لديترويت مستقبل واعد على الرغم من التحديات التي ما تزال تواجهها المدينة التي تجتهد فيها الإرادات السياسية والمالية للتغلب على المصاعب القائمة التي تعيق نموها وازدهارها، وليس لدى العرب الأميركيين ممن يملكون مصالح تجارية في المدينة خيارٌ آخر سوى التأقلم مع الأوضاع المستجدة والاستفادة من الفرص المستقبلية الواعدة، لاسيما وأنهم غامروا بأعمالهم وأرواحهم طوال العقود الماضية، وصمدوا في المدينة التي مرت في أحلك الظروف.
لقد كانت مسألة الأمان هي القضية الأكثر إلحاحاً في ديترويت منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، إذ شكلت أعمال السطو وحوادث إطلاق النار وسرقة السيارات كابوساً ثقيلاً على أصحاب الأعمال ولاسيما العرب، الذين كانت مصالحهم على الدوام عرضة لعمليات السطو والتشبيح، والتي كانت تنتهي في بعض الأحيان بحوادث مأساوية يذهب ضحيتها أفراد من الجالية.
والعرب دفعوا ضريبة العرق والدم للمحافظة على مصالحهم التجارية في المدينة. واليوم أمامهم الفرصة لتعويض العقود العجاف التي عاشوها خلف الزجاج المضاد للرصاص والأبواب الموصدة.
فديترويت اليوم تشق طريقها نحو المستقبل بخطى ثابتة، لكن الهاجس الأمني لا يزال ماثلاً رغم الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة في أحياء المدينة والتي لا تزال الشرطة عاجزة عن بسط الأمن فيها بعد عقود طويلة من الانحدار الأمني وطغيان الفوضى وسيطرة العصابات.
ورغم التحسن الأمني الطفيف الذي شهدته ديترويت خلال العامين الماضيين بتراجع أعداد القتلى الى مستويات ما قبل أحداث ١٩٦٧، فإن تفشي الجريمة لا يزال حجر عثرة في طريق عودتها الى الازدهار الحقيقي، وكما يبدو فإن شرطة المدينة عاجزة عن بسط الأمن بمفردها، وهذا ما يؤكده دوماً قائد الشرطة جيمس كريغ الذي يطالب بضرورة تعاون السكان للقبض على المجرمين وحماية المجتمع من خطرهم.
غير أن التعاون هذا ليس مطلوباً فقط من سكان الأحياء، بل أيضاً من أصحاب المتاجر ومحطات الوقود والمصالح التجارية التي شكلت شريان الحياة لسكان المدينة خلال العقود الماضية بعد أن هجرتها الشركات الكبرى وسلسلات المتاجر العملاقة.
مؤخراً وبمبادرة من رجال أعمال عرب، أطلق مشروع «المنارة الخضراء» Project Green Light والذي يهدف الى تحويل المتاجر ومحطات الوقود في ديترويت الى ملاذات آمنة عبر تركيب الإنارة الكاشفة وكاميرات مراقبة عالية الدقة تبث الأحداث مباشرة الى مركز طوارئ تابع لشرطة المدينة.
مشروع «المنارة الخضراء» أثار حماسة رئيس البلدية مايك داغن لاسيما بعد نجاحها في إلقاء القبض على عدد من المطلوبين الذين تم التعرف عليهم عبر تصويرهم في المحطات المنضوية ضمن المشروع. ولذلك لوح داغن مؤخراً بأنه سيعمل على إلزام جميع المتاجر التي تفتح أبوابها ليلاً في ديترويت بالانضمام الى المشروع، وذلك بعد أن لمس أن مستوى الإقبال على الانضمام الطوعي «للمنارة الخضراء» من قبل أصحاب الأعمال لم يكن على قدر توقعاته، حيث قال إنه يرغب برؤية أكثر من ٢٠٠ متجر منضو في المشروع بحلول نهاية السنة، وهو رجاء يبدو بعيد المنال بالنظر الى الوتيرة الحالية.
