حسن خليفة – «صدى الوطن»
في حين أن تسهيلات وسائل النقل العام هي من البديهيات بالنسبة لسكان المناطق الحضرية الكبرى في الولايات المتحدة، إلا أنها في ولاية ميشيغن -تحديداً في منطقة مترو ديترويت- تكاد تكون معدومة رغم برودة الطقس شتاءً وبعد المسافات الذي يجعل من اقتناء السيارات أمراً لا مفرّ منه في الحياة اليومية للسكان المحليين.
غير أن الصورة على وشك أن تتبدل جذرياً في حال أقرّ الناخبون في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل خطة طموحة لإنشاء شبكة من المواصلات العامة السريعة والموثوقة لربط مقاطعات وين وماكومب وأوكلاند وواشطنو.
يتضمن المقترح الانتخابي تمويل المشروع عبر فرض ضرائب عقارية معقولة (١.٢ بالألف من القيمة الضريبية للعقار) على أصحاب الممتلكات في المقاطعات الأربع لمدة عشرين سنة. وكانت هيئة النقل الإقليمي (RTA) قد كشفت عن تفاصيل المشروع الإقليمي الضخم الذي تقدر قيمته الإجمالية بحوالي ٤.٧ مليار دولار، في مؤتمر صحفي عقدته في «جامعة لورنس التكنولوجية» مطلع الصيف الحالي.
نصيب وافر لمدينة ديربورن
لاستيعاب مجموعة متنوعة من الاحتياجات، اعتمدت الهيئة التي تتشكل من ممثلين عن المقاطعات الأربع ومدينة ديترويت، نهجاً متنوعاً لربط المناطق ببعضها البعض بواسطة خطوط للحافلات العملاقة السريعة التي ستشق طريقها وسط عدد من الشوارع الرئيسية في مترو ديترويت الى جانب وسائط النقل العام الأخرى وعلى رأسها خط القطارات السريع الذي سيربط مدينة آناربر بمنطقة «نيو سنتر» في ديترويت.
أما ديربورن -إضافة الى كونها المحطة الوحيدة على خط سكة الحديد بين المدينتين- فسيكون لها نصيب وافر من المشروع حيث سيمر فيها خطان رئيسيان للحافلات العامة، وهما ميشيغن أفنيو وغرينفيلد، مما يؤكد على حيوية موقع المدينة التي تشكل بوابة ديترويت الغربية.
وأفاد مدير التخطيط في الهيئة، بن ستوبكا، صحيفة «صدى الوطن» بأن طريق ميشيغن أفنيو سيتحول الى شريان أساسي للنقل العام الدقيق والمنتظم بالحافلات السريعة، بين «داونتاون» ديترويت وتقاطع شارع مريمن المؤدي الى مطار ديترويت الدولي، وسوف يتم إنشاء مسارات مخصصة للحافلات العملاقة على طول الشارع.
أما الخط الثاني الذي يمر في ديربورن فسيربط محطة القطارات (مركز جون دينغل للترانزيت) بمدينة تروي في مقاطعة أوكلاند عبر شارع غرينفيلد بواسطة خط للحافلات (إكسبرس). ووفق تخطيط المشروع لن تبعد محطات الانتظار أكثر من نصف ميل عن بعضها البعض، فيما ستمر الحافلات على تلك المحطات كل ربع ساعة، كما ستُزوّد الحافلات الجديدة بتكنولوجيا خاصة لقراءة الإشارات المرورية بغية التمكن من التوقف المفاجئ عند التقاطعات.
مشروع متكامل
ويشمل المشروع الإقليمي، الى جانب ميشيغن أفنيو وغرينفيلد، العديد من الخطوط الرئيسية التي ستربط ديترويت بالضواحي، مثل فان دايك وفورت وغراند ريفر وبليموث وجفيرسون-هاربر والميل الثامن… كما سيتم ربط العديد من المناطق شبه المعزولة في المنطقة بالشبكة الإقليمية بواسطة خطوط فرعية. أما خطوط الحافلات السريعة، فتقتصر على ميشيغن أفنيو (وسط ديترويت-المطار)، وودورد (وسط ديترويت-بونتياك) وغراشت (وسط ديترويت-ماونت كلمنز)، إضافة الى خط سريع يربط آناربر بمدينة إبسلاني (كلتاهما في مقاطعة واشطنو) والجدير بالذكر أن بونتياك هي مركز مقاطعة أوكلاند، أما ماونت كلمنز فهي مركز مقاطعة ماكومب.
