حسن خليفة – «صدى الوطن»
على خلفية بعض الهجمات الإرهابية، داخل الولايات المتحدة وخارجها، سجلت السياسة الأميركية انعطافة كبيرة في ملف إعادة توطين اللاجئين الفارين من جحيم الحروب والنزاعات الأهلية في بلدان الشرق الأوسط، غير أن الحكومة الأميركية واصلت جهودها في استقبال عشرة آلاف لاجئ سوري بحلول خريف العام 2016، وقد وصل منهم المئات الى ميشيغن فيما يتوقع قدوم حوالي ٤٠٠ آخرين في الفترة المقبلة ليتم توطينهم في مدن آناربر وباتل كريك وبلومفيلد هيلز وديربورن وتروي وغيرها من مدن مترو ديترويت.
عائلات سورية لاجئة خلال إفطار رمضاني في «دار الحكمة الإسلامية» بمدينة ديربورن هايتس. |
عملية إعادة توطين اللاجئين السوريين لا تخلو من بيروقراطية الإجراءات الضرورية لتسريع إدماج هؤلاء اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم فجأة بمواجهة مشاكل وتعقيدات تختلف تماما عن المشاكل التي واجهوها في مخيمات اللجوء العديدة في البلدان المجاورة لوطنهم الأم، يزيدها تعقيدا عدم تحدثهم باللغة الإنكليزية، إضافة إلى اختلاف النظام الأميركي وطبيعة الحياة الأميركية عما ألفوه في بلادهم أو في بلدان اللجوء الأخرى.
وعندما التقينا ببعض العائلات السورية -التي اجتمعت خلال إفطار رمضاني في «دار الحكمة الإسلامية» بمدينة ديربورن هايتس، يوم الجمعة الماضي- لم يتوقف السوريون عن الحديث عن هموم الواقع الجديد، من دون أن يخففوا من حجم سعادتهم بالوصول إلى «أرض الأحلام» التي لم يروا من «أحلامها» شيئا بعد، وبدا واضحا أن «الحالمين» منهم، مندفعون وراغبون في الانخراط مباشرة في الحياة الأميركية والمباشرة في تعلم اللغة الإنكليزية والبحث عن فرص عمل تمكنهم من العيش بدون انتظار مساعدة من أحد، لكنهم يشعرون بالعجز أمام الواقع الجديد الذي يتطلب حيازتهم لأرقام الضمان الاجتماعية، وأذون العمل، وامتلاكهم لسيارات تيسر لهم تنقلاتهم في مدن ماتزال تعاني من نقص حاد في وسائل النقل العام.
عائلة قباطي التي لجأت مؤخراً إلى الولايات المتحدة.(صدى الوطن) |
أحلام بسيطة
أحلام السوريين بسيطة وواضحة، وهي تتطابق مع حقوق الإنسان الأولية، والتي غدت بالنسبة لهم من رابع المستحيلات بعد فرارهم من الحرب وتشردهم في «أرض الله الواسعة»، وفي هذا السياق، قال الطفل خليل قباطي (9 سنوات) لـ«صدى الوطن»: لقد هربنا من الحرب والدمار، ونحن هنا من أجل الدراسة عسى أن ننجح في بناء مستقبل أفضل».
وكان خليل قد وصل مع عائلته إلى الولايات المتحدة قبل ثلاثة أسابيع، قادماً من الأردن، بعد تشرد دام لثلاث سنوات ونصف السنة عانت خلالها أسرته من «الويل والثبور» في مخيمات اللجوء التي تغيب عنها أبسط شروط العيش الإنسانية. وقال والده محمود إن عائلته جاهزة لبدء «حياة جديدة»، ومستعدة للبدء فوراً بالعمل والانخراط في المجتمع، مؤكداً أن معركة أسرته من أجل الاستقرار، والتي بدأت قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات، ماتزال مستمرة في الولايات المتحدة. وقال الأب وهو يحضن طفله: «لم يعد لنا أي مستقبل في سوريا على الإطلاق، لقد تشردنا طويلاً وآن لنا أن نستقر»..
