فاطمة الزين هاشم
المعاق هو شخص يعاني من قصور بدني أو عقلي يأتى نتيجة عوامل وراثية أو إصابات ناتجة عن حوادث أو عيوب خلقية أو إصابات يعلم سببها الأهل فقط.
لديّ ابنة معاقة بعض الشيء، أصحبها معي دائماً لكي أدخل الفرحة إلى قلبها وأشعرها بأنها إنسانة عادية كبقية الأخريات، كما أستشيرها عند شراء بعض الحاجيات كوسيلة تشعرها بأنّ لها رأياً ومن حقّها أن تختار ما تريد، حيث لا أحرمها من اقتناء ما تحتاجه، إذ أحرص على تلبية كلّ طلباتها لا سيّما وهي أعزّ أبنائي على قلبي، وكم حزّ في نفسي موقف تعرّضت له، إذ بينما كنّا نتسوّق سويّة كعادتنا، ابتعدت عنها قليلاً أفتّش عن بعض السلع، وعند عودتي إليها وجدتها والدموع تترقرق من عينيها وهي تحاول إخفاءها عني، سألتها عن السبب فتردّدت بالإجابة، وحين شعرت بأنّ دموعها غرست سهماً في قلبي أثناء سيرنا وهي بجانب عربة التسوّق، كرّرت السؤال عليها بإلحاح لأنني أصرّيت على معرفة السبب فأجابت بالحرف الواحد: «ماما.. أنا لست إنسانة مثل باقي البشر» سألتها: لماذا تقولين هذا، فأخبرتني بأن سيّدة مرّت بجانبها ونظرت إليها نظرة دونية ملؤها السخرية والتعالي، قالت ذلك على الرغم من أنّ إعاقتها من البساطة بحيث لم يكتشفها إلا المحيطون بها، فقلت لها إذا رأيت هذه المرأة هل تعرفينها؟ قالت: نعم، فرحت ألفّ المتجر وأفتّش عنها لعلّي أراها لألقّنها درساً لن تنساه طيلة حياتها، ولكنّ حظي العاثر حال دون ذلك لأنها غادرت المتجر كما يبدو.
لقد عانى ذوو الاحتياجات الخاصة منذ القدم من الإساءة والاهمال والاستهزاء، وفي حين قال إفلاطون إنّ ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون ضرراً على جمهوريته، ولم يسمح لهم بالتعلم أو الزواج، إلّا أنّ هذه النظرة تغيّرت مع تطوّر العلم والعصر وأصبحت النظرة أكثر إنسانية عمّا كانت عليه في السابق وأكثر استناداً على معطيات العلم والقوانين الحديثة، حيث شهدت العقود الخمسة الماضية بذل جهود على الصعيد الدولي لتحسين نوعيّة حياتهم، فأصبحت لهؤلاء حقوق تعترف بها المجتمعات المعاصرة، ومن أهمّها الحقّ في أن يعاملوا كباقي الناس العاديين والحقّ في التعليم المناسب والحقّ في الرعاية الصحية والحق في الحماية من التمييز والحق في الترويح عن النفس.
لقد كانت النظرة للمعاق في الماضي تقتصر على أنه إنسان ضعيف لا حول له ولا قوّة، فكانت بعض الأسر تضعه في غرفة بمفرده وتغلق عليه الباب خاصة إذا كان عدوانياً، وللأسف أيضاً فإنّ بعض الأسر تخجل من الآخرين فتخفي أن لديها طفلاً معاقاً، وهي لازالت موجودة في بعض المناطق قليلة التعليم، وتشير التقديرات العالمية إلى تزايد عدد الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يقدرون بحوالي 10 بالمئة من سكان العالم، لذلك يجب علينا أن نأخذهم بعين الاعتبار عند وضع استراتيجيات التنمية.
المعاق مثله مثل أي إنسان له كيان ما دام قادراً على العطاء والعمل، وهناك الكثير من المعاقين حقّقوا ما لم يستطع تحقيقه الأسوياء، لأن الإعاقة ليست إعاقة عضو من أعضاء الجسم وإنما الإعاقة هي إعاقة العقل، والدليل أنّ العقل المعاق هو الذي تحمله تلك السيّدة عديمة الانسانية والمتخلفة (بامتياز) التي اعترضت ابنتي.
إنّ ما يحبّه المعاق هو أن تكون نظرة الناس له نظرة طبيعية وأن يتعاملوا معه مثل بقية الناس، كما أنّ العطف مطلوب لشدّ أزره ومساعدته على مواجهة مصاعب الحياة بدرجة لا تجعل منه يشعر بنقصه الداخلي أو أن هناك فرقاً بينه وبين الآخرين.
كما أنّ على الأسرة أن تعطي اهتماماً لابنها المعاق من الناحية العاطفية وتشعره بالمحبّة وعدم التمييز بينه وبين إخوانه كي يشعر بأنه متساوٍ معهم في الحقوق والواجبات وأنه فرد عادي له مالهم وعليه ما عليهم.
Leave a Reply