نبيل هيثم – «صدى الوطن»
صواريخ للحوثيين من شمال اليمن على نجران… خبر بات اعتيادياً في وسائل الإعلام العربية، ولكنه يعكس بالفعل ما حققته عمليتا «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» السعوديتين، بعد عام وبضعة أشهر على إطلاقهما!
مظاهرات مليونية في ميدان السبعين بصنعاء الأسبوع الماضي تأييداً للمجلس السياسي الأعلى. |
غابت عبارات من قبيل «عودة الشرعية» و«هزيمة الانقلابيين» عن التصريحات اليومية للمسؤولين السعوديين، وصار الهدف الفعلي للعدوان على الشعب اليمني «اتقاء شر» صواريخ الحوثيين من جهة، والرد على سيل الانتقادات الدولية بشأن استهداف المدنيين من قبل الطيران السعودي، والخروج بأقل الأثمان من المستنقع اليمني.
مقاطع الفيديو القصيرة المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، باتت تُوثّق ما يجري من عمليات القصف والتوغّل التي يقوم بها الحوثيون في الأراضي السعودية، وقد دفعت الإعلام السعودي، الموصوف بخضوعه لرقابة صارمة، إلى الاعتراف، في أكثر من محطة، بما آلت إليه الأوضاع سواء في الداخل اليمني، أو في المناطق الحدودية السعودية، بما يعكس فشلاً ذريعاً لنظام آل سعود، بعد 18 شهراً على بدء العدوان.
ومن جانب آخر، تبدو السعودية في وضع لا يُحسد عليه دولياً، بسبب همجية عدوانها، الذي بات ينظر إليه باعتباره أقرب الى جريمة حرب ممنهجة ضد المدنيين، وهو ما دفع الجيش الأميركي إلى سحب مستشارين عسكريين، كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، وتقليص عدد المُستشارين الذين يُقدّمون المشورة في أماكن أخرى بشكل «حاد».
وبالرغم من أن وزارة الدفاع الأميركية لم تربط، علناً، بين قرار سحب المستشارين وبين الجرائم التي ترتكبها الطائرات السعودية بحق المدنيين العزّل في اليمن، إلا أن الولايات المتحدة تبدو راغبة في غسل أيديها من هذه الممارسات الهمجية، أقلّه لتجنب الانتقادات المحلية والدولية. وليست مصادفة أن يأتي القرار الأميركي في خضم حملة إعلامية في الولايات المتحدة بشأن الجرائم السعودية.
والأمر ذاته ينسحب على دول أخرى، مثل بريطانياً، التي باتت عرضة لانتقادات، حتى من جانب منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، بشأن دعمها لإرهاب الدولة السعودية بحق المدنيين اليمنيين، وكذلك من قبل منظمات حكومية داخل بريطانيا نفسها، مثل منظمة «اوكسفام»، التي اعتبرت، في آخر بياناتها، أن مصداقية بريطانيا «في خطر» بسبب مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية، متهمة الحكومة البريطانية بالتحول «من كونها مؤيداً متحمساً للمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة، إلى واحدة من أبرز المنتهكين لها».
وعلى جانب آخر، لا شك أن نظام آل سعود يواجه اليوم أكبر معضلة إقليمية، تفسّر بشكل كبير، قراره باستئناف الضربات الجوية في اليمن، في مغامرة، قد تكون الأخيرة، من جانب الثلاثي سلمان والمحمدين.
ولا يخفى أن عودة التصعيد في اليمن من قبل السعوديين قد جاء على خلفية تطور، غير ذاك المعلن، والمتعلق بفشل محادثات الحل السياسي، وإعلان الرئيس السابق علي عبد الله صالح موت «المبادرة الخليجية» للتسوية في اليمن. التطوّر غير المعلن يتمثل في إخفاق المشروع السعودي في سوريا، بعدما فقد نظام آل سعود دوره كلاعب إقليمي في الصراع السوري، أو على الأقل تحوّله إلى دور هامشي، بالنظر إلى حضور مباشر للاعبين آخرين، وهم الولايات المتحدة وروسيا بالدرجة الأولى، وإيران وتركيا بالدرجة الثانية.
ولا يخفى على أحد أيضاً أن القيادة السعودية كانت تريد حسم الوضع عسكرياً في سوريا بدعمها للمعارضة السورية المسلحة في حلب على وجه الخصوص، حتى تتفرغ لليمن، ولكن هذه الاستراتيجية لم تنجح، وأدركت الرياض أن ثمة حاجة إلى ضمان أمنها الداخلي في ظل تساقط الصواريخ الحوثية بشكل يومي داخل اراضي المملكة التي تسعى أيضا إلى تأمين جوارها الاقليمي الجنوبي.
ولكن، يبدو أن الخطوة التكتيكية السعودية لترتيب الملفات الإقليمية، بعد انتكاسة المشروع السعودي في سوريا، قد أتت متأخرة، ذلك أن الأسابيع الأخيرة أظهرت أن ثمة تموضعات جديدة، إقليمياً ودولياً، تتجاوز التموضعات القائمة حالياً في سوريا، لتطال مناطق أخرى في الشرق الأوسط، من بينها اليمن.
ولا شك أن كلمة السر في هذا الإطار قد جاءت على لسان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي قال، في حديث إلى قناة روسية، بأن اليمن سيقبل بإستقبال قاعدة عسكرية روسية على أراضيه، في حال رغبت موسكو في ذلك.
