مريم شهاب
بخفة الفراشات بألوان الطيف، وبرشاقة ومثابرة النحل المذهَّبة، حين تحط بطيشٍ على الورد والرياحين، تستل دمها وتمتص رحيقها، يرتشف الشاعر علي بهاء الزين كلماته ويسكبها عطراً مقطراً في مجموعته الشعرية الجديدة «مَجازٍ مُعتَّق»، مبتعداً عن الارستسال الإنشائي والهذر التصويري المجاني، دون أن تستطيع قراءة ما يجوب في ذهنه الذي يشبه تنظيما سرّيا لسحر الكلمة التي تسيل فرحاً وسعادة وحيوية وشهوانية الحياة.
كثيرة هي المفاجآت التي يخبئها ديوانه الشعري بين دفتيه بعنوانه المثير للشهية، فالقصائد التي رصّعته وعلى اختلاف موضوعاتها تأخذك إلى الكلام الممتع المعتق التي تستحق أن توصف به.
في جوٍ متخم يُقدَّم للناس تحت إسم الأدب والفن، وفي زمن قلَّ فيه الاهتمام بالشعر، بالإضافة إلى الأزمات المتلاحقة التي يعيشها الشرق، جميلٌ أن تجد من لا يزال يتحلَّى بنعمة الإبداع كالأستاذ علي بهاء الزين. إنه إنسان وشاعر متميز بثقافته، ويعيش هنا في ديربورن هايتس.
من متابعتي له، لاحظت أن أغلب جمهوره من النساء المعجبات بشعره الرومانسي، وأنا واحدة منهن. وهذا لا يعيب قصائده المعتقة بعشق الأنثى. وإذا كان نزار قباني قد تناول المرأة كأنثى تحبه، فإن علي الزين تناول المرأة كحبيبة يفخر بحبه وعشقه لها. وهذا فخرٌ للمرأة العربية أن يحبّها شاعرٌ مبدع، لكلماته سحرٌ يضاهي حضوره:
أحِّب المرأة/ التي تعشق صمتي/ فأعشق صمت أنوثتها/ بصمت!
تتدفق أشعاره كمياه النبع، صافية رقراقة:
أيتها القصيدة الباقية في زمن المجاز/ خذي أوراقي كاملة/ واتركي لي قليلاً من الحبر/كي أحيا.
مجاز كلماته، لا تسمح بخفوت نورها أو إطفاء وهجها -وبرأيي- هو لا يتوسل الكتابة لكي يرضي أحداً. يكتب ما يشبهه، فإذا أحبَّه المتلقِّي الآخر يفرح، وإن لم يعجبه فهذا شأنه. المهم أنه يكتب بصدقٍ وعفوية مثل «إمرأة في وحشة المجاز»، و«أمنية من بنفسج»، و«قهوة بنكهة عاشق»، و”حلم ينتظر صلاة”، و”سفر في مرآة”، أو «نهرٍ كحبر قصيدة».
حتى عناوين قصائده فيها إبداعٌ معتق. لا تملك بعد قراءة الديوان إلا أن تتمنى لو تخلَّى الشاعر عن بعض ارتياحه وحذره وبعض شكوكه التي تأخذه إلى حيث لم يكن يريد أو يقصد:
مزيج الفيء مع ظلِّه/ وصبر الطفل على صدر أمه/ هو لون بقية الله/ على جبين مراهق!
وفي قصيدة أخرى يقول: آهٍ من نهرٍ يضللني/ ويسرقني/ دعيه ينام على شفتي/ نغماً حالماً/ ويصرعني.
على الرغم من بعض «الهفوات» الغامضة، أنت أمام شاعرٍ شغوف يستحق كتابه عنوانه الجميل: «مَجاز مُعتَّق».
Leave a Reply