علي حرب – «صدى الوطن»
أقام «مركز المجتمع الأميركي الإسلامي» الذي كان يعتزم بناء مسجد في ستيرلنغ هايتس، الأربعاء الماضي، دعوى قضائية فدرالية ضد بلدية المدينة تتهمها بالتمييز العنصري ضد المسلمين وحرمان المركز من حقه في ممارسة معتقداته الدينية بحرية، وفق التعديل الأول من الدستور الأميركي.
رسائل الكترونية متبادلة بين مسؤولي المدينة تكشف عن تمييز عنصري فاضح ضد مشروع بناء المسجد |
وجاء الإعلان عن الدعوى القضائية في مؤتمر صحفي عقد في الباحة الخلفية لمبنى بلدية ستيرلنغ هايتس، وذلك بعد عشرة أشهر من التحقيقات التي أجراها محامو المركز بشأن قرار لجنة التخطيط البلدي (زونينغ) بمنع بناء المسجد رغم موافاته لكافة الشروط والقوانين البلدية، فيما كشَفَتْ رسائل بريد الكترونية تبادلها مسؤولون في البلدية وجود أدلة على تمييز فاضح ضد المشروع والقيمين عليه.
ونصت الدعوى التي تطالب بإعادة السماح ببناء المسجد وتعويض المركز الإسلامي عن الأضرار التي لحقت به جراء القرار التعسفي ضده، إن قرار المنع «جعل من المستحيل عملياً للمركز أن يمارس معتقداته الدينية بشكل قانوني في المدينة».
وأكد المحامي عزام الدر بأن التحقيقات والمعلومات المتوفرة تشير الى أن البلدية تعمدت انتهاك الحقوق الدستورية لسكانها المسلمين، لاسيما وأنها كانت قد أقرت سابقاً بأن مشروع المسجد لا يتناقض مع قواعد التخطيط المدني في ستيرلنغ هايتس، بحسب وثيقة صادرة عن لجنة التخطيط بتاريخ 13 آب (أغسطس) 2015، لكن الأمور تبدلت رأساً على عقب بعد موجة احتجاج عارمة شنها سكان محليون ضد المركز والمسلمين الأميركيين بتهمة الإرهاب، مما أدى في العاشر من أيلول (سبتمبر) 2015 الى صدور قرار بإجماع أعضاء لجنة التخطيط التسعة ضد مشروع بناء المركز الإسلامي بالقرب من تقاطع شارعي راين والميل الخامس عشر.
وترافق القرار البلدي حينها بحضور كثيف للسكان المعادين للإسلام في ستيرلنغ هايتس، مما عزز الاعتقاد بأن قرار البلدية جاء على خلفية عنصرية. وهو ما وضعه أيضاً قيد التدقيق من قبل وزارة العدل الأميركية.
مؤتمر صحفي
وقال الدر إن عدداً من المتظاهرين المعادين للإسلام قاموا في ذلك اليوم بالاعتداء والبصق على متظاهرين مؤيدين لبناء المسجد تحت أنظار الشرطة التي لم تحرك ساكناً. وأضاف بأن التعصب الذي أبداه بعض السكان وجد صداه بين بعض المسؤولين في البلدية الذين عملوا على تعزيزه بدل مقاومته، مشيراً إلى أن المسلمين من سكان ستيرلنغ هايتس هم «معلمون ومهنيون وأطباء ونشطاء يعكسون أفضل ما في أميركا» وليسوا إرهابيين كما تم توصيفهم من قبل المتعصبين في المدينة.
وأكد الدر خلال المؤتمر الصحفي بأن الدعوى القضائية تهدف الى «حماية الدستور والتأكد من أن حقوق الأقليات في هذه البلاد محفوظة».
ومن جانبه، قال المحامي دان دالتون إن البلدية تفحصت جميع التفاصيل التقنية المتعلقة بالمشروع بما في ذلك قواعد المرور والتنظيم المدني ومواقف السيارات والإضاءة وغيرها، ولم تجد أية مخالفة تبرر قرار منع بناء المركز الإسلامي.
