بلال شرارة
للنهر ذاكرة عرجاء، ينسى أننا عطشنا لمائه أباً عن جدّ وأننا كنا نتمنى أن يسقي كذلك عطش الأرض، لذلك ليس عليه أن يلومنا الآن اذا لم نستمع لأنينه وشكواه ولم نلتفت اليه، فهو إن غاب أو حضر لن ينقص في حياتنا شيء.. أي شيء.
بصراحة نحن فقدنا شهوتنا للماء، لست أدري كيف نتدبر أمورنا، نشتري الماء فحسب، لسنا ندري كيف أقفل باب العينين الصغيرة والكبيرة عندنا؟ كيف غارت مياه الساقية؟ وكيف تحولنا أسرى الماء؟ لولا اننا نجمع بعض ماء الشتاء (مَيّة جمع لصناعة الشاي) ونشتري نقلات المياه (مياه الري ومياه الشرب بالسيتيرن.. وكل شي بحسابو والعدس بترابو).
قرأت ذات مرة في كتاب ما أن الليطاني كلمة سريانية ترجمتها الى اللغة العربية هي: اللعنة، وبصراحة حتى قامت الفضيحة الراهنة التى اسودت معها سمعة النهر بالملوثات كنت اعتقد أن النهر نعمة حرمنا منها الى درجة اننا نحفظ منذ خمسة وخمسين عاماً على الاقل هتاف المرحوم توفيق الحوراني (أبو حسن) -الذي كان قائد منطقة مرجعيون العسكرية- احتجاجاً على انقطاع المياه: فليسقط كميل شمعون بياع الميّ، واليوم -على الأقل منذ التحرير- والماء تذهب الى البحر ونحن ننظر بعيوننا ولا تصلنا مياه مشروع الليطاني على أنواعها لا من الليطاني ولا من رأس العين ولا من آبار باتوليه ولا من آبار وادي السلوقي.
أقول بصراحة، القرى العطشى من حولنا الأقل ارتفاعا تأخذ «ميتها وميتنا» وطبعاً يطغى على ادارة مياه الشفة سوء ادارة الموارد المائية والعدالة في التوزيع اضافة الى الحجج السنوية الواهية حول احتكار، مثلا مصلحة صور للمياه، أو أن رئيس بلدية كفرا أغلق السُكر أو أن الرابط في رشاف أدار الماء على بركة البلدة أو أحد الموظفين المدعومين من بلدة الطيري أغلق السُكر المؤدي الى بنت جبيل وأدار الماء على بلدته على قاعدة «صحتين ع قلب الشاطر»، أو أن أهل كونين أضافوا تحويلة الى الخط الرئيسي وأخذوا المياه.
قيل لنا ان مياه الليطاني «معكورة» وان اصحاب المرامل في منطقة مرجعيون العيشية يقومون بغسل رمول المحافر الجبلية بها (طيب الليطاني سيبقى ملوثا في شحور وطرفلسية) ونحن منذ عامين لا نعرف اين تذهب مياه الليطاني التي كانت تجري مقابل بدياس. وقيل لنا إن بلدية دير ميماس أدارت المياه الآسنة على النهر.
أخيرا حفر لنا مجلس الجنوب ثلاثة آبار ارتوازية في وادي السلوقي لسد عطشنا واعتقدنا أننا «سنلحس إصبعنا» ولكن…!
ولكن سرعان ما -بين ما قبل وما بعد الانتخابات البلدية- غارت المياه.
عطشنا وتوجعنا واشتكينا (والشكوى لغير الله مذلة) وعدنا نلعب والماء لعبة (غميضة) ونود لو اننا نسملح على الماء، ولكننا نعود فنشتهيه ثم فهمنا.. لم نفهم (!) اأن المشكله من الكهرباء (والنجار بدو مسمار والمسمار عند الحداد و الحداد بدو…).
الخلاصة، اننا لا نهتم!
فنحن كنا نشتهي النهر النعمة ولكننا اليوم ومع تحوله الى نقمة بفعل هجوم الملوثات ( نفوق خمسة اطنان من السمك) في بحيرة القرعون ومياه الصرف الصحي والنفايات وغسل الرمول وفضلات المصانع العائدة لتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية والاستعمال المتمادي للمبيدات والمخصبات والادوية الزراعية -مع تحوله الى نقمة- صرنا لا نريد أن نشرب منه، وفي كل الحالات كانت المشاريع الاخيرة أن نشرب من المياه الجوفية وليس من النهر.
نحن الآن لا نطلب إلا أن تنقذوا النهر، هل يكفيكم 880 مليون دولار لحفظ مجرى النهر؟ 170 كلم طول النهر يعني تنظيف الكيلومتر الواحد = 176000 دولار يعني المتر الطولي ع عرض النهر يكلف 5176 دولار البلاط الايطالي او الـparke أرخص وأوفر.
من يغسل الوطن ويحميه من الملوثات الحكومية؟
Leave a Reply