عماد مرمل – «صدى الوطن»
شكل التفاهم النفطي بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون مفاجأة للوسط السياسي في لبنان، خصوصاً أنه لم يكن مسبوقاً بأية إشارات ظاهرة تبشر بقرب حصوله، بل إن العلاقة بين عين التينة والرابية كانت تبدو حتى الأمس القريب شديدة البرودة نتيجة تراكم الخلافات حول امور تتعلق بالطاقة (نفط وكهرباء) والسياسة (رئاسة الجمهورية والتشريع النيابي).
وقد أفرز التفاهم الذي ولد بعد زيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى بري أسئلة عدة حول دوافعه الحقيقية في هذا التوقيت، وماهية القطبة المخفية التي حوّلت ما كان مستحيلاً طيلة سنوات الى ممكن بين ليلة وضحاها.
ومن بين أكثر التفسيرات تداولاً ذاك الذي يرجح أن تكون العوامل الخارجية هي التي اعطت قوة دفع لهذا الملف الاستراتيجي، وتحديدا الولايات المتحدة التي يرجح انها ضغطت على المعنيين في لبنان لإعادة تحريكه، خصوصاً أن هناك شركات أميركية هي بصدد المشاركة في استثمار الثروة الغازية والنفطية الكامنة في المياه اللبنانية والمياه الفلسطينية المحتلة.
كما ان البعض لا يُسقط من حسابه الأثر الذي تركه على الحسابات اللبنانية التقاطع التركي-الاسرائيلي والتركي-الروسي حول التعاون الغازي، إذ شعرت بيروت أن البساط يُسحب من تحت قدميها، وأنها قد تصبح على هامش المعادلة النفطية في المنطقة ما لم تسارع الى فرض وجودها وتثبيت حضورها في هذه المعادلة التي لا تعترف الا بالارقام والوقائع، مع الاشارة الى أن الدراسات بيّنت أن لبنان يملك مخزوناً هائلا من الطاقة يؤهله لكي يكون لاعباً أساسياً ورقماً صعباً في نادي «أقطاب الطاقة».
ومن المفترض أن يؤدي الاتفاق بين بري وعون الى تفعيل دينامية المنظومة النفطية مجدداً بعدما كان نزاعهما قد تسبب في تأخير اقرار مرسومين حيويين يتعلقان بترسيم حدود البلوكات النفطية وآلية تلزيم الشركات، لاسيما أن رئيس الحكومة تمام سلام ظل مصراً على الامتناع عن أدراجهما على جدول أعمال مجلس الوزراء، ما لم يتم توافق سياسي مسبق حولهما.
وقد أهدر لبنان نتيجة تعطيل هذين المرسومين طيلة الفترة الماضية وقتاً ثميناً هو بأمس الحاجة اليه من أجل أن يستكمل الجهوزية القانونية والتقنية التي يتطلبها خوض السباق الاقليمي على استخراج الطاقة، متسبباً بفعل التجاذبات بين قواه السياسية في تجميد عملية التعاقد مع الشركات الدولية التي ستتولى مهمة التنقيب عن الثروة الطبيعية، ما دفع بعضها الى التلويح بالانكفاء عن المشاركة في اي مزايدة تتعلق بالاستكشاف والانتاج إذا استمرت مماطلة الدولة اللبنانية في إطلاق ورشة العمل.
أما وأن الاتفاق بين عين التينة والرابية قد أنجز، فإن من شأنه أن يفرج عن المرسومين «المعتقلين» اللذين ينبغي أن يقرهما مجلس الوزراء قريباً، على أن تحيل الحكومة بعد ذلك الى مجلس النواب مشروع قانون وضعه وزير المال علي حسن خليل ويتعلق بالجانب الضريبي في الملف النفطي، حتى تجري دراسته وإقراره، ومن ثم يتوجب استدراج العروض لانتقاء الشركات التي ستكلف باستثمار البلوكات النفطية المقرر تلزيمها، من ضمن البلوكات العشرة الممتدة من الجنوب حتى الشمال.
وبعد ذلك يجري فض العروض ودراسها، على ان يتولى مجلس الوزراء لاحقا اختيار الشركات الأفضل التي ستُبرم معها العقود.
