علي حرب – «صدى الوطن»
في الوقت الذي تزداد فيه النزعة الانعزالية في الولايات المتحدة وتتعالى معها الأصوات الداعية الى بناء الجدران وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، كشف تقرير حديث خاص بولاية ميشيغن الدور الحيوي الذي يؤديه المهاجرون في إنهاض اقتصاد الولاية وإعادتها الى الازدهار، ولاسيما المهاجرين العرب الذين يشكلون أكبر جالية في الولاية.
التقرير صدر في آب (أغسطس) الجاري عن «مكتب ميشيغن للأميركيين الجدد» (مونا) و«الشراكة من أجل إقتصاد أميركي جديد». وتضمن بياناً من حاكم الولاية الجمهوري ريك سنايدر دعا فيه إلى إصلاح قوانين الهجرة مثنياً على الإسهامات الكبيرة التي يقدمها المهاجرون للولاية اقتصادياً وسكانياً ومهنياً.
وقال سنايدر «لقد أثبتت حركة الهجرة بأنها تقود الى خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي في ميشيغن»، وأضاف «كولاية مرحبة، نحن نعلم ونثمّن عالياً قيمة التنوع الثقافي والمساهمات المهنية ومهارات المشاريع التجارية الحرة المقدمة من قبل السكان المولودين في الخارج، ونحن نتطلع إلى العمل مع شركائنا الفدراليين باتجاه جعل إصلاح قوانين الهجرة واقعاً لخلق المزيد من فرص العمل للأسر وتعزيز نوعية الحياة في جميع أنحاء ميشيغن».
تأثير إيجابي واضح
يظهر التقرير أن ميشيغن هي موطن لأكثر من ٦٤٠ ألف نسمة من السكان المولودين في الخارج، أي ما يعادل نحو 6.5 بالمئة من سكان الولاية.
ويشير التقرير الى أنه «على مر السنين، ساعد الأميركيون الجدد الذين وصلوا الى ميشيغن، في الحد من الآثار السلبية للتدهور الاقتصادي في الولاية وتخفيف النزيف السكاني خلال فترة الكساد الكبير». ووفقاً للتقرير، فقد ازداد عدد السكان المهاجرين إلى ولاية ميشيغن بمقدار ضعفي المعدل الوطني خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2014. وأشار التقرير-الدراسة أن الاميركيين الجدد في ميشيغن يسهمون إلى حد كبير في اقتصاد الولاية سواء كدافعي ضرائب أو كمستهلكين، حيث تفيد بيانات الدخل للعام ٢٠١٤ أن المهاجرين جنوا مداخيل تقدر بحوالي 19.6 مليار دولار (أي ما يعادل 7.7 بالمئة من إجمالي الدخل الذي حققه سكان ميشيغن)، كما سددوا ضرائب بحوالي 5.4 مليار دولار من بينها 1.5 مليار حصلت عليها حكومة الولاية والحكومات المحلية تم إنفاقها على تمويل المدارس والشرطة في ميشيغن.
ويشكِّل المهاجرون أيضاً قوة شرائية لا يُستهان بها، حيث أنفقوا 14.2 مليار دولار على السلع الاستهلاكية والخدمات التي تقدمها الشركات في ميشيغن خلال العام ٢٠١٤ فقط.
وأردف التقرير «من خلال إنفاق المال الذي يكسبونه في أماكن مثل صالونات الحلاقة ومحلات البقالة والمقاهي، يقوم المهاجرون أيضاً بدعم أصحاب الأعمال والمصالح التجارية الصغيرة وايساهمون في خلق فرص العمل ضمن المجتمعات التي يعيشون فيها».
أما فيما يتعلق بالسوق العقاري، فيعزز المهاجرون أيضاً سوق الإسكان في الولاية، حيث يمتلكون عقارات تقدر قيمتها بـ35 مليار دولار بحسب بيانات العام 2014 كما يحوزون على 9.7 بالمئة من مداخيل الإيجارات في ميشيغن.
وايسلط التقرير الضوء على ميول المهاجرين لإطلاق الأعمال التجارية الحرة ويشير الى أن 30686 مهاجراً في ميشيغن هم من رواد الأعمال (انتربرنور) الذين يعملون لحسابهم الخاص، ويمثلون 8.3 بالمئة من روّاد الأعمال في الولاية. كما أن هذه الشركات المملوكة للمهاجرين وفرت أكثر من 608 ملايين دولار من الأرباح التجارية في عام 2014. وبحسب التقرير، فإن ١٠ بالمئة من وظائف القطاع الخاص في ميشيغن بحلول العام 2010، وفّرتها شركات تم تأسيسها من قبل مهاجرين.
وتابع التقرير أنه «عندما يتعلق الأمر بالتحصيل العلمي، فإن نسبة المهاجرين في الولاية الحائزين على شهادات في الدراسات العليا تساوي ضعف نظرائهم من المواطنين المولودين في الولايات المتحدة.
ويشكل المهاجرون في ميشيغن 25.3 بالمئة من المواهب التكنولوجية في مجال تصميم برامج وأنظمة الكمبيوتر ممن يساهمون في تطوير قطاع التكنولوجيا التي توفر الفرص الاقتصادية والوظائف الجديدة في الولاية.
