طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
دخل السباق على منصب قاض في محكمة ديربورن الـ19 منعطفا مثيراً، الأسبوع الماضي، بعدما نشر حساب باسم «ديربورن أندرغراوند» وثائق فدرالية تدين زوج رئيسة مجلس بلدية ديربورن المرشحة سوزان دباجة في قضية صدر فيها الحكم عام ٢٠٠٨ بسجنه لمدة ١٢ شهراً بتهمة تهريب السجائر من خارج ولاية ميشيغن.
وسرعان ما فعل الفيديو فعلته وألهب المعركة الانتخابية المحتدمة بين ثلاثة مرشحين هم دباجة وآبي بزي وجين هانت.
وانتشر الفيديو بشكل سريع في الجالية العربية، ليثير حفيظة مناصري دباجة الذين بادر بعضهم إلى شن «حرب مضادة» على منافستها المحامية آبي بزي وداعميها. وتدفق سيل الاتهامات والإشاعات التي لم تستند الى وثائق أو أدلة، وتم التعرض للكثيرين بالسب والتجريح في حفلة جنون لم تستثن ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني بسبب انتقاد الصحيفة لرد فعل دباجة على الفيديو.
واقتصر رد رئيسة المجلس البلدي، من خلال صفحتها الشخصية على «فيسبوك»، على أن محتوى الفيديو مجرد افتراءات عارية عن الصحة رغم الوثائق الواردة فيه، واصفة ناشريه بـ«مافيا الكيبورد»، فيما اعتبرت الصحيفة في افتتاحية العدد الماضي أنه من واجب دباجة أن تظهر قدراً من المسؤولية والشفافية في التعاطي مع المعلومات التي تم الكشف عنها.
ومع هجوم ماكينة أنصار دباجة المضاد انتقل السباق الانتخابي المحتدم إلى مستوى الانقسامات الشخصية والعائلية في معركة بات الكثيرون يرونها بأنها معركة «كسر عظم»!
وعلى خلفية هذا المشهد المحتدم، انتشر الكثير من المنشورات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يفوت البعض فرصة «التعليم» على الجالية العربية واتهامها بأنها -ورغم تواجدها في الولايات المتحدة منذ عقود- لا تزال رهينة العصبيات العائلية والمناطقية، التي ظهرت بشكل واضح في تعليقات المتحمسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنافذ الاعلام المحلي.
أصل الحكاية
في كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلنت آبي بزي ترشحها رسمياً لمنصب قاض في محكمة ديربورن، لخلافة القاضي الحالي وليم هالتغرين الذي ستنتهي ولايته بعد احالته إلى التقاعد بسب السن في نهاية العام الجاري. وفي آذار (مارس) قررت سوزان دباجة الترشح لنفس المنصب، وتبعهما المحامي جين هانت الذي وجد الفرصة سانحة أمامه لخوض السباق في خطوة يمكن وصفها بـ«ضربة معلم» بعد تلمسه الانقسام العربي-العربي الذي ظهرت ملامحه لحظة إعلان دباجة عن ترشيحها.
وقد أثار قرار دباجة بالترشح حفيظة العديد من فعاليات الجالية الذين حاولوا ثنيها عن الترشح منعاً لشرذمة العرب الأميركيين ولتعزيز حضورهم السياسي في المدينة التي يشكلون فيها أغلبية وازنة، ولكن دباجة كانت تصر على مواصلة السباق و«تحقيق حلمها منذ الصغر» بأن تصبح قاضية.
ودباجة وبزي إضافة الى كونهما عربيتين، فإنهما أيضاً لبنانيتان وتحديداً من مدينة بنت جبيل الجنوبية وهو ما يزيد الأمور تعقيداً كلما اقتربنا من موعد الانتخابات.
وكانت هذه المسألة حاضرة في النقاشات المستفيضة التي أجرتها «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، وقد أدرك الأعضاء منذ البداية وعورة الطريق لتبني دعم إحدى المرشحتين، وكلاهما عضو في اللجنة.