ولا يعني ذلك أن استخراج النفط والغاز سيتم سريعاً بعد انجاز هذه الآلية، ذلك أن توقعات الخبراء تفيد بأن هناك حاجة الى سنوات عدة قبل المباشرة في تسييل الثروة الطبيعية وانتاجها، وصولاً الى تصديرها والاستفادة منها، خصوصاً لجهة اطلاق التنمية الحقيقية وإيجاد فرص عمل وتنشيط الاستثمار ومعالجة الازمة الاقتصادية-المالية من بوابة اخماد حريق الدين العام المتفاقم والذي يهدد بالتهام الأخضر واليابس.
كواليس الاتفاق
ولئن كان كل من «التيار الوطني الحر» و«حركة أمل» يتكتمان على تفاصيل التفاهم المبرم بينهما، إلا أن المعلومات المتوافرة من أكثر من مصدر تشير الى أنه جرى التوافق على استراتيجية تلزيم واحدة تنطلق من قاعدة حماية حقوق لبنان في المكامن النفطية والغازية المجاورة للحدود البحرية مع كيان الاحتلال الاسرائيلي وتأمين أفضل الظروف الممكنة أمام الدولة اللبنانية للاستفادة من الثروة الطبيعية، لاسيما من حيث تعزيز فرص المنافسة بين الشركات، لأن من شأن ذلك ان يسمح للبنان باستثمار طاقته المكتشفة بأفضل الطرق وصولاً الى تحقيق أكبر المكاسب الممكنة.
وتفيد المعلومات بأن هناك اتجاها، بموجب التفاهم، لتلزيم البلوكات الجنوبية (8 و9 و10) الواقعة على تماس مع الاحتلال الاسرائيلي، وذلك وفق ما كان يطالب به الرئيس بري، بهدف حماية المخزون اللبناني في تلك المنطقة ومنع اسرائيل من السطو عليه. كما سيتم تلزيم بلوكين آخرين يقعان في الشمال استجابة لمطلب العماد عون، أما البلوكات الخمسة الأخرى فستبقى خارج التداول حالياً، عملا بقاعدة «التجزئة» التي تم التوافق على اعتمادها، انطلاقا من أن الحكمة تقضي بألا يلعب لبنان كل أوراقه دفعة واحدة، في انتظار ان يكتسب الخبرة اللازمة ويراقب تطور السوق، ثم يستثمر البلوكات الخمس «المعلقة» بأحسن الشروط وأكثرها استجابة لمصالحه.
والى حين البدء في ترجمة مفاعيل اتفاق عين التينة على المستوى النفطي، لاحت ظلال سياسية لهذا الاتفاق، عكستها الزيارة التي قام بها عون الى بري في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، بعد انقطاع طويل.
وإذا كان السبب المعلن للزيارة قد اندرج في إطار المعايدة، فان ذلك لم يحل دون أن تفوح منها رائحة الغاز والرئاسة، وسط سيناريوهات راجت في بعض الصالونات السياسية خلال الأيام الأخيرة حول احتمال أن يفتح التفاهم النفطي الأبواب على التنقيب عن تفاهم سياسي بين «الأستاذ» و«الجنرال»، يحصل بموجبه عون على دعم رئيس المجلس النيابي لترشيحه الرئاسي.
وفي حين، اعتبرت مصادر عين التينة أنه من المبكر الخوض في فرضيات من هذا النوع، مع تأكيدها أن بري منفتح على الحوار مع عون، أشار مقربون من الجنرال الى ان التوافق النفطي الذي حصل سيساهم في إعادة بناء الثقة بين الرجلين، وسيمنح زخماً اضافياً لترشيح عون الى الرئاسة.
وبينما احتفى حلفاء «حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» بالتقارب المستجد بينهما، لا تخفي أطراف أخرى في الحكومة انزعاجها من طريقة اخراج تفاهم عين التينة، لافتة الانتباه الى أنه يعطي انطباعاً بأن هناك محاولة لاختزال مجلس الوزراء بمكوّنين اثنين، يسعيان الى فرض ارادتهما على الآخرين، مشددة على أن هذا الأمر لا يمكن قبوله.
لكن مصادر «أمل» و«التيار» ترد في المقابل على الاتهام، بالاشارة الى أن الخلاف الأساسي حول النفط كان ناشبا بينهما، وبالتالي فانه من الطبيعي ان يعالجا هذا الخلاف من دون أن يعني ذلك تذويب مجلس الوزراء في وعاء تفاهمها، إذ أن أي قرار يتعلق بالنفط لا يمكن أن يصبح ساري المفعول ما لم تتخذه الحكومة في نهاية المطاف.
Leave a Reply