المشروع يتضمن أيضاً دمج خدمة حافلات «سمارت» وبلدية ديترويت (دي دوت) والقطار الكهربائي (كيو لاين) قيد الانشاء على شارع وودورد بالشبكة الإقليمية، التي ستعمل أيضاً على ربط جميع المقاطعات بمطار ديترويت الدولي عبر خطوط الحافلات (إكسبرس). وأشار ستوبكا الى أن خط غرينفيلد سيتم إنجازه خلال العام 2018، الذي سيشهد أيضاً إطلاق العمل على خط ميشيغن أفنيو، على أن يُنجز المشروع الإقليمي برمته بحلول العام 2026.
وتلحظ خطة النقل الإقليمي -بحسب ستوبكا- التطور التكنولوجي، مثل توفير إمكانية الحجز المسبق للركاب، ومراقبة سير ومواقيت الرحلات أولاً بأول عبر تطبيقات خاصة، الى جانب التنسيق مع شركات الأجرة الإلكترونية مثل «أوبر» و«ليفت»، كما يحرص المشروع على توفير جميع التسهيلات اللازمة لخدمة المعوّقين الذين يستخدمون الكراسي المتحركة.
فوائد كبيرة
وإذا كان هناك من يتخوف من أعباء الضرائب الإضافية وبعض الآثار السلبية المتوقعة على سوق السيارات المستعملة، فإن المشروع يحمل في طياته فوائد اقتصادية واجتماعية متنوعة قد تعيد تشكيل وجه المنطقة لأجيال قادمة.
وقال ستوبكا إن الفكرة التي تمحور حولها المشروع هي توفير نظام موثوق للنقل العام قادر على منافسة الاعتماد على التنقل بواسطة السيارات الخاصة، مشيراً الى أن المخططين استهدفوا «خلق فرصة» للسكان يكون فيها وقت تنقلهم بواسطة المواصلات العامة معادلاً للوقت الذي تستهلكه قيادة السيارة.
وأردف أن المشروع سيجذب استثمارات توفر 67 ألف وظيفة جديدة بحسب دراسة مشتركة مع وزارة المواصلات في ميشيغن، لافتاً الى أن الأجيال الجديدة تفضل العيش في مناطق تتمتع بأنظمة كفوءة للنقل العام.
وأشار ستوبكا إلى أن المشروع قد يدفع الكثيرين الى الاستغناء عن سياراتهم كلياً أو جزئياً، وأورد مثالاً على ذلك، أولئك الذين يعيشون في ضواحي ديترويت، حيث سيصبح بإمكان الأسر والأصدقاء السفر بسهولة لحضور المباريات الرياضية التي تقام في وسط ديترويت دون اضطرارهم الى استخدام سياراتهم الخاصة ودفع ٢٥ دولاراً ثمن موقف لسيارة واحدة، مؤكداً أن الخطة ستمنح هؤلاء فرصة حضور المباريات والعودة الى منازلهم مقابل تعريفة بسيطة دون أية تعقيدات.
أما بخصوص ضرائب الملكية المقترحة والتي يقدر متوسطها بحوالي 95 دولاراً سنوياً، فإنها تبدو زهيدة أمام المنافع التي يوفرها المشروع، بحسب مؤيديه. فهذا المبلغ يمكن أن يتم تعويضه بأضعاف، حال تخفيف السكان من اعتمادهم على السيارات الخاصة وتخلّصهم من كابوس ارتفاع أسعار التأمين وتردي أحوال الطرقات، كما أن وجود نظام نقل عام متطور في أي منطقة يؤدي دوراً رئيسياً في تعزيز الحركة التجارية والنمو السكاني مما يساهم في تعافي السوق العقاري والنهوض الاقتصادي في المنطقة التي تتطلع بشوق الى مستقبل مشرق.
Leave a Reply