بلال شرارة – «صدى الوطن»
مرد الحماس النفطي المستجد هو استقبال دولة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لوزير الطاقة والمياه آرتور نظريان وهيئة إدارة قطاع النفط.
سألت الرئيس بري عن فحوى الاجتماع فقال لي: في جريدة السفير خبر عن اللقاء.. أكثر ما لفتني في متابعتي لما نشرته صحيفة «السفير» صبيحة يوم الاثنين 20 حزيران (يونيو) الماضي هو العنوان:
اواخر 2017: اسرائيل تستخرج نفط لبنان؟
مضمون التقرير يضيء على واقع أن الملف النفطي الحيوي والاستراتيجي يقع على تماس مع أطماع إسرائيل والحسابات القبرصية وتخصيص الولايات المتحدة موفدا متجولا لا يزال عالقا في زواريب السياسة اللبنانية.
فتر حماسي. إذ كنت أعتقد أن مفاجأة نفطية بإنتظار لبنان لتعوض عليه السنوات العجاف! ولكن..
من جملة ما عرفت أن الدبلوماسي الأميركي لاري سيلفرمان الذي يشغل حالياً منصب نائب معاون وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى عبر أمام دبلوماسي لبناني زاره مؤخراً عن اسفه لعدم بدء لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية منذ زمن كما عبر عن خوفه من ان يكون استخراج الغاز اللبناني قد اصبح غالي الكلفة وغير جاذب للمستثمرين بسبب انخفاض سعر الطاقة عالمياً.
أما في لبنان (فكنت تجاب لو ناديت حياً ولكن..) فحتى الآن لا نعرف لماذا لم توضع دفاتر شروط التلزيمات للتنقيب على النفط والغاز ولماذا وحتى الآن يفشل الرهان اللبناني-الدولي على الدور الأميركي للتوصل الى ترسيم الحدود البحرية؟
كما وأن قلقي من أن يتشكل الملف النفطي العالق بيننا وبين العدو الإسرائيلي بصيف ملتهب جديد كما في 2006 فإنه ليس لسبب لبناني وإنما لاسباب تتصل بالسلم والأمن الاقليمي والدولي.
وكل ذلك استدعاني إلى فهم ما يجري.
تقول الرواية إن لدينا ما يزيد عن 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل، فيما تنتظر اليد العاملة اللبنانية دورها لتهاجر!
وادراج النفط كإختصاص جامعي جديد لم يدخل سوق العمل ولا يكفي معه ادراج كلية الهندسة قسم «البتروكيمياء» في مناهج الاعوام الدراسية الراهنة.
ولم يكفِ كذلك استكمال 43 شركة لإجراءات الاستحصال على دفتر الشروط والعقود الانموذجية.
السبب الذي يبطل العجب ان الارادة الصلبة والتصميم، لا تزالان تعوزان لبنان لوضع اليد على ثرواته الطبيعية البحرية والبدء بإستخراجها، حيث انه، وبالرغم من اقرار الحكومة مرسومي النفط والغاز، إلا ان العقبات لا تزال تحول دون التلزيمات. وبصراحة لا يعرف أحد لماذا لم تنجز العمليات الخاصة بوضع دفاتر الشروط للتلزيمات.
لقد لفتني ان الثروة النفطية اللبنانية «الممنوعة من الصرف» حتى هذه اللحظة السياسية باتت تستدعي الاشهار، لذلك جمعت بعض الاوراق المتصلة بهذا الامر لوضعها بتصرف الرأي العام اللبناني والعربي لأن «هز الغربال» والاجتماعات النفطية الاقليمية التي شهدتها منطقة حوض المتوسط لا بد أن تكون تحت دائرة الضوء.
منبع الشكوى الرسمية اللبنانية هو عدم ترسيم الحدود البحرية، هذا صحيح ولكن الأصح أنه لا توجد مسؤولية حكومية تجاه وضع دفاتر الشروط للتلزيمات.