وصبّ الناطق باسم المركز، خليل عباس، وهو محارب قديم في سلاح الجو، جام غضبه على المسؤولين في البلدية لفشلهم في حماية الحقوق القانونية للسكان، وأضاف «لقد سمحوا للتمييز والعنصرية بالتغلب على الدستور، وكل ذلك لأنهم كانوا خائفين من فعل ما هو صواب»، في إشارة الى تجاوبهم مع الحملة العنصرية التي استهدفت مشروع بناء المسجد، والتي شارك فيها عدد لافت من النشطاء الكلدان المعادين للإسلام.
وبدوره، قال المحامي محمد عبد ربه إن أعضاء لجنة التخطيط تصرفوا تحت ضغط الخوف وأدلوا بأصواتهم المخالفة للقانون وهم مدركون تماماً لذلك. وتوجه الى أعضاء اللجنة بالقول «إن السبب الوحيد لوجودنا هنا اليوم هو أنكم استندتم الى الخوف والبروباغندا -لا الى ضميركم- عندما قمتم بالتصويت».
ولم يوفر المحامي الدر، رئيس بلدية ستيرلنغ هايتس مايكل تايلور من الانتقادات، بسبب مواقفه المتقلبة إبان الأزمة في الصيف الماضي، حيث عارض في البداية المشروع، ثم قال لاحقاً إنه يحبذ بناء المسجد بأي موقع آخر في المدينة.
وقال الدر إن تايلور كرئيس للبلدية يتمتع بتأثير بالغ على أعضاء لجنة التخطيط، مشيراً الى أن تناقض مواقفه بشأن المشروع يؤكد على أنه كان أقرب الى «رجل سياسي منه كونه رجلاً تقع على عاتقه مسؤولية قيادة مدينة بأكملها».
تسلسل عنصري
وكشَفَتْ رسائل بريد الكترونية متبادلة بين المسؤولين في البلدية -وقد تم الحصول عليها وفق قانون حرية المعلومات (فويا)- أن قرار منع بناء المركز الإسلامي في ستيرلنغ هايتس قد يكون مدفوعاً بالمشاعر العنصرية ضد المسلمين، وليس لدواعي التنظيم المدني كما ادعت البلدية في معرض رفضها للمشروع.
وقد احتفل بقرار المنع يومها، حشد كبير من السكان المحليين الذين تدفقوا بكثافة الى مبنى البلدية لحضور جلسة التصويت المخزية التي انتهت بتهليلات النصر من المعادين للإسلام الذين اعتبروا منع بناء المسجد انتصاراً لهم.
نقطة التحول في مسار تعاطي البلدية مع المشروع ترجع الى 19 آب (أغسطس) عام 2015، حين أرسل اثنان من سكان المدينة بريداً إلكترونياً مشتركاً بعنوان «فحص المسجد؟» لرئيس بلدية سترلينغ هايتس مايكل تايلور ورئيس دائرة التخطيط البلدي آنذاك دونالد مندي، تطالبهما بالتحقق من ما إذا كانت أسماء القيمين على مشروع بناء المسجد واردة ضمن قائمة مراقبة الإرهاب الفدرالية.
استجاب مندي سريعاً للطلب رغم ما يختزنه من عنصرية فاضحة، وقام ببعث رسالة إلكترونية إلى قائد الشرطة آنذاك، مايكل ريس، تتضمن قائمة بأسماء الأشخاص الذين تقدموا بمشروع بناء المسجد للتحقق من سجلاتهم.
وبدوره، لم يضيع ريس وقتاً حيث أوعز في اليوم نفسه، عبر رسالة الكترونية الى جون بيرغ (قائد الشرطة الحالي) الذي كان يومها ضابطاً برتبة نقيب، مطالباً إياه بالاتصال بمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقة لهؤلاء الأشخاص بالإرهاب.
«جون، هلا تتصل بمارك ديفيس في مكتب التحقيقات الفدرالي لمعرفة ما إذا كان هذا المسجد (وكتبها خطأً بالانكليزيّة mosk) أو سيد نجاح الحسيني أو جعفر شهاب على رادارهم»؟، كتب ريس لبيرغ.
هذا التحيّز والتنميط العنصري جعل الناشطة عائشة نور تستشيط غضباً خصوصاً عندما علمت بمحتوى رسائل البريد الإلكتروني.