واتخذ قرار «أيباك» النهائي بدعم بزي من خلال تصويت أغلبية الأعضاء، من منطلق أن فوز بزي بمنصب القاضي، واحتفاظ دباجة بمنصب رئاسة المجلس البلدي، سوف يزيد من تمثيل العرب، سياسيا وإداريا وقضائيا، في مدينة ديربورن، وأنه في حال إصرار دباجة على دخول السباق الانتخابي ضد بزي، فسوف يؤدي ذلك إلى انقسام الصوت العربي وفقدان تأثيره الوازن، مما يزيد من حظوظ المرشح الثالث جين هانت في تخطي الانتخابات التمهيدية، التي ما كانت لتقام لو انسحب أحد المرشحين الثلاثة.
غير أن كل الضغوط التي بذلت لإقناع دباجة بالعدول عن قرارها قد باءت بالفشل.
معركة مفتوحة
تلبدت الأجواء بغيوم كثيفة، وحمي الوطيس الانتخابي باكراً، ويبدو من مجريات الأحداث أن لا «أسلحة محرمة» في هذه المعركة الانتخابية التي يخوضها مناصرو المرشحتين الذين وصلوا إلى حد «نشر الغسيل القذر» مما قد يزيد في تشويه صورة الجالية العربية التي هي بأمس الحاجة إلى تبييض صورتها في هذه الأوقات.
«عم يلعبوها وسخة»، وصف علي زين الدين ما آلت إليه الأمور متوقعا أن تشهد الأيام المقبلة فضائح أكثر. وقال لـ«صدى الوطن»: لدي شعور بأننا ما زلنا في البداية، وأعتقد أن الأيام القليلة التي سوف تسبق يوم الانتخابات (2 أغسطس القادم) قد تشهد فضائح من العيار الثقيل.
وأبدى زين الدين أسفه على «الذهنية العربية» إزاء المنافسات الانتخابية منتقدا تلطي الكثير من المرشحين وراء مصالح الجالية العربية، بينما هم في الحقيقة لا يسعون إلا إلى تحقيق مصالحهم الشخصية حتى ولو جاء ذلك على حساب العرب ومصالحهم.
من ناحيته، دعا منيب بيضون جميع المرشحين والفعاليات العربية إلى الالتزام الحقيقي بمصالح الجالية التي يجب تفضيلها على المصالح الشخصية، بدلا من استخدامها كمجرد شعارات. ووصف السباق الانتخابي على محكمة ديربورن، بأنه «يضر بمصلحة الجالية العربية». وقال: لا أعرف ما هي الظروف التي دفعت سوزان دباجة إلى ترشيح نفسها، فلكل شخص الحق في أن يعمل ويطمح، ولكنني أعتقد أن ما يحدث الآن سوف يخرجنا من السباق خاسرين».
وأضاف: «لا أعتقد أن لدى الجالية شيئا ضد دباجة فقد دعمتها في انتخابات المجلس البلدي ومنحتها أصواتها فجاءت في المركز الأول، مما أفرحنا كثيرا، وكان عليها أن تقدر مساندة الجالية لها وأن تقبل بقرار الجالية بدعم غيرها.
وهل الترشح ممنوع؟
أما رانيا شهاب التي «تؤيد دباجة مليون بالمية» -بحسب ما قالت لـ«صدى الوطن»- فهي ترى أن من حق أي شخص أن يرشح نفسه لأي منصب يراه ملائما لتحقيق طموحاته، مؤكدة أن دخول دباجة على خط انتخابات محكمة ديربورن ليس وراءه أية أسباب شخصية ضد المرشحة بزي.
واستنكرت رانيا بث الإشاعات لتعميق الاستقطابات في مجتمع الجالية، وقالت: «لا يوجد شخص معصوم عن الخطأ، وحتى ولو كانت الإشاعات بحق دباجة وعائلتها صحيحة، فقد مضى عليها وقت طويل، وهنالك أشخاص يريدون تحقيق أهدافهم ومصالحهم بأي ثمن، حتى ولو كان على حساب تحطيم الآخرين».
