية المتصلة بهذه المسألة قررت أن تقوم بمبادرة شخصية، وتأسيس منظمة غير ربحية، باسم «أيتام الحروب»، لمساعدة العائلات الراغبة بتبني الأطفال، وإرشادهم في إنجاز المعاملات المعقدة، بعدما لمست بنفسها أن إجراءات التبني واستقدام الأطفال إلى أميركا، بحسب قوانين الهجرة الفدرالية، هي إجراءات معقدة وطويلة تقف حائلاً أمام قدرة «وكالات تبني الأطفال» في المساهمة بتخفيف معاناة الأيتام ومشردي الحروب.
وفي هذا الإطار، تواظب قباني على التواصل مع المسؤولين المحليين والفدراليين للحصول على أجوبة حول الطريقة المثلى التي ستمكنها من استقدام الأطفال السوريين، وبأسرع وقت ممكن، ولكنها -وفي كل مرة- تصطدم بإجابات ملتوية ومخاتلة. وتقول: «في كل مرة اتصل مع المسؤولين من أجل الحصول على بعض الاستيضاحات، فإنهم يراوغون ويتفاصحون بالأجوبة ذاتها، ويرددون أن هنالك إجراءات معينة، وإننا نصرف الكثير من الأموال، وإن الأمم المتحدة هي المعنية بهذه المسألة..».
وقد أجابت السناتور الأميركية عن ميشيغن، ديبي ستبيناو على استفسارات قباني، في رسالة اطلعت عليها «صدى الوطن»، بالقول: «إن عمليات التدقيق الصارمة التي يجب أن يخضع لها اللاجئون قد تستغرق مدة سنتين»، مؤكدة -في الوقت ذاته- أنها «داعمة دائمة» لتمويل «مكتب إعادة توطين اللاجئين في وزارة الخارجية».
وفي رسالة أخرى، أوضحت النائبة الأميركية عن ميشيغن، ديبي دينغل، أنه تم في العام 2014 إضافة إجراءات تدقيق على اللاجئين السوريين فيما يتعلق بالمخاطر المحتملة على الأمن القومي الأميركي، وقالت: هنالك قضايا أكثر إلحاحاً يجب علينا أن نعمل عليها معاً، مثل تعديلات «برنامج الإعفاء من تأشيرات الدخول» (فيزا)، والانخراط في الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب.. وتدمير تنظيم «داعش».
أجوبة المسؤولين هذه، لم ترق لقباني التي وصفتها «بالأجوبة المثيرة للغضب والتي تنتهج بروباغندا ضحلة» مضيفة أن «المسؤولين الفدراليين يعتمدون معايير مزدوجة»، واستدركت قائلة: «إذا تركنا هؤلاء الأطفال في تلك البلدان (التي تدور فيها الحروب) فسوف يكونون معرضين للاختطاف والاستغلال من قبل تلك المنظمات (الإرهابية) التي نحاول أن نحمي أنفسنا منها».
إحجام العائلات العربية الأميركية
وعلى الرغم من عدم حصول قباني على الأجوبة التي تبحث عنها، إلا أنها ماتزال تبذل الكثير من الجهود آملة في أن تتمكن من تقديم المساعدة لليتامى المشردين عبر إيوائهم ومنحهم الفرصة لمتابعة تعليمهم، وهي تعمل -في هذا السياق- مع بعض المنظمات الخيرية، كمؤسستي «ساماريتاس» و«الأيتام السوريون»، وتساعد النشطاء العاملين فيهما على تنظيم فعاليات لنشر الوعي حول هذه الكارثة الإنسانية التي ألمّت ببلدان تمزقها الحروب.