قباطي الذي وصل إلى الولايات المتحدة بمساعدة «المنظمة العالمية للاجئين» كان يعمل «خضرجياً» في سوريا، ولكن اضطر للعمل بورشات البناء في الأردن كي يعيل أسرته، وهو يتطلع الآن إلى الحصول على فرصة عمل تمكنه من تحصيل لقمة العيش بكرامة وتمهيد الطريق لأطفاله لتحصيل العلم في المدارس والجامعات، وهو «مستعد تماماً» للمغامرة في هذه «الرحلة المحفوفة بالمخاطر» من أجل مستقبل أفضل لأولاده، بحسب ما قال لـ«صدى الوطن».
وأضاف: «إن عائلتي تعيش حاليا بسلام، ولكنني أتوقع وجود الكثير من التحديات القادمة، وقد أدركت هذا الأمر من لحظة وصولي إلى المطار، حيث لم نجد أحدا في استقبالنا، كما كان مفترضا، فلجأنا إلى أحد الأصدقاء الذي قام باستضافتنا لمدة يومين قبل أن يجد لنا بيتا نستأجره».
وتحدث قباطي عن بعض المشاكل التي تواجهها الأسرة، مشيراً إلى أن الجهات المختصة لم ترسل لهم أوراق الإقامة بعد، ولم تعمل على إنجاز بعض الإجراءات الضرورية، مثل أرقام الضمان الاجتماعي، والضمان الصحي والمساعدات الغذائية (فود ستامب).
وأضاف أن أفراد أسرته متحمسون جداً للبدء بتعلم اللغة الإنكليزية كي يتمكنوا من التواصل مع الآخرين وتدبير شؤونهم اليومية، لكن -حتى الآن- لم تبادر المؤسسات المعنية ولم يتم تسجيلهم بأي صفوف خلافا لما حصل مع لاجئين آخرين، مؤكداً أن تعلمهم للإنكليزية هو المفتاح الأول لاندماجهم في المجتمع الأميركي.
مشكلة مواصلات
وكانت مشكلة المواصلات هي المشكلة الأكبر بالنسبة لعموم اللاجئين السوريين الذين قابلتهم «صدى الوطن» في الإفطار الجماعي، وقد أكدوا أن غياب وسائل النقل العام في ولاية ميشيغن يجعلهم مكبّلين تماماً، فهي غير متوفرة، حيث أن عموم سكان الولاية يعتمدون في تنقلاتهم على سياراتهم الخاصة، ولأن اللاجئين لا يملكون سيارات، ولا رخص قيادة، فإنهم لا يستطيعون البحث عن عمل، ويعانون من مصاعب في التسوق وتوصيل أطفالهم إلى المدارس.
«أسامة»، وهو أحد اللاجئين السوريين الذين دخلوا إلى الأراضي الأميركية مؤخراً، طالب الحكومة الأميركية والمنظمات العاملة على توطين اللاجئين أن تلتزم بوعودها وأن تبدي «اهتماماً أكبر» بموضوع القادمين الجدد وأن يعملوا على مساعدتنا بطريقة «جدية»، و«عدم الاكتفاء بمساعدتنا بملء بعض الأوراق الثبوتية، أو الذهاب معنا لمرة واحدة إلى السوبر ماركت»، مؤكدا أن العاملين في تلك المنظمات «يجهلون أوضاعنا ومعاناتنا».
وبدوره أكد «وائل»، الذي وصل إلى ميشيغن منذ عشرة أيام، ما أفاد به أسامة، وقال إن تلك المنظمات لا تقدم لنا المساعدات الكافية وهم بالكاد يردون على اتصالاتنا الهاتفية في حال حاجتنا إليهم.
وأضاف: «كوني لا أملك سيارة فأنا مضطر للبقاء في المنزل طوال الوقت، ولا أستطيع التجول في المدينة والبحث عن عمل»، مؤكدا أن المنطقة التي يسكن فيها -في ديترويت- غير آمنة، وأنه يتمنى الانتقال إلى منطقة أخرى أكثر أمانا، ولكنهم أبلغوه أنه لا توجد منازل شاغرة، فاضطر إلى البقاء بالمنزل الذي يقطن فيه حالياً.
وحول هذه النقطة، تمحورت شكوى اللاجئ الجديد «سليمان» الذي وصل إلى أميركا منذ 45 يوماً، وقال: «إن النقص في وسائل النقل يعيق تحركاتنا، فبدون سيارة أنت أشبه بشخص معاق، ولا يمكنك البحث عن عمل أو الذهاب إلى أي مكان آخر، ونحن نريد الحصول على عمل والاعتماد على أنفسنا في معيشتنا».