ويلعب المهاجرون دوراً حيوياً في تلبية حاجة الشركات من الموظفين بالاختصاصات العلمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ويلفت التقرير الى أن المهاجرين يؤدون دوراً قيّماً في ملء الوظائف في مجال الرعاية الصحية بالولاية وتوفير الرعاية الطبية لسكان الولاية المعمّرين. وفي هذا المضمار صرَّح مدير «مكتب ميشيغن للأميركيين الجدد» بينغ غوي «أن ميشيغن هي مقصد جاذب للمهاجرين الذين أثبتوا أنهم أحدثوا تأثيراً إيجابياً على الولاية. وهذا التقرير يؤكد مساهماتهم في تعزيز اقتصادنا، وبناء القوى العاملة لدينا، وخلق فرص العمل، وزيادة قدراتنا التنافسية على الصعيد العالمي وإعادة إحياء مجتمعاتنا».
المهاجرون العرب
وخص التقرير بالذكر المهاجرين العرب (من شمال أفريقيا والشرق الأوسط) مثنياً على دورهم الخاص في تعزيز اقتصاد الولاية لاسيما من ناحية طاقتهم الاستهلاكية.
وخلال العام ٢٠١٤ حقق المهاجرون العرب مداخيل بحوالي 2.8 مليار دولار، ودفعوا ضرائب بقيمة 753.5 مليون دولار خلال العام نفسه.
وذكرت المحامية العربية الأميركية مريم بزي، عضو «لجنة الشؤون الشرق أوسطية» التي شكلها سنايدر العام الماضي، «ان الأرقام التي قدمتها الدراسة مثيرة للإعجاب».
وتابعت بزي، وهي إبنة عائلة لبنانية مهاجرة، أن توفر الحقائق والمعلومات أمر ضروري لمواجهة الجهل في التعاطي مع قضية المهاجرين، وأضافت «هذا بالتأكيد سيساعدنا في نقاشاتنا مع الآخرين. فعندما تظهر التقارير أن المهاجرين يشكلون 6.5 بالمئة من سكان الولاية ويدفعون 8 بالمئة من الضرائب، فذلك إنْ دل على شيء فإنما يدل على أننا ندفع أكثر من حصتنا».
وتابعت بزي القول بأن التغيير في النظرة الى مهاجرين «لن يحدث بين ليلة وضحاها، لكن طالما لدينا دراسات مثل هذه، فإنها ستكون بمثابة أدوات يمكن استخدامها لتغيير بعض الصور النمطية السلبية القائمة ظلماً».
وكان الحاكم ريك سنايدر قد تعرض لموجة انتقادات من نشطاء حقوقيين عرب وأميركيين، عندما دعا إلى تعليق الجهود المبذولة لإعادة توطين اللاجئين السوريين في ميشيغن، وذلك في أعقاب الهجمات الإرهابية في باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. غير أن بزي اعتبرت أن الهجوم على سنايدر بخصوص المهاجرين ليس منصفاً بحق الحاكم، مشيرة الى أن دعوته لإصلاح قوانين الهجرة تثبت «أنه كان حاكماً مرحّباً منذ البداية».
المهاجرون غير الشرعيين مفيدون أيضاً
وتفيد الدراسة أيضاً بأن ميشيغن هي موطن لـ126 ألف نسمة من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يلعبون دوراً صغيراً ولكن فعالاً في اقتصاد الولاية، حيث يعملون في مجموعة من القطاعات التي لا يمكن أن تزدهر من دون وجود عمال على استعداد لبذل مجهود بدني مضن للقيام بالمهمة.
ويورد التقرير أنه «في عام 2014، على سبيل المثال، نجد أن المهاجرين غير الشرعيين شكلوا ما نسبته 5.8 بالمئة من القوى العاملة في ولاية ميشيغن بقطاع خدمات الغذاء والراحة، حيث يشغلون وظائف متعددة مثل غسل الصحون وإعداد الطعام والطهي والقطاف، وقد تمكن بعضهم أيضاً من العمل لحسابهم الخاص وكانت نسبة هؤلاء في عام 2014، تقدر بحوالي 5.2 بالمئة من مجمل المهاجرين غير الشرعيين من البالغين، بحسب التقرير الذي يلفت الى أن المهاجرين الذين لا يحملون وثائق ثبوتية اندمجوا إلى حد كبير في اقتصاد الولاية، مما يجعل من الترحيل الجماعي أمراً مستبعداً. وأشارت الدراسة الى أن شرعنة وجود المهاجرين غير الشرعيين من شأنه أن يعزز قدرتهم على تحسين دخولهم ويمكنهم من الاستفادة من الفرص التعليمية والمهنية التي توفرها الولاية.
وكشف استطلاع لشركة «أبيك أم أر أي» نشرته مبادرة ديترويت الصحافية التعاونية، أن 73 بالمئة من المستطلَعين في جنوب شرقي ميشيغن يؤيدون منح المهاجرين غير الشرعيين فرصة الحصول على الجنسية. وأفاد الاستطلاع نفسه بأن 59 بالمئة يعتبرون أن المهاجرين يشكلون عنصر قوة في البلاد.
Leave a Reply