كمال ذبيان – «صدى الوطن»
قبل عامين وقعت أحداث عرسال، التي هاجمت خلالها المجموعات الإرهابية التكفيرية مراكز ومواقع للجيش اللبناني، بالتواطؤ مع أفراد من البلدة، يتقدمهم رئيس البلدية علي الحجيري، والشيخ مصطفى الحجيري الذي ورد في سيرته الذاتية أنه ينتمي الى «تنظيم القاعدة»، وقاتل في أفغانستان، وهو الذي سهّل وساهم في اختطاف عناصر مخفر الدرك وعددهم 19، ونقلهم المسلحون الى منزله وتعهّد أنهم بأمان لديه، ليسلمهم فيما بعد الى مسؤول «جبهة النصرة» في جبال القلمون أبو مالك التلّي، كما تمّ اختطاف نحو عشرين عسكرياً، مازال تسعة منهم مختطفين لدى تنظيم «داعش».
وقعت عرسال تحت احتلال المجموعات الإرهابية، باعتراف وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي ينتمي سياسياً الى «تيار المستقبل» الذي أمّن مع قوى «14 آذار»، لهذه المجموعات المكان الآمن في البلدة وجرودها، حيث يتمركز فيها مئة ألف نازح، خرج منهم الآلاف لمقاتلة الجيش في 2 آب 2014، فاستشهد عشرون ضابطاً وجندياً، وبعد الإستيلاء على آليات وأسلحة لهم، كما ذُبح عدد من الجنود على يد الإرهابيين في أشرطة وُزعت من قبلهم.
استقبال وحماية
عامان مرّا على احتلال البلدة التي تضم نحو 35 ألف مواطن لبناني، وتقع عند سفح جبال لبنان الشرقية المحاذية للحدود السورية لمسافة 175 كلم، وهو ما سمح للمسلحين العبور إليها، لاسيما بعد طردهم من منطقة القصير في ريف حمص في حزيران (يونيو) عام 2013، ودخول نازحين من بلدات سورية أخرى، حيث لاقى المسلحون العابرون للحدود احتضاناً من قبل بعض أهالي عرسال الذين يدورون في فلك «تيار المستقبل» على أن مَن يستقبلونهم هم «ثوار» يقاتلون النظام السوري، ولا بدّ من الترحيب بهم وتأمين كل سبل العيش لهم، وهذا ما شكّل حالة من التوتر بين عرسال التي عُرفت بمواقفها الوطنية والعروبية، وجوارها من البلدات ذات الكثافة الشيعية، بعد أن باشر «حزب الله» بمقاتلة الإرهابيين في سوريا، في المناطق القريبة من لبنان، ليمنع تمددهم بإتجاهه، في ما سمي بـ«الحرب الوقائية»، وقد نجح في ذلك، وأمّن الأمن والإستقرار لبلدات وقرى البقاع الشمالي والهرمل وبعلبك، التي كانت تُقصف وتدخلها السيارات المفخخة من القلمون عبر عرسال وجرودها، فعطّل «حزب الله» دورها، عقب سيطرته على القلمون وقارة ويبرود والزبداني، وهو ما أوقع عرسال وجرودها في حصار، وحدّ من تحرّك المسلحين، بعد أن أمّن الجيش انتشاراً عسكرياً له، وعزّز مواقعه، واستقدم مناظير حديثة، هدية من بريطانيا التي أقامت له أبراج مراقبة، أفادته كثيراً في مراقبة حركة المسلحين في الأودية والهضاب والمنحدرات في منطقة شاسعة، لا يمكن التحكم بكل معابرها.
ومع احتلال الإرهابيين لعرسال، التي باتت معزولة عن محيطها، حاولت قوى «14 آذار»، استغلال ذلك، وقامت بحملة سياسية-إعلامية، بأن أهالي البلدة محاصرون، وأن «حزب الله» قد يجتاحها، إلا أن هذا التهويل والتضليل ما لبث أن سقط سريعاً، بعد مهاجمة مراكز الجيش وسقط شهداء له، ومنعه من الدخول الى داخل البلدة لتطهيرها من المسلحين، فكان القرار السياسي من قبل رئيس الحكومة تمام سلام و«تيار المستقبل» وقوى «14 آذار»، بأن لا يقوم الجيش بأي عمل عسكري، لأنها سترتد عليه، كون البلدة لها طابع مذهبي (سنّي) معين، ولا يمكن للرئيس سلام أن يتحمّل مثل هذه المغامرة التي ستكلّفه سياسياً وشعبياً، وهو الموقف نفسه للرئيس سعد الحريري، وهذا ما عطّل دور الجيش الذي باتت مهمته منع تسلل المسلحين، حيث ركّز إنتشاره عند تخوم بلدة رأس بعلبك والقاع، لأنهما خاصرتان رخوتان، يمكن خرقهما، وحاول المسلحون مرات عدة الإقتراب من هاتين المنطقتين فكان الجيش يتصدّى لهم ويوقع قتلى وجرحى في صفوفهم وتدمير آلياتهم العسكرية.
انقلاب ديمقراطي
فما كان ممنوعاً على الجيش خلال عامين، وكان رئيس البلدية السابق والشيخ «أبو طاقية» مع آخرين يمنعون دخول الجيش الى عمق عرسال، أو الإقتراب من مخيم النازحين، وكان الضغط على الجيش هو لتخفيف تشدده على المعابر، تحت حجة إنتقال أهل البلدة الى أراضيهم الزراعية، ومقالعهم للحجارة في الجرود، إلا أن المسلحين أبعدوهم عنها وصادروها، وخسر أهالي عرسال مصادر رزقهم.