وأشار إلى أنه يمشي أكثر من ساعة في الذهاب والإياب الى أقرب سوق للخضار، وأن عائلة مصرية تقوم بمساعدته منذ وصوله. وشدد: «نحن السوريين يمكننا الاعتماد على أنفسنا ولا نطلب مساعدة من أحد.. إنها مسألة وقت ولكن الضغط يزداد يوما بعد يوم».
ولفت سليمان إلى أن أولوياته الآن تنصب على تعليم أبنائه وحمايتهم من آثار الأعمال الوحشية التي شهدوها في مراحل مبكرة من أعمارهم.
هواء الحرية
اللاجئ سمير الرشدان يناهز الـ55 من عمره، ولكنه يشعر بأنه ولد من جديد، وأن عمره لا يزيد عن ثمانية شهور، في إشارة إلى لحظة وصوله إلى الولايات المتحدة بعد ثلاث سنوات من التشرد مع عائلته المكونة من سبعة أفراد في الأردن.
وقال إن العيش في «بلد تحكمه العدالة والقوانين وتتوفر فيه الفرص المتنوعة هو حلم يستحق المجازفة»، مؤكدا أن عائلته تنعم بالسعادة لتلقيها المساعدات الضرورية التي تتضمن تأمين باصات حين تحتاجها عائلته التي حصل أفرادها على وثائق الإقامة مما يمكنهم من البدء بحياة جديدة.
وأضاف الرشدان، الذي حصل على سيارة خاصة من صديق يمني: هنا أشعر بأنني «بني آدم» وهو شعور من الصعب أن تحصل عليه في البلدان التي تحكمها الأنظمة الديكتاتورية. هنا مجتمع ديمقراطي وجميع المهاجرين يتمتعون بنفس الحقوق.
وكان الرشدان قد فر من وطنه سوريا بسبب ظروف الحرب ولجأ إلى الأردن وفي حوزته بعض النقود التي سرعان ما نفدت، واختبر مرارة العجز عن دفع إيجار بيت يأويه، خاصة وأن السلطات الأردنية تمنع اللاجئين السوريين من العمل وتقوم بترحيلهم إذا ما اكتشفت أنهم يزاولون بعض الأعمال بدون علم السلطات. وحول هذا الوضع، علق بالقول: «كان ذلك الوضع بمثابة حكم بالإعدام»!
إصرار على التأقلم
وأكدت نائبة الرئيس لمنظمة «الشبكة السورية الأميركية للإنقاذ» الدكتورة عائشة فاطمة، أن أفراد العائلات السورية اللاجئة إلى أميركا يواجهون العديد من المشاكل مثل السكن والنقل مما يحول دون اندماجهم في المجتمعات الجديدة التي يعيشون فيها، مشيرة إلى النقص بأعداد المنازل في مدينة ديربورن حيث يرغب الكثير منهم إلى الإقامة فيها لعدم وجود حواجز لغوية في المدينة التي تقطنها أغلبية عربية.
وتجدر الإشارة إلى أن مهمة وكالات إعادة توطين اللاجئين تنتهي خلال ثلاثة أشهر، وعليهم خلال هذه الفترة أن يجدوا أعمالا يرتزقون منها ويؤمنوا مصاريفهم الحياتية بما فيها المصاريف اللازمة لشراء السيارات وشراء بوالص التأمين عليها.
وفي هذا الخصوص، تؤكد فاطمة استحالة تحقيق ذلك، قائلة: «لا أحد يستطيع الاعتماد على نفسه تماما بعد مضي ثلاثة شهور فقط»، مشيرة إلى أن المنظمة التي تعمل فيها (وهي منظمة تم إطلاقها منذ عام تقريبا على خلفية تفاقم أوضاع اللاجئين السوريين) على تقديم بعض المساعدات الصحية، خاصة في الحالات التي لا يغطيها الميديكيد، إضافة إلى تسجيلهم في صفوف اللغة الإنكليزية.
وختمت بالقول: «إنهم أناس شديدو البأس جدا والطريقة التي يصرون فيها على التأقلم مع المجتمع الجديد مثيرة للإعجاب، وأعتقد أنهم مع مرور الوقت، سينجحون بتحقيق آمالهم وتطلعاتهم».
Leave a Reply