القصة الحدودية هي قضم اسرائيل مساحة 865 كيلومتراً من المياه الاقتصادية الخالصة على حساب اتفاق مبرم عام 2007 مع قبرص بتقاسم المياه الدولية مناصفة ورَسم في حينه خط وسطي لفصل المنطقة الاقتصادية لكلا البلدين.
اسرائيل استثمرت على الغموض الذي اكتنف الاتفاق القبرصي اللبناني لجهة نقاط البداية والنهاية لهذا الخط.
وتستحكم النقطة 23 بالخلاف الذي يمنع رسم خط ابيض لحدود لبنان البحرية مع دولة الاحتلال وهو الامر الذي لم يتمكن معه وسطاء دوليون (أميركيون بالتحديد) حتى الآن من إنجازه.
في مجلس الوزراء مرسومان عالقان ينتظران. في الوقت يصيب الملل الشركات النفطية بخصوص ثروة لبنان، هذا وتمشي المواضيع المتصلة بالملف النفطي اللبناني مشي السلحفاة ويستمر لبنان الرسمي بخسارة الوقت حيث تتأخر عملية الانتاج سنوات جديدة في وقت قامت عمليا تحالفات اقليمية لدول المتوسط لا يستدركها لبنان وهو ما رمت اليه كلمة الرئيس بري التي القيت باسمه في افطار واحة الشهيد اللبناني في 14 الجاري والتي جاء فيها:
هناك الكثير من الروايات التي تتصل بحكاية «ابريق الزيت» -عفواً بإستخراج ثروة لبنان الطبيعية في البحر المتوسط- بعضها يرد السبب الى انه لم يحن دور لبنان ولا الدول المشاطئة للبحر المتوسط بعد لأجل ذلك، وما زالت ثروة الخليج والدول النفطية الأخرى لم تنضب بعد ومكامن الثروة فيها ووسائل التزود بالنفط وطرق الامداد بالنفط لا تزال ممكنة رغم الحروب الصغيرة في غير بلد.
والبعض يرد المسألة الى التهديدات النابعة من الصراع العربي الاسرائيلي والبعض الى الصراع الدولي البارد (للسيادة) على التحكم بهذه الثروات والبعض الآخر يربط الأمر بالأكلاف الباهضة لإستخراج هذه الثروة.
وبعض وجهات النظر تزعم ان حجم مكامن الثروة اللبنانية (مثلاً) ليس كبيراً ولكنها تدفع لبنان اقتصادياً الى الأمام وتجعله دولة مستقرة مالياً ونقدياً واجتماعياً، وهذا البعض يرى أن لبنان لديه ثروة غازية من الحجم المتوسط (ما يكفي حاجته لمدة 90 عاماً) ولديه البترول ليمده بثروة كبيرة.
وحتى اليوم لم ينجز دفتر شروط التلزيم ولم يتم استجابة جميع اصدقاء لبنان الدوليين ولا الأمم المتحدة لإنجاز ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، وداخليا ما زال لم يصدر بعد القانون الخاص بتحديد نظام التلزيمات، ووجهة استثمار العائدات النفطية وتوظيفها واستعمالها.
وبعد هذا الوقت المديد من الانتظار تراجع تهافت الشركات المهتمة بالاستثمار على الثروة الوطنية اللبنانية، كما أن تهاوي السعر العالمي للنفط والغاز لم يعد يستدعي الحماسة السابقة لقطاع النفط الدولي وقد اقتربت ايضا الحرائق الشرق اوسطية من الممرات البحرية من المحيط الى الخليج مما جعل جميع المستثمرين يتجهون الى استثمارات آمنة وأكثر ربحية.
في كل الحالات، وفي الواقع، حتى لو أن الحكومة اللبنانية وفي جلستها المقبلة اتخذت القرارات المناسبة التي تفتح الأبواب لتشغيل القطاع النفطي فإن لبنان لن يتنعم بثروته البحرية قبل جيل على الأقل.
Leave a Reply