«هل هذا يحدث مع الكنيسة؟ هل هذا يحدث مع كنيس يهودي؟ وهل يحدث ذلك مع المعابد البوذية والهندوسية؟» تساءلت نور، ووصفت ما حدث بالقول «هذا أمر شائن. ومن الواضح أن هذه كانت محاولة من البلدية لضمان حرمان المسلمين من الحق الدستوري في التجمع والحصول على مكان للعبادة».
وأضافت نور بأن «الدعوة إلى فحص المسلمين الأميركيين هو شكل من أشكال التنميط التي تنتهك حقوق المواطنين دافعي الضرائب في بلادهم. ويظهر سلوك المسؤولين البلديين أن ستيرلنغ هايتس ليست مجتمعاً آمناً ومرحِّباً بالنسبة للأميركيين من جميع الخلفيات العرقية والدينية».
وخصَّتْ نور رئيس الشرطة السابق ريس في انتقادها مؤكدةً «انه تحول من لعب دور موظف وحامي للناس الى دور معادٍ يعرض حياة المسلمين للخطر من خلال دعم هذا النوع من التفكير الذي يقوم بالخلط بين الإسلام والإرهاب».
تايلور يدافع
لكن رئيس البلدية تايلور كان له رأي آخر حيث لم يجد أية مخالفات في سلوك مندي وريس، مشيراً الى ان بلدية ستيرلنغ هايتس كانت ببساطة تأخذ بعين الاعتبار قلق السكان.
لكن تايلور استدرك متبرئاً من الرسائل البريدية بأنه مسؤول فقط عن رسائل البريد الإلكتروني التي يقوم هو بإرسالها، مؤكداً أن «الملتمسين الذين يريدون بناء دور للعبادة في ستيرلنغ هايتس أو في أي مكان آخر في الولايات المتحدة لا ينبغي أن يخضعوا لفحص أمني».
وأضاف في حديث أجرته معه «صدى الوطن» قبل ساعات من الإعلان عن الدعوى القضائية ضد المدينة إن «البلدية تتحرك بسرعة للغاية عندما يتعلق الأمر بتلقي شكاوى من السكان، سواء كانت شكوى من ضوضاء الجيران، أو بسبب الأعشاب المرتفعة، أو بشأن الألعاب النارية… وفي هذه الحالة، كانت هناك شكوى عن اناس يسعون لبناء مسجد. أنا لا أعتقد أن قسم الشرطة ارتكب أي خطأً».
واستطرد أنه «لا يوجد أي دليل على أن المسؤولين في البلدية أنفسهم كانوا في شك بأن الأشخاص الذين شاركوا في مشروع المسجد هم إرهابيون».
غير أن بريداً الكترونياً آخر يظهر أن مندي، الذي كان من المفترض أن لا يكون منحازاً، كان يقوم بعملية إحصاء أصوات أعضاء لجنة التخطيط قبل ثمانية أيام من طرح الموضوع للنقاش الختامي في البلدية. وقد أبلغ مدير البلدية مارك فاندربول، في رسالة، بأن ثلاثة أعضاء في لجنة التخطيط قد حسموا موقفهم بالتصويت ضد المشروع حتى الآن.
ورداً على سؤال حول تصريحات رئيس البلدية، ذكر المحامي عبد ربه، أنَّ «رسائل البريد الإلكتروني تتحدث عن نفسها» وتابع «بدلاً من اثارة التكهنات، أنا أتطلع إلى طرح هذه الأسئلة على الأشخاص الذين أرسلوا واستقبلوا تلك الرسائل إلكترونية وهم تحت القَسَم».
رفض عبدربه مقارنة رئيس البلدية شكاوى الضوضاء والأعشاب بالشكوى العنصرية ضد بناء المسجد، وأضاف بأن نظام العدالة الجنائي في أميركا يحتم وجود نوع من الأدلة قبل وضع أي شخص تحت مجهر التحقيق. وأضاف أنه «لسوء الحظ في الجو الذي نحن فيه، يرمي الناس تهم الإرهاب جزافاً وهي أبشع كلمة في قاموس اللغة الأميركية اليوم، وكفيلة بتشويه سمعة الناس وترك وصمة عار على الأبرياء أحياناً لا يمكنهم أن يمحوها أبداً».
Leave a Reply