وفي نفس السياق، تساءلت يسرا حسون: «وما العيب أو الخطأ في أن ترشح سوزان دباجة نفسها لمنصب قاض في محكمة ديربورن، ما دامت تملك المؤهلات لهذا المنصب»؟.
وأكدت أن ما أشيع عن عائلة دباجة لن يثنيها عن قرارها بالتصويت لرئيسة المجلس البلدي، قائلة: نشر هذه الأقاويل.. عيب كبير، وهو يقلل من قيمة من ينشرها ولا يؤثر على مكانة دباجة الاجتماعية وما حققته من نجاح، كونها أول امرأة عربية أميركية ترأس المجلس البلدي.
واتفقت شهاب وحسون على أن دعمهما لدباجة لا يعني أنهما ضد بزي، وأن كلا منهما تعتقد أن دباجة أكثر انخراطا في مجتمع الجالية العربية ونشاطاته وفعالياته. وقالت شهاب: «يمكنك أن تراها في كل مكان.. في السوق وفي الملحمة.. في الشارع وفي اجتماعات الجالية.. إنها إنسانة محبوبة ومتواضعة وتحرص على التواصل مع الآخرين».
سأصوّت لأول مرة
أما علي نبها فقد دفعته الأجواء الحماسية إلى اتخاذ قرار بالتصويت لأول مرة في الانتخابات التمهيدية، رغم أنه حاصل على الجنسية الأميركية منذ ما يزيد عن سبع سنوات، مفيداً بأنه سيمنح صوته لبزي، وقال: في السابق كانت الانتخابات لا تعنيني كثيراً، وكل ما كان يهمني هو العمل من أجل إعالة عائلتي، ولكن ما يحدث الآن دفعني إلى اتخاذ قراري بالتصويت. وشدد نبها على أنه «آن للعرب أن يتخلصوا من الخلافات والمنافسات الشخصية بينهم، التي تصل إلى حد التناحر فيما بينهم كما يحصل في بلدان العالم العربي»، وأضاف: «في هذا البلد نواجه تحديات من نوع مختلف، وعلينا أن نتعلم كيف ندير مصالحنا العامة والتعالي عن المصالح الشخصية».
بدوره، شدد محمد مروة على ضرورة استبعاد المآرب الشخصية والعصبيات العائلية عن أجواء الانتخابات لأن السباق سينتهي و«علينا أن نبقى حبايب»، وقال: «إن القاعدة يجب أن تكون هي اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وإني أرى بزي هي الأكثر تأهيلا والأعمق خبرة لمنصب القاضي، ولكن ما يحدث في انتخابات محكمة ديربورن بعيد كل البعد عن هذه القاعدة المنطقية». منتقداً الطريقة التي يتحزب فيها العرب لمرشحيهم، فأكثر الداعمين -بحسب مروة- يريدون نشر الفتنة وتصفية الحسابات، وقال: «إن العرب لا يحبون النجاح لبعضهم البعض».
وأثنى مروة على أداء دباجة في المجلس البلدي رغم القرارات الجائرة التي استهدفت العرب في عهدها وقال: «أنا لست ضد سوزان ولست ضد بزي، ولو كانت دباجة مرشحة للمجلس البلدي فسوف أعطيها صوتي بكل تأكيد.. أعتقد أنها تقوم بعمل جيد في رئاسة المجلس، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقضاء فالمرشحة آبي بزي هي الأفضل، ولذلك سوف أصوّت لها، بغض النظر عما يحصل في الكواليس من نشر الفضائح وتبادل الاتهامات».
وأضاف: «إن ما يحصل على هامش هذه الانتخابات معيب فعلاً، وإنني أعتقد جازماً أن أولئك الذين ينشرون الإشاعات ويفرحون بترويجها، لن يرهقوا أنفسهم بالذهاب إلى أقلام الاقتراع والإدلاء بأصواتهم».
وختم بالقول حتى لو كانت الإشاعات صحيحة، فلماذا يستخدمونها في هذا الوقت بالذات.. إن نشرها بهذه الطريقة سوف يضر بمصلحة الجميع، ولن تتحمل الجالية المزيد من تشويه صورتها فـ«اللي فيها مكفيها».
Leave a Reply