مريم شهاب
تحتاج الكتابة الأسبوعية إلى خبرة ومران واطِّلاع وقراءة وعين ثاقبة، لأن هذا اللون من الكتابة يتطلب الخوض في أمورٍ تهم الناس ويتوجه إلى قاعدة عريضة من القراء. ولكنها تصبح مملَّة وخطرة أحياناً إذا دارت في حلقة مفرغة لا تقدم للقارئ رؤية جديدة، خصوصاً في هذا الزمن المفتوح من جهاته الأربع على الأخبار والأحداث والمواضيع الباردة والساخنة. ولو يعرف القارئ العزيز، كم يأخذ هذا المقال الأسبوعي من وقت وقراءة وكتابة وتبديل وتعديل، لعذرني في بعض الهفوات، وأحياناً الخيبات عندما لا تروق له الكلمات.
سبب هذه المقدمة هو اعتراض بعض القرَّاء على مقال الأسبوع الماضي واعتباره تحريضا للعودة إلى عصرالحريم والدوران في فلك الرجل. أنا لست مع المرأة “الحرة” المتنكرة لأنوثتها وطبيعتها، والساعية وراء شهواتها ورغباتها وأنانيتها لتتفوق على الرجل. أنا مع المرأة المتعلمة “المتحررة” من الجهل والتخلف والشعوذة، وعقدة الأنوثة والذكورة. أنا مع الإنسان الإنساني وليس الحيواني، وأنا مع المرأة الأم الصابرة المجاهدة الحكيمة التي تدفع سعادتها وراحتها فداء لأبنائها. أنا مع الأم التي تحمل وترعى وتربي وتضحي دون أن تنتظرعلى ذلك كله رضى الزوج أو رعاية الأبناء، وتكتفي برضى الله.. وهو الأهم والأبقى.
تأسرني هذه النماذج الرفيعة لأكثر أمهات الزمن الجميل، زمن الجدات اللواتي كن يعطين ولا ينتظرن على عطائهن مقابلا أو ردا. حيث لم تكن حياتهن وردية وأيامهن لم تخل من مصاعب ومتاعب وآلام. ولكن كان لديهن الوقت الكافي للتدبير والتفكير وراحة الضمير. الوقت الذي تفتقده المرأة العصرية، المتعبة والمرهقة والفاقدة للأعصاب، حين يؤنبها ضميرها وتجد نفسها عاجزة عن تأدية وظيفتها في العمل أو دورها في البيت بشكل كامل، مستهلكة وقتها وصحتها بين تأكيد ذاتها بالدراسة والعمل وبين واجبها نحو بيتها وزوجها وأولادها.
وقد تصل في نهاية هذا العذاب إلى الشعور بالذنب والتعب والتعصب، وقد يدفعها إلى تصرفات طائشة سواء في العمل أو في البيت، لأنها تربت على أسطورة الأمومة الشاملة، أيام كان الرجل يقوم بالأعمال خارج البيت والمرأة تعمل داخله، والنتيجة ما نلمسه وما يقوله الخبراء أن المجتمع قد أقبل على حالات عديدة من التفكك الأسري وازدياد جنوح الأحداث وانتشار المخدرات وجرائم الإغتصاب وغيرها من مظاهر التطرف والانحراف التي من بين أسبابها افتقاد الأبناء لدفء البيت الذي لا توفره الحياة التكنولوجية الحديثة، والتي تجعل الرجل يسعى إلى زيادة دخله وزيادة ساعات عمله وتدفع المرأة للبحث عن ذاتها وزيادة دخلها، وهكذا ينشغل الإثنان في معركة كسب المزيد من المال وتلبية طلبات الأبناء المادية التي لا تنتهي كتعويض عن حرمانهم من أهلهم، وتكون النتيجة أن الأولاد هم الضحية وهم الخاسرون.
العالم يشهد الآن تطوراً حاسماً انتزعت فيه المرأة مزيداً من الحقوق وأعادت فيه اكتشاف ذاتها، فهل هي قادرة على تغيير الثوابت التي ظلت لألوف السنين تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة وبين المرأة ودورها في الأسرة وفي المجتمع، خصوصاً كأم؟ وهل تولي السيدات لزمام الرئاسة والإدارة سوف يعيد التوازن إلى هذا العالم المختل، المعتل والباطل والمجنون؟ مستحيل!
Leave a Reply