فاطمة الزين هاشم
كان الدفء العائلي متغلغلاً بين أفراد الأسرة وملموساً أيام كان الأب يعمل طيلة النهار خارج المنزل سواء أكان في الحقل أو في الوظيفة البسيطة التي بالكاد يؤمّن راتبها متطلبات العائلة، وكانت الأم تزرع حول منزلها أنواعاً من الخضار كي تساعد في تلبية الاحتياجات الضرورية للعائلة وتهتم -في الوقت ذاته- بتربية الأبناء إضافة إلى قيامها بالأعمال المنزلية.
تجتمع العائلة في المساء على صحن واحد، ممتلئ بالحب قبل الطعام، ممّا يُشعر بالألفة والرحمة والسعادة بين جميع أفراد الأسرة. يحتضن الأب أولاده ويقبّلهم ويشبعهم من عطفه وحنانه. يغمر زوجته بالحبّ والشوق في قلبه قبل عينه. يغلق بابه بوجه العالم ليفتح قلبه لعائلته، فالبيت هو موطن سكن الأسرة ومصدر استقرارها ومكان الراحة من تعب العمل وكدّ النهار.
لقد أقرّ الإسلام المبادئ والقواعد التي تتأسّس عليها الأسرة والتي تكفل لها حياة فاضلة قائمة على معاني المودّة والرحمة والسكينة والوئام والسلام. قال تعالى في كتابه الكريم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ،(سورة الروم 21).
إذا ما نقبنا اليوم فهل نجد مثل هذه الرحمة إزاء الأنانية الطاغية على قلوب البشر؟ حيث لا يفكر المرء سوى بنفسه، يفعل ما يطيب له مبيحا لنفسه أن يفعل كلّ شيء بما في ذلك الخيانة دون حساب لمشاعر وأحاسيس الطرف الآخر، بل يصل به الأمر -في أحيان كثيرة- إلى استعمال الضرب وكيل الشتائم، ناسياً كل ما قدّمه الطرف الآخر من تنازلات وتضحيات.
عندما يحمل أحد الزوجين مسؤولية البيت بأكملها، من تربية الأبناء وإسداء النصيحة والإرشاد في جميع الأمور الحياتية، في ما يتنصل الطرف الآخر منها لأسباب واهية، فإنّ ذلك يُحدث خللاً في توازن الأبناء وتربيتهم مع ازدياد الارهاق والتعب بالنسبة لمن ألقيت على عاتقه تلك المسؤولية، فيما يتمتع الشريك بحياته الجديدة التي هدّم أسرته بها.
وفي التعاليم الاسلامية نجد أهمّ العوامل التي توحّد بين حياة الزوجين، وتبقيها على حالة من الوئام والتواصل المثمر، وكما دعا الاسلام إلى تنظيم العلاقة بين الزوجين، دعا أيضاً إلى تنظيم العلاقة بين الآباء والأبناء، وذلك بفتح قنوات للحوار فيما بينهم، حيث يُشعر الوالدان أبناءهما بالقرب والمودّة والرحمة، ولنا في الرسول (ص) خير قدوة، حيث كان يلاطف زوجاته ويلاعب الصغار ويحنو على الكبار.
من هنا نجد أنّ الأسرة هي الحضن الدافئ والملجأ الأمين لكل فرد من أفرادها، وعندما لا يجد الأبناء من يشبعهم بالدفء والحب العائلي يتركون البيت ويبحثون عنه في مكان آخر، فيصبح البيت هنا أشبه بفندق لا غير يكون فيه النزلاء غرباء عن بعضهم البعض، ومن ثمّ يصبح التفكّك الأسري سمة لهذا العصر اللعين، والذي بات يعتبر من أكبر المشاكل التي تواجه ضعفاء النفوس والإيمان، حتى انتشر الطلاق بمستويات غير مسبوقة وبات يهدد الكثير من الأسر.
لقد كان الطلاق في الماضي نادراً، ولكنه أصبح اليوم أمرا عادياً ومتوقعاً وشبحاً مخيّماً على معظم الروابط الزوجية. لقد حرمت الديانة المسيحية الطلاق إلا في حالات نادرة للغاية، لأنه يؤثر على حياة الأسرة بجميع أفرادها. الأسرة هي عماد المجتمع ونواة الحياة الانسانية، فإذا أسّست على دعائم راسخة من الدين والأخلاق والترابط الحميمي فسوف تكون لبنة قوية في بنيان الأمّة، وخلية حية في جسم المجتمع.. وصلاحها هو السبيل لصلاح المجتمع وحمايته من الانهيار.
Leave a Reply