وتجدر الإشارة إلى أن فعالية «المنارة الخضراء» لم تقتصر على المصالح التجارية المنضوية في المشروع، وإنما امتدت إلى الأحياء المجاورة التي شهدت بدورها تراجعا ملحوظا لمعدلات الجريمة والمخالفات، وذلك بسبب قدرة الكاميرات على التقاط صور للوحات السيارات، وملامح الأشخاص الذين يتجولون بالقرب من تلك الأعمال، مما يتيح إمكانية القبض على المشبوهين.
ومن هذا المنطلق، فإننا في صحيفة «صدى الوطن»، نعتقد أن كلفة الانضمام الى المشروع التي تقدر بحوالي ستة آلاف دولار، لا يجب أن تشكل عائقاً أمام أصحاب المصالح التجارية، بل هي استثمار ضروري سيعود عليهم بفوائد جمة أهمها حفظ الأمن في أحيائهم وفي المدينة عموماً وهو الحجر الأساس في ازدهار أعمالهم مستقبلاً، عدا عن ضمان سلامتهم هم بالذات.
تبلغ الكلفة الإجمالية للتجهيزات اللازمة حوالي ستة آلاف دولار، وتتضمن تركيب أضواء شديدة الإنارة ونصب كاميرات عالية الدقة تبث صورها مباشرة إلى «مركز السلامة العامة» بشرطة ديترويت. وقد تبدو التكاليف المادية للوهلة الأولى مرتفعة بعض الشيء، لكن مقارنة الجدوى الأمنية بالتكاليف المادية هي بدون أدنى شك تتجه لصالح الأعمال التجارية، فالبيئة الآمنة تجتذب المزيد من الزبائن إلى الأعمال التجارية، مما سيساهم في زيادة الأرباح، ناهيك عن تأمين سلامة العاملين والزبائن التي من جانبها لا تقدر بثمن، ما يعني أن الانضواء تحت مشروع «المنارة الخضراء» يندرج تحت عنوان «الاستثمار الاجتماعي والاقتصادي الأخلاقي».
لذا ننصح أصحاب الأعمال المترددين بسؤال أقرانهم ممن انضموا الى مشروع «المنارة الخضراء» عن المنافع التي حصلوا عليها جراء ذلك، وفي مقدمتها قمع أعمال النهب والسرقة وإبعاد مروجي المخدرات والمواد المسروقة والمطلوبين.
من ناحية أخرى، أمام بلدية ديترويت عدة خيارات لتشجيع أصحاب الأعمال التجارية للانضمام إلى «المنارة الخضراء»، خاصة بالنسبة لأؤلئك الذين لا تتوفر لديهم القدرة المالية لتأمين النفقات المطلوبة، إذ يمكن لإدارة المدينة أن تعمل -مثلا- مع المقرضين لتأمين قروض لأصحاب المصالح التجارية، كما يمكن للمجلس البلدي أن يعتمد حسومات ضريبية لتشجيع المترددين منهم، وكذلك يمكن لمكتب رئيس البلدية أن يخفض قيمة رسوم الرخص التجارية التي تفوق الرسوم البلدية في المدن المجاورة.
شهدت الأيام الأولى لإدارة رئيس البلدية مايك داغن العديد من الشكاوى حول تحرير مضابط المخالفات القانونية وضغوطا من رجال الشرطة شعر معها أصحاب الأعمال العربية وكأنهم غير مرغوب بهم في المدينة، ولكن يبدو أن مثل هذه المشاعر المتوجسة في طريقها إلى الزوال على ضوء التعاون والحوار بين بلدية المدينة والمستثمرين الذي أثمر عدداً من المبادرات، والتي كان من بينها «مشروع المنارة الخضراء»، الذي يعتبر الأول من نوعه في الولايات المتحدة، والذي اكتسب سمعة وطنية جيدة لقدرته على رفع مناسيب الأمن والسلامة العامة في واحدة من أخطر المدن الأميركية.
للانضمام إلى «المنارة الخضراء»، يمكن الاتصال على الرقم 3132243703
أو المراسلة عبر البريد الالكتروني: greenlightdetroit@detroitmi.gov
Leave a Reply