وبعد إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، وسقوط علي الحجيري من رئاسة البلدية، وخسارة شقيق مصطفى الحجيري «المخترة»، وانتخاب باسل الحجيري رئيساً للبلدية، وعدد من المخاتير الذين لا يوافقون على الممارسات السابقة، التي أدّت الى اختطاف عرسال من قبل المسلحين، الذين أرهبوا المواطنين في عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال، وتفجير سيارات ومنازل، ومصادرة أراضٍ، لكل مَن يبدي تذمراً أو انزعاجاً من وجود المسلحين، الذين أقاموا «محكمة شرعية» تفتي بالقتل، إذ بلغ عدد الذين قتلوا من الأبرياء نحو خمسين شخصاً، بسبب رفضهم للتكفيريين، الذين حوّلوا عرسال من بلدة العروبة والمقاومة، الى «قندهار» و«الرقة»…
مع تسلّم البلدية الجديدة والمخاتير لمهامهم، كان أول ما بادروا إليه، هو تعزيز وجود الدولة اللبنانية في عرسال، التي أزيل منها مخفر الدرك، وبدأ هذا المطلب يتعزّز في «صفوف العراسلة»، الذين تحكمهم أقلية أوقعت البلدة في يد «داعش» و«النصرة» فكانت زيارة المجلس البلدي والمخاتير الى قائد الجيش العماد جان قهوجي في وزارة الدفاع، وتمنوا عليه، أن يوسع الجيش من انتشاره ويُكثر من دورياته في الأحياء والشوارع، ويقفل المعابر أمام المسلحين، وقد لاقت الخطوة هذه تشجيعاً وقبولاً من العماد قهوجي الذي جاءه قرار شعبي يطلب منه تحرير بلدتهم من العصابات الإرهابية، وهو ما لم يستطع رئيس الحكومة و«تيار المستقبل» من أن يأخذوه، وكانوا بذلك يعاكسون الموقف الحقيقي لعرسال التي كان رئيس البلدية السابق علي الحجيري يصادره، وترك سعد الحريري يستمع له، ويستقبله في بيت الوسط، وهو المطلوب الى القضاء بمذكرة توقيف، لتورطه في أعمال أمنية.
خيانة وانتقام
كان القرار الجريء لأهالي عرسال، بدخول الجيش الى بلدتهم، بمثابة «الخيانة» لدى «داعش» و«النصرة» والمتعاونين معهما من أفراد في عرسال، فصدر القرار باغتيال هؤلاء، وتمّت تسميتهم بالإسم من خلال لائحة ضمّت حوالي عشرين شخصاً على رأسهم رئيس البلدية الجديد والمختار محمد علولي الذي تعرّض لمحاولة اغتيال بإطلاق النار عليه في البلدة من قبل مسلحين، فنجا بأعجوبة، ونقل الى المستشفى وهو بحالة الخطر، ووجّه الإتهام الى الإرهابيين وعملائهم في البلدة، وطالب الجيش بأن يفرض الأمن، وهو ما فضح «تيار المستقبل» الذي كشف هذا الحادث، عن أن تأثيره في البلدة ضعيف، وأن «أبو طاقية» و«أبو عجينة»، كانا ينفّذان أوامر الإرهابيين، وأن الحريري وتياره كانا كالزوج المخدوع، حيث جاءت محاولة اغتيال المختار علولي، وتهديد باسل الحجيري وآخرين، بأن عرسال محتلة فعلياً، وأن قرار تطهيرها الذي كان على الحكومة أن تتخذه قبل عامين تأخر، وأن خط الإعتدال الذي يتحدث عنه الحريري يمثّله رئيس البلدية الجديد ومعه المجلس البلدي والمخاتير وفعاليات في المجتمع المدني، وقد سبق وأن خرج أبناء البلدة، يطالبون بالجيش، الذي تجاوب مع مطلب البلدية والمخاتير وما يمثلون من حجم شعبي كبير ووازن ، وبدأ تسيير دوريات في وادي الأرنب ووادي الحصن ووادي عطا، وأقام حواجز في داخل البلدة وعند تخومها، ونفّذ إنتشاراً واسعاً، قابله الأهالي بارتياح، وقابلته البلدية بقرار منع النازحين السوريين من التجول ليلاً، لضمان الأمن والإستقرار في البلدة، التي بدأت تعود الى كنف الدولة، التي تركتها تحت سيطرة المسلحين الذين تراجع دورهم مع محاصرة الجيش لهم في الجرود، وباتوا في وضع خطر، إذ لم تعد لهم معابر يخرجون منها، أو يمر التموين إليهم، وهم قادمون على شتاء قاسٍ، مع استمرار الحصار عليهم، ولم يعد لهم عمق يحميهم من الجانب السوري، إذ أقفلت طريقهم الى الداخل السوري، وقد يلجأون الى الإستسلام، أو فتح طريق لهم للمغادرة، أو القيام بمغامرة عسكرية ستكون مكلفة لهم.
بعد عامين على احتلال عرسال، ها هو الجيش يبدأ تحريرها بقرار شعبي لا سياسي.
Leave a Reply