هذا التصريح، الذي تفاوتت ردود الأفعال بشأنه، بين مستخف ومشكك وقلق، لم يأت من فراغ، فثمة اعتقاد راسخ لدى الكثيرين من الخبراء الدوليين، لاسيما في الغرب، بأن الصراع اليمني قد انتقل، على غرار الصراع السوري، من صراع داخلي ذي بعد إقليمي، إلى حرب إقليمية بالوكالة، يرجح أن تشهد تطوّراً، على المدى المنظور، بالتحول إلى صراع دولي.
ومما لا شك فيه بأن التحركات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، عموماً، تشي بأن الصراعين اليمني والسوري يتجهان أكثر نحو التدويل.
أبرز تلك التحرّكات، التقارب غير المسبوق بين إيران وروسيا، الذي تُرجم عملياً بفتح قاعدة همدان الايرانية للطيران الروسي، في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية على المستوى السياسي تفوق بكثير، الأبعاد التكتيكية المعلنة على المستوى العسكري، والزيارة المفاجئة التي بدأها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى دول الخليج، لمناقشة مسألتين أساسيتين، هما سوريا واليمن.
وبانتظار ما ستؤول اليه محادثات كيري مع المسؤولين الخليجيين، فإن ثمة رغبة واضحة من قبل الولايات المتحدة للإنسحاب تكتيكياً من حرب اليمن، كما تبدّى من قرار وزارة الدفاع الأميركية بسحب المستشارين.
هذا الأمر تقابله رغبة روسية في الدخول التكتيكي في أزمة اليمن، بحسب ما يمكن قراءته بين أسطر تصريحات الخبراء الاستراتيجيين الروس.
هذا الأمر ستكون له نتائج كارثية على المشروع السعودي في اليمن، ومن شأنه أن يحوّل أي انتصار ميداني، في حال تحقق مع استئناف الغارات، إلى كابوس سياسي وأمني.
ويبدو واضحاً أن تدويل الأزمة اليمنية – وبالرغم من أنه كان مطلباً سعودياً في الأساس – قد بات كابوساً يقض مضاجع آل سعود، وهو ما دفع، على سبيل المثال، عادل الجبير إلى محاولة كسب ود روسيا، حين أكد أن بلاده مستعدة لاعطائها حصة أكبر في منطقة الشرق الأوسط من تلك التي كانت لدى الاتحاد السوفياتي.
وعلاوة على كل ما تقدّم، فإن الحوثيين، ومعهم أنصار الرئيس علي عبد الله صالح، قد أثبتوا أنهم ما زالوا، بعد 18 شهراً من بدء العدوان السعودي، الرقم الصعب في المعادلة اليمنية، ما يجعل الشعار الرئيسي الذي دخلت على أساسه السعودية الحرب، وهو «حماية شرعية» الرئيس عبد ربه منصور هادي موضع شكوك، ويجعل موقفها أقرب إلى الموقف القطري من الرئيس المصري المعزول محمّد مرسي ورهان الدوحة عليه، حتى بعد تراجع شعبية «الاخوان».
هذا الأمر أظهرته التظاهرات المليونية التي شهدها ميدان السبعين في صنعاء يوم العشرين من آب (أغسطس) الحالي، والتي يمكن قراءة نتائجها، محلياً واقليمياً على أكثر من مستوى.
هذه التظاهرات، التي شبهها كثيرون بتظاهرات «ثورة 30 يونيو» في مصر، أظهرت أن عبدالملك الحوثي وعلي عبد الله صالح يمتلكان شعبية يمنية لا يستهان بها، وأن حكومة عبد ربه منصور هادي تواجه معارضة ومنافسة شرسة وعنيدة في الداخل.
هذه التطوّرات المتسارعة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، تظهر أن ثمة تغيرا دراماتيكياً ينتظر الصراع اليمني.
وبنظرة واسعة، فإن ثمة من يعتقد، وفقاً لمسار الأحداث في اليمن وسوريا، أن الولايات المتحدة وروسيا قد اتفقتا على إدارة ملفات الشرق الأوسط، على أسس منسّقة، تتمثل في تولي روسيا مركز القيادة والسيطرة في سوريا واليمن، في مقابل تحرّك الأميركيين غرباً باتجاه شمال افريقيا، ولا سيما ليبيا، التي كانت على موعد مع أولى الضربات الجوية الأميركية قبل أسابيع قليلة؛ واستبعاد العنصر الاقليمي، أو على الأقل تحويله إلى دور هامشي، في كل من سوريا واليمن؛ وتنسيق التحركات العسكرية لضرب المنظمات الإرهابية المتشددة في البلدين؛ وحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام العالمي عبر ضمان تجنب المدنيين وتمرير المساعدات الإنسانية.
هكذا، يبدو أن حرب اليمن، قد دخلت منعطفاً داخلياً يمنياً، ودولياً جديداً سيطيل أمد الحرب، من ناحية، ويعقد الخيارات والنتائج، من ناحية أخرى، وسيفرض حلولا تتناقص فيها الأهداف السعودية المعلنة، ويخفض من سقف المطالب، كما سيفرض مقايضات في مناطق أبعد من اليمن.
ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت السعودية ستتعامل ببراغماتية أم بتعنّت مع تلك، التحوّلات، أم أن النزق الأرعن لمحمد بن سلمان ومحمد بن نايف سيفرض إيقاعه على التوجهات السعودية المستقبلية تجاه سوريا واليمن!
Leave a Reply