وتقول: «إننا نحاول أن ننشر الوعي في المجتمع المحلي حول هذه القضية ونأمل أن يفتح المزيد من المسلمين أبواب بيوتهم لاستقبال اليتامى وأن يستحصلوا على رخص تمكنهم من تبني الأطفال، ذلك أنه بالإضافة إلى العوائق المتعلقة بقوانين الهجرة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في عدم تقبل العائلات العربية والمسلمة لفكرة التبني، كما أن العديد من العائلات الأميركية بمختلف أطيافها -بحسب قباني- مترددة بهذا الشأن، بسبب الاختلاف الثقافي، وتفادياً لإجراءات التدقيق في سجلاتهم المالية.
وتؤكد أن الخصائص الثقافية والدينية واللغوية للأطفال الذين سيتم استقدامهم للعيش في الولايات المتحدة ستؤخذ بعين الاعتبار والحماية، وبالتالي فإن العائلات العربية والمسلمة لها الأفضلية في حضانة هؤلاء بهدف توفير «انتقال سلس» لهم من البيئات التي نشأوا فيها الى البيئة الجديدة التي ستحتضنهم.
وتشير قباني، التي اعتنقت الدين الإسلامي في عمر الـ16، أن مؤسسة «ساماريتاس»، التي كانت تسمى سابقاً بـ«الخدمات المجتمعية اللوثرية»، تعقد ندوات بالتعاون مع عدد من المساجد في منطقة ديترويت بهدف مساعدة المسلمين الراغبين بتبني الأطفال وتأسيس بيوت للرعاية الاجتماعية، وللإجابة عن بعض التساؤلات الدينية في هذا الخصوص، مثل كيف يمكن للأمهات المحجبات أن يعشن مع مراهقين لا يمتون لهم بصلة قرابة تحلل لهن الاختلاط بهم.
معظم الأيتام من المراهقين
بدورها، أوضحت مديرة البرامج في مؤسسة «ساماريتاس» في ميشيغن، ديان بيرد، أن البرنامج الذي تعمل عليه هو واحد من بين 22 برنامجا في الولايات المتحدة، مضيفة أن الأيتام السوريين يواجهون أوقات انتظار طويلة حتى يتمكنوا من الوصول إلى أميركا، وتستغرق مدة استقدام أحدهم، بالمتوسط، حوالي سنتين، حتى تتمكن «الأمم المتحدة» من إكمال الإجراءات اللازمة، ومن ثم تقوم بالتواصل مع المؤسسات الأميركية التي تعمل على إيجاد العائلات المهتمة برعايتهم. وقالت: «إن المدة الزمنية قد تطول إلى عشر سنوات في بعض الحالات».
وأكدت بيرد أن مؤسستها استقبلت خلال العام الماضي اتصالات متزايدة -أكثر من أي وقت مضى- من العائلات الأميركية الراغبة بتبني «الأيتام السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء»، ولكن القليل من تلك العائلات تقدمت فعلياً بطلبات الحصول على رخص لتأسيس بيوت للرعاية.
وقالت: «ليست لدينا مشكلة في توطين الأطفال على الإطلاق، ولكن لدينا نقص في العائلات الراغبة برعايتهم، كما أن أغلب تلك العائلات تفضل تبني الأطفال حديثي الولادة، أو الأطفال صغار السن».
وأكدت أن 98 بالمئة من الأطفال المهجرين هم من المراهقين، وأن أغلبهم من الذكور، كما أن العديد من الإناث سقطن ضحية للاسترقاق والاستغلال الجنسي خلال عبورهن للحدود.
وحتى هذه اللحظة، مايزال التأخير، لأسباب معتبرة، مانعاً أمام الأيتام السوريين من السفر، لكن مصادر بيرد تؤكد أن ملفات الأطفال السوريين ستحال إلى الأسر الأميركية الراغبة بالتبني بحلول شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2017.
للمزيد من المعلومات حول تبني الأطفال السوريين، يمكن زيارة الموقعين الإلكترونيين لمؤسستي «ساماريتاس» و«الأيتام السوريون»: www.samaritas.org – syrianorphans.org
Leave a Reply