سامر حجازي – «صدى الوطن»
تترافق «موضة» ركوب الدراجات النارية في أوساط الشباب والمراهقين العرب بديربورن مع قلق الأهالي والسكان في المدينة التي شهدت خلال الصيف الحالي عدة حوادث خطيرة، كان بينها حادثان مميتان. فقد فقدت الجالية العربية الشاب محمد هزيمة (19 عاماً) الذي قضى بحادث اصطدام مميت، على شارع وورن، يوم الأحد الماضي، حيث أفادت شرطة ديربورن أن الضحية كان على الأرجح يقود دراجته برعونة، قبل لحظات من الحادث، معتبرة ما حدث «أمراً بات مألوفاً في المدينة التي شهدت أربعة حوادث للدراجات النارية في الأشهر الأربعة الأخيرة».
في الأثناء، يبدي السكان استياء متزايداً من أصحاب الدراجات النارية الذين يقودون آلياتهم بطريقة مزعجة في الأحياء الداخلية للمدينة عدا عن القيادة بسرعة وتهور على الشوارع الرئيسية، لاسيما وأن الكثير من مستخدمي الدراجات لا يعيرون اهتماما كافيا لإجراءات السلامة التي تفرضها قيادة هذا النوع من الآليات التي تتطلب -بادئ ذي بدء- لبس خوذة وقفازات على أقل تقدير، إضافة إلى الالتزام بقوانين السير وحدود السرعات القصوى، وهو ما يعتبر تحديا كبيرا بالنسبة للسائقين الذين يتجاوزون هذه المعايير لتحقيق أكبر قدر من متعة القيادة و«الاستعراض».
وقد أشارت إحدى النساء العربيات، وتدعى جينا، إلى وجود شابين من أصحاب الدراجات يعيشان في حيّها، ويتسبّبان بإزعاج الجيران عبر التسابق بسرعات جنونية في الجوار. وقالت في حديث مع صحيفة «صدى الوطن»: حتى في الساعة الثانية صباحاً، تسمع ضجيج الدراجتين العالي وهما تتسابقان في الشارع.. نحن نعيش في منطقة تمر فيها سكة قطار لا يتسبب عند مروره بهذا الإزعاج بالقدر الذي يسببه لنا هذان الشخصان». وأضافت أنهما يقودان دراجتيهما بسرعة تزيد عن 60 ميلا في الساعة في الشوارع السكنية حيث تبلغ السرعة القانونية 25 ميلاً بالساعة.
ممنوع
من ناحيتها، قالت سارة إن ابنها كان لديه ولع كبير بالدراجات النارية منذ يفاعته، خاصة وأن بعض أصدقائه يملكون مثل هذه الآليات، مؤكدة أنها رفضت الامتثال لطلبات ابنها المتكررة بشراء دراجة جديدة في عيد ميلاده الثامن عشر، وعللت السبب في ذلك، إلى قلقها من مخاطر القيادة المتهورة التي تستفز سائق الدراجة للاستعراض. وأضافت: مستحيل أن أدعه يقتني دراجة نارية طالما أنه يعيش في بيتي.. عندما يصبح ابنك شاباً فهذا لا يعني أنك لم تعد ولي أمره، ومن المستحيل أن أسمح له بأن يعود يوماً ما إلى البيت على دراجة ويركنها أمام المنزل، وإذا أصر على اقتناء واحدة فعليه أن يغادر إلى مكان آخر».
وأكدت أن ابنها لا يركب الدراجات من وراء ظهرها لأنها تواظب على تذكيره بذلك، مشيرة إلى موضة ركوب الدراجات النارية التي تستهوي الشباب في مجتمع جاليتنا على الرغم من رفض الأهل الذين يعارضون ركوب أبنائهم لتلك الآليات أو شرائها.
وقالت: إن العديد من هؤلاء المراهقين يقومون بشراء الدراجات ويخبئونها في كاراج منزل أحدهم، من دون أن يكون لدى أهاليهم أدنى فكرة عن الموضوع. وأكدت: إذا كان لابنك أصدقاء من راكبي الدراجات.. فعلى الأرجح هو واحد منهم.
من الوقوع في الحب.. الى الاعتزال
وللتعرف على أسباب تعلق الشباب والمراهقين بركوب الدراجات النارية، التقت «صدى الوطن» بأحد المولعين بهذه الآليات. نادر فرج من هواة ركوب الدراجات النارية وقد اقتنى العديد منها، بدءا من الدراجات الرياضية إلى الدراجات الكلاسيكية، مثل دراجات «بي أم دبليو» و«هارلي ديفيدسون». ولكن فرج قرر بعد عشرين عاماً من وقوعه في هوى هذه الآليات التوقف عن ركوبها، عازيا الأسباب إلى كونه قد أصبحت لديه عائلة ولا يريد بعد الآن أن يعرض حياته للخطر، من أجل متعة عابرة. وقال: «لدي الآن زوجة وطفلان وعلي الاعتناء بهم.. لقد عشت حياتي.. كانت أوقاتا ممتعة»!
يتذكر فرج كيف وقع في حب الدراجات النارية حين كان في الـ17 من عمره، بعد ركوبه خلف أحد أصدقائه، ومن ذلك الوقت بدأ حبه لهذه الآليات يكبر، وأصبح لاحقاً، واحداً من «شلّة» من محبي الدراجات الذين اعتادوا التجول بدراجاتهم في مختلف أنحاء منطقة مترو ديترويت. وأضاف: «لقد وقعت في حبها.. عندما تضرب الريح وجهك تشعر وكأنك تطير.. إنه شعور رائع يحررك من التوتر والضغوط».
