زهراء فرحات – «صدى الوطن»
كانت ليلة الحنّاء حتى وقت قريب واحدة من أهم الطقوس الاحتفالية في الأعراس العربية التقليدية، حيث كان يتم فيها تخضيب أيدي العروس وصديقاتها على وقع الأهازيج الشعبية التي تختلف من بيئة إلى أخرى. وهذه العادة، عادة تزيّن المرأة بنقوش الحناء، التي بدا لبعض الوقت أنها اندثرت وأصبحت من الماضي، عادت لتزدهر في الآونة الأخيرة مع انتشار الوشوم (التاتو) في العديد من المجتمعات، العربية والغربية، حيث باتت تستقطب أعدادا متزايدة من الفتيات الراغبات بالتجمل، لاسيما وأن نقوش الحناء ورسوماتها تتميز بكونها مؤقتة وتزول مع الوقت، مما يتيح للنساء الراغبات بتجميل أذرعهن وأقدامهن تجريب أشكال وتكوينات متنوعة، تختلف حسب الفصول والمناسبات والأمزجة.
في مجتمع جاليتنا العربية الأميركية، أخذت صالونات التجميل تنتشر بشكل ملحوظ، وباتت تجتذب المزيد من النساء المهتمات بالموضات التجميلية التي تعنى بتقديم خدمة الوشم بالحناء، الأمر الذي دفع بالعديد من الفتيات إلى الاهتمام المتزايد بهذه الموضة الدارجة، وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتابعها أعداد كبيرة من النساء.
سهى سليمان، وهي واحدة من الفتيات في مدينة ديربورن ممن يقدمن خدمة النقش بالحناء وأعمال التجميل الأخرى، وقد أنشأت صفحة على موقع «انستغرام» يتزايد أعداد متابعيها يوماً بعد يوم.
درست سهى، اليمنية الأصل، الفن في جامعة وين ستايت وتخرجت منها في العام 2014 حاملة شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، وهي واحدة من الفتيات العربيات القليلات اللواتي يقبلن على دراسة الفن في مجتمع الجالية العربية الأميركية التي تحرص العائلات فيها على أن يدرس أبناؤها الطب والهندسة والمحاماة في الدرجة الأولى، كي يضمنوا مستقبلا أفضل لهم ولعائلاتهم.
وتعتبر سهى التي تولي نقوش الحناء أهمية جمالية كبيرة، أن ذراع الفتاة الخالي من نقوش الحناء يشبه قماش اللوحة الأبيض الخالي من الألوان والأشكال.
في البداية، كانت سهى ترغب بدراسة الكيمياء تحضيرا للتخصص الذي كانت تطمح له، وهو أن تصبح بعد التخرج طبيبة مساعدة، لاسيما وأنها مهتمة بشدة في المجال الطبي، ولكنها حين اكتشفت أن الفرع الذي ترغب بدراسته لا يتطلب شهادة تحضيرية علمية، قررت أن تدرس الفن إلى [kf الدروس الأخرى المطلوبة لتأهليها للتسجيل في الفرع الذي يؤهلها للتخرج كطبيبة مساعدة.
وفي هذا السياق، تقول سهى: إن طموحي النهائي هو أن أصبح طبيبة مساعدة، ولذلك وافق والدي على أن أغيّر دراستي الجامعية التحضيرية نحو دراسة الفن.
والدا سهى هما مهندسان معماريان وكلاهما يستمتمع بالرسم وقد قاما برعاية موهبة ابنتهما في سنوات طفولتها المبكرة. تعلق سهى على هواياتها في مرحلة الطفولة، قائلة: لقد كنت على الدوام طفلة مختلفة فمنذ صغري حيث كنت استمتع بالرسم والتلوين أكثر من اهتمامي بالأشياء الأخرى، وكان والدي يجلس قريبا مني ويأخذ دفتري ويرسم وجوها صغيرة ولقد أردت دائما أن أقوم بتقليده.. أعتقد أن ذلك هو الشيء الذي أطلق الشرارة الأولى لحبي واهتمامي بالفن.
ومع مرور الوقت، كانت موهبة سهى وحبها للفن يكبران حتى أصبح الفن جزءا من حياتها، فقد باتت ترى فيه حبها للحناء، وقد دفعها هذا الشغف إلى تطوير اهتمامها بعالم التجميل. وتقول: الآن مرت ثلاث سنوات وأنا أمارس النقش بالحناء.. في البداية لم آخذ الآمر على محمل الجد، ولكنني في الشهور الثلاثة الأخيرة اكتشفت أنه يمكنني أن أقوم بذلك للناس الآخرين الراغبين بنقوش الحناء.
أطلقت سهى صفحة خاصة بها على موقع «انستغرام» بإسم Makeupbysu وقد اجتذبت الصفحة أكثر من ألف متصفح. وخلال هذه الفترة اكتشفت سهى طريقا نحو مهنة أخرى لم تكن تخطر ببالها، وهي العلاج بالفن، الذي غدا الآن واحدا من طموحاتها الأساسية. وتضيف: شخصيا أريد أن أحصل على شهادة البكالوريوس من أجلي لأنني دائما كنت أطمح أن أصبح طبيبة مساعدة، ولكنني أتطلع إلى أن متابعة دراستي للتخصص في مجال «المعالجة بالفن»، الذي هو أحد أشكال المعالجات التي تستخدم الفن كشكل من أشكال التواصل بدلا من العلاج عبر المناقشات وتبادل الأحاديث والآراء ووجهات النظر. وهي في هذا الإطار تتطلع إلى دراسة الماجستير في مجال «العلاج بالفن». وتؤكد: هدفي أن أصبح فعلا معروفة في هذا المجال ليس فقط في ديربورن وإنما في ميشيغن بأكملها.
وتنصح سهى الموهوبين بالنضال لكي يحصلوا على ما يريدونه في الحياة، وعندها سوف يكونون سعداء بغض النظر عن النتائج التي سوف يحققونها.
يتعلق ذلك الأمر بالوالدين إذ قد يتمخض عن الأمر معركة شرسة، بحسب سهى التي ختمت حديثها لـ«صدى الوطن» بالقول:.بالنسبة لي.. لقد انتصر شغفي على رغبة والدي في اتخاذ القرار حول مستقبلي، وبالتالي فهذا الأمر يعود إلى مدى رغبة الشخص وقدرته على إدارة المعركة كي يحقق ما يريده!
Leave a Reply