سامر حجازي – «صدى الوطن»
لطالما بقي موضاعان حساسان، هما الصحة النفسية وآفة تعاطي المخدرات، قيد الكتمان وبعيدَين عن التداول علناً باعتبارهما من المحرَّمات (تابو) داخل الجالية العربية الأميركية نتيجة تستر الأهل على أولادهم المبتلين بإحدى هاتين المشكلتين وذلك خوفاً من الفضيحة وكلام النَّاس بسبب وصمات العار المرافقة لهما. غير أن حوادث الانتحار والموت المفاجئ التي أفجعت العديد من الأسر العربية في الآونة الأخيرة دقت ناقوس الخطر بضرورة التحرك والاعتراف بالواقع الاجتماعي الجديد لإيجاد الحلول المناسبة.
![]() |
جانب من المشاركين في الندوة بـ«المجمع الإسلامي الثقافي» الإثنين الماضي.(صدى الوطن) |
وفي هذا السياق عُقدت عدة فعاليات للتطرق الى هذين الموضوعين الشائكين، وكانت آخرها ندوة موسعة وشاملة أقيمت يوم الإثنين الماضي في «المجمع الإسلامي الثقافي» في ديربورن، بتنظيم من مؤسسة «سي أسيست» C-Assist التي أُطلقت تحت مظلة المجمع بمبادرة لمعالجة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع المحلي.
وضمت الندوة مجموعة كبيرة من القياديين وأصحاب الاختصاص الذين حضروا لمناقشة هاتين الآفتين.
وفي هذا الإطار، ذكرت نانسي بري، مؤسِّسة برنامج «سي أسيست»، في حديث مع «صدى الوطن»، أن معالجة هاتين المشكلتين أصبحت أمراً ملحاً بعد وقوع سلسلة من الحوادث المؤسفة في الجالية لها علاقة بالصحة العقلية وتعاطي المخدرات.
وأضافت أنَّ «معدلات الانتحار والاضطراب العقلي وتعاطي الممنوعات في مجتمعنا أصبحت ثقيلة وصارت بحاجة إلى اهتمام فوري»، مؤكدة أن عدد الوفيات بين الشباب يستلزم اهتماماً أكبر، من مؤسسات الجالية «فهذه قضية لا يمكن تجاهلها بعد الآن» مؤكدة أنه يجب الترفع عن وصمة العار التي تلاحق الأسر والأفراد الذين يقعون فريسة المخدرات أو الاضطرابات النفسية.
وشارك في الندوة العديد من الرسميين والنشطاء والتربويين والأطباء ورجال الدين الذين توالوا في تقديم المشورة لأعضاء مجلس إدارة «سي أسيست»، حول كيفية تثقيف وتوعية الأهالي والأبناء للتعامل مع هاتين المشكلتين وتجاوز وصمة العار التي قد تلاحقهم.
وكان بين المتحدثين، رئيسة مجلس بلدية ديربورن سوزان دباجة، وعضو مجلس ديربورن هايتس دايف عبدالله، وقاضي محكمة ديربورن هايتس ديفيد طرفة، وقاضية كلينتون تاونشيب ليندا دايفيس.
وصرحت دباجة بأنها اكتشفت -من خلال مهنتها كمحامية- وجود نمط سائد بين الأهل في الجالية كلما قامت بتمثيل أحد الأبناء المتهمين بجرائم المخدرات.
وأردفت بأن «الآباء لا يريدون أن يقرّوا بأي مسؤولية. وأنا أفهم أنهم يحاولون حمايتهم… لكنهم لا يفهمون أن ذلك يمكن المخدرات منهم». وأضافت دباجة المرشحة لمنصب قاض في محكمة ديربورن «لطالما جاءني زبائن لاقترافهم جرائم متكررة لأن أهلهم حاولوا التستر عليهم»، وتابعت «علينا أن نُفهم الأهل بأنهم بفعلتهم هذه يخلقون مشكلة أكبر لأبنائهم».
من ناحيته، أبلغ القاضي طرفة أعضاء «سي أسيست» بأن المؤسسات المحلية «ينبغي ان تكون منفتحة لاستضافة برامج وقائية وأخرى لتوجيه مدمني المخدرات نحو الطريق الصحيح، ذلك لأن المحاكم المحلية محدودة في مواردها» وهي في معظم الأحيان تتواصل مع هؤلاء الأفراد بعد أن يكونوا قد وقعوا فريسة الادمان.