لكن هذه المتعة ليست بلا أكلاف، إذ قد تنقلب في أية لحظة إلى مأساة مرعبة، فبعدما اشترى فرج دراجته الأولى بفترة تعرض لحادث اصطدام، وأشار إلى أنه كسائق دراجة في مطلع شبابه كان يضع نفسه في مواجهة الخطر يوميا. وأكد: لم أتعامل مع المسألة كما ينبغي، لقد أسأت التعامل معها إلى أقصى حد وهذه هي المشكلة.. المراهقون يشترون تلك الدراجات من دون أن يدركوا أنها مثل بنادق محشوة بالرصاص وإذا لم يتعاملوا معها بالطريقة الصحيحة فسوف تقتلهم.
أفضت الخبرة المتراكمة لدى فرج بأن انتهى به الحال كسائق ملتزم ومسؤول.. وهذا شيء يأتي مع الخبرة -وفقا له- ولكن في النهاية لا شيء يضمن سلامة راكب الدراجة النارية على خلاف سائقي السيارات في حال حدوث الاصطدامات، فقد يتعرض سائقو السيارات والدراجات إلى حوادث تحطم، ولكن النتيجة بالنسبة لسائقي الدراجات غالبا ما تكون أسوأ بكثير.
وقال: لقد شاهدت بعض أصدقائي وهم يخرجون عن الطريق، أحدهم فقد ذراعه وعينه بعد اصطدامه بسيارة. لقد حدث ذلك قبل 20 عاماً ومايزال صديقي يعاني حتى هذه اللحظة من جراء ذلك الحادث.. لقد رأيت الكثير من الناس الذين تأذوا من جراء مثل تلك الحوادث وسمعت قصصا كثيرة عن آخرين قضوا في حوادث مميتة.
وأشار فرج إلى أنه غالباً ما يرى بعض الشباب وهم يقودون دراجاتهم بدون ألبسة الحماية، ونصح السائقين بأن يلبسوا الخوذة والقفازات والسترة الجلدية. وقال: إنه لشيء يقتلني حين يرى أشخاصا يقودون دراجاتهم وهم يرتدون قمصاناً خفيفة وبلا خوذ، فحادث واحد سوف يقلب حياتهم رأسا على عقب.. إنه لشيء يدمي القلب، خاصة حين ترى سائقاً يردف خلفه صديقته دون أن ترتدي بدورها ألبسة الحماية.. إنه لشيء محزن أن ترى ما يجري الآن.. وإنني آمل أن يتعلم الناس من المآسي وأن يدركوا أن ركوب الدراجات خطر حقيقي.
وأكد أنه لن يسمح لابنه أن يشتري دراجة نارية فيما لو قرر أن يقتني واحدة بعد بلوغه الـ١٨ من عمره، وقال: سوف أحارب رغبته تلك حتى الموت ولن أسمح له بركوبها، أنا ضد قيادة المراهقين بشكل نهائي، لأنني لو وافقت على طلبه فسوف يكون هناك احتمال لمقتله، سوف أفعل كل ما بوسعي كي أمنع حدوث ذلك، وسوف أفضل العراك معه على أن أعطيه الضوء الأخضر لشراء دراجة.
من ناحيته، أكد سام بيضون -وهو راكب دراجات من خمس سنوات- على أنه لا يستخدم الطرقات السريعة، وقال: إن الأوتوسترادات والطرقات المحددة بسرعة 45 ميلا في الساعة خطيرة للغاية، وعليك أن تكون حذرا للغاية عند استخدامها.
ليس لدى بيضون أولاد، ولكن حين طرحنا عليه سؤالاً افتراضياً فيما إذا كان ليسمح لأودلاه بركوب الدراجات لو أرادوا، أجاب بشكل قاطع أنه لن يسمح لهم بذلك. وقال: مفتاح حل هذه المعضلة، هو ألا يسمح الآباء لأودلاهم بركوب الدراجات، ولو لمرة واحدة، لأنهم لو جربوا ركوبها فسوف يقعون في غرامها.
حوادث الدراجات إلى ازدياد
لقد شهدت ولاية ميشيغن في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث الدراجات النارية المميتة، خاصة بعد تعديل قانون السير الخاص بالدراجات في العام 2012، إذ سمح بعدم ارتداء الخوذة بالنسبة لمن تزيد أعمارهم عن 21 عاما بشرط حيازتهم على تأمين صحي خاص «إنشورنس» يؤمن تغطية طبية ابتدائية بقيمة 20 ألف دولار.
وفي بداية هذه السنة، اقترحت منظمة «جمعية سلامة الطرقات السريعة» على المشرعين زيادة قيمة الـتأمين المطلوب بمقدار 23 بالمئة بسبب ارتفاع الحوادث القاتلة التي بلغت 138 حادثاً قاتلاً في ولاية ميشيغن في العام 2015 مقارنة بـ112 حادثا في العام 2014، وطالبت (المنظمة ومقرها واشنطن العاصمة) المشرعين بإعادة النظر في قانون «السماح بعدم ارتداء الخوذة».
وأشار مسؤولو المنظمة إلى أن قانون الولاية بالسماح بعدم ارتداء الخوذة في العام 2012 كان عاملا في زيادة الحوادث المميتة مقارنة بالسائقين الذين يحافظون على ارتدائها مما يساهم في إنقاذ أرواحهم خلال تعرضهم لبعض حوادث التصادم.
ولفتت المنظمة إلى أن ميشيغن هي واحدة من بين 31 ولاية ارتفعت فيها نسبة حوادث الدراجات النارية المميتة في العام 2015.
Leave a Reply