مريم شهاب
إستوقفتني معلومة صغيرة، خلال قراءتي ملخصاً عن حياة الأميرة غريس كيلي، أميرة موناكو، والتي كانت من أجمل ممثلات هوليود قبل أن تتزوج من الأمير رينيه، وقد عاشت حياتها في دائرة الضوء والشهرة إلى أن توفيت في حادث سير.
والمعلومة تقول إن الأمير رينيه عاش في قصر فيه 220 غرفة و180 حمّاما في إمارة موناكو، الإمارة المعروفة بمهرجانات الفن والسينما وكازينوهات القمار وروّادها من الملوك والأمراء وأغنياء الحرب والحرامية من كل العالم. لكن على الرغم من ذلك، فإن الأميرة التي كانت تعيش في ذلك القصر الذي عدد غرفه أكثر من سنوات عمري و«عمر اللي خلفوني»، كانت تحس بالعزلة والتعاسة والوحدة، ولم تكن سعيدة قطّ!
هذه حقيقة؛ لا يعرف السعادة من لا يعرف أن يحمد الله. الكثير من أثرياء هذا العالم يعانون من الكآبة رغم عيشهم الرغيد وامتلاكهم بيوتاً فارهة فيها جاكوزي و«سويمينغ بول» والأثاث مستورد كله من إيطاليا وبلاد برّا، ومع ذلك يفتقدون فيها إلى دفء البيت وراحة البال وعلاقات المحبة بين الساكنين، كما أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون الإنتقال إلى بيوت صغيرة وبسيطة لكنها دافئة بالمودّة.
أنت الذي تعيش في بيتٍ يعاني من نقص في الغرف وبحاجة إلى العديد من عمليات الترميم والترقيع والتجميل، لن تتفاجأ إذا حسدك صاحب البيت الضخم والأثاث الفخم، على بساطة وسهولة عيشك، كلما دخلت بيتك وأولادك فرحون ويمرحون مسرورين بسندويشات الفلافل أو مناقيش الزيت والزعتر التي اشتريتها لهم بأثمان قليلة. إنه الشكر لله والرضى بما وهبك وأعطاك. في حين أن بيوت الأثرياء تفيض بهاءً وجمالاً من الخارج ولكن الكآبة والإحباط يتكدسان داخلها وكأنها سجون باردة.
هذه حقيقة.. نراها هنا في ديربورن، حيث لا يمرّ شهر إلّا وتفقد الجالية شاباً من شبانها أو شاباتها في موتٍ مفاجِئ كالفاجعة. أغلب هؤلاء الشباب من عائلات ثرية، أو على الأقل متوسطة الحال، فما الداعي لينتحر الشباب في مثل هذه الظروف؟ إنه الخواء البارد الذي لا تملأه المادة، والجوع إلى الكماليات التي لا تنتهي.
أكرر دائماً أنني من جيلٍ عاش أغلب أبنائه في بيوت بائسة بمقاييس الأمس واليوم. فلا كهرباء ولا ماء مصفى، وكانت الحيوانات تنام على بعد أمتار من أماكن نومنا، وكانت طيورالدجاج تتجوّل داخل بيوتنا مخلفة وراءها -بلا خجل- أشياء مقرفة نتيجة التهاب المصارين. ولم نكن نعرف البيتزا والبرغر وشرائح الجبن و”السوفت درينك” (Soft Drink) ولا “التشيز كيك” ومع ذلك كنا ننام فور وضع رؤوسنا على المخدات والفرشات القاسية، بعد يومٍ طويلٍ من الفرح والمرح والشقاوة ومساعدة الأهل في الحقل والبيت.
لم تكن الحياة سعيدة، كانت بسيطة، خالية من الحسد بأن فلاناً لديه هذا الشيء وأنا لا أملكه، وبالتالي كان الإحساس بالحرمان معدوماً. ولم نكن نسمع أن الشاب الفلاني انتحر او الشابة الفلانية قضت نحبها في ظروف غامضة، كما تصدمنا الأخبار هنا في ديربورن بين فترة وأخرى. ليست قلة ما تملك هي نعمة، لكن وفرة ما تملك قد تكون نقمة. ليست السعادة في البيوت الفارهة وأرصدة البنوك وأولاد مدللين فاسدين، إنما راحة البال في حمد الله على نعمِهِ والقناعة بما تملك والإستغناء عن الحاجة للآخرين!
Leave a Reply