وخلص القاضي طرفة الى التأكيد «يمكننا فعل الكثير. والحل هو في محاولة التواصل مع هؤلاء الأفراد وتوجيههم قبل انحدارهم إلى هذا المستوى».
الأهل غائبون والأبناء يضرسون
لطيفة صباغ، مرشدة إجتماعية في مدارس ديربورن العامة، كانت من ضمن المشاركين في الندوة، وقد استندت الى خبرتها في العمل مع طلاب المدارس المتوسطة والابتدائية والثانوية، فأشارت الى أن الاختلافات الثقافية تقف عائقاً صلباً أمام الآباء والأمهات لمعرفة ما إذا كان أبناؤهم يعانون فعلاً من مشاكل نفسية أو أنهم يتعاطون المخدرات.
وأكدت صباغ أن الأهل يلعبون دوراً أساسياً في تدهور حالة أبنائهم لأن كيفية تعاطيهم معهم تشكل عنصراً حاسماً في الموضوع.
وتابعت بالقول إن الأهل بدلاً من أن يجبروا أبناءهم على العيش وفق ثقافة الآباء عليهم تغيير ثقافتهم لتناسب الأولاد، وذلك لأن «كل ولد مختلف».
وتابعت صباغ أنه في كثير من الأحيان لا يعرف الوالدان بأن ابنهما يعاني من اضطراب نفسي أو مشكلة إدمان، وذلك بسبب انشغالهم في أمور حياتية أخرى مثل ضائقة مالية أو أزمة صحية لأحداً فراد العائلة أو ما شابه.
وهذا ما دفعها من خلال عملها في مدارس ديربورن الى القيام بزيارات شخصية الى الأسر التي يعاني أحد أبنائها من مشكلة ما، وأفادت بأن زياراتها كانت تستقبل بإيجابية، فيما لم تكن الاتصالات الهاتفية فعّالة بالقدر نفسه حيث يكون الوالدان مترددين في التحدث بالأمر عبر الهاتف.
وقالت صباغ إنها تفضل أن تقوم بالزيارات شخصياً عوضاً عن طلب الأهل للقدوم الى المدرسة فذلك قد يتسبب بحرج شديد لهم وأضافت «أشعر ان الأهل يكونوا أكثر تقبلاً بهذه الطريقة. عندما تذهب إلى بيتهم، فأنت تعلم أكثر عن التلميذ وتنظر عن كثب الى البيئة التي تحيط به. كل تلميذ لديه قصة مختلفة. لذلك تتعلم الكثير عنهم من خلال الزيارة ثم نشهد تغير المجريات لمجرد توفير على فرصة لفهم ما يحدث».
وأعربت صباغ عن سعادتها بأن المؤسسات الاسلامية قد قررت أخيراً اخراج مناقشات المحرمات الى دائرة الضوء، وقالت «أنا سعيدة أن مكاناً يجد فيه الناس ملاذاً آمناً يمكن أيضاً أن يكون موئلاً للموارد. انها حركة إيجابية، على الرغم من أننا قد نكون تأخرنا عن مجاراة المشكلة. لكننا أخذنا زمام المبادرة، وهذا ما يهم».
بالنسبة «للمجمع الإسلامي»، فإنَّ النقاش حول الصحة العقلية وتعاطي المخدرات هما جزء من مبادرة أكبر سيبدأ المجمع بطرحها في الأشهر المقبلة عبر مؤسسة «سي أسيست» الفرعية. وفي السادس من آب (أغسطس) المقبل يعقد «المجمع» ندوة عامة للجالية لمناقشة وصمات العار المتعلقة بالصحة النفسية والإدمان على المخدرات ثم ينظم في اليوم التالي رحلة مشي وتنزه.
وخلصة نانسي بري بالقول «الجميع يؤيدون المبادرة التي أطلقناها. هناك آفة في هذه الجالية، ونحن نريد رفع مستوى الوعي، هناك محرمات ثقافية حان وقت إزالتها».
Leave a Reply