فاطمة الزين هاشم
الحياة كلوحة تنتظر الألوان من صاحبها لتغدو أكثر جمالاً أو أن تكون قاتمة، منّا من يجعلها سوداء ومنّا من يحافظ على نقائها وصفائها، فرغم وجود الشر هناك الخير، ورغم وجود الفشل هناك النجاح، ورغم قسوة الواقع هناك زهرة أمل، فإذا كان الأمس قد توارى فبين أيديكم اليوم، وإذا كان اليوم هو الآخر سيجمع أوراقه ويرحل فلديكم الغد، ولا تحزنوا على الأمس فهو لن يعود، كذلك لا تأسفوا إذا انقضى اليوم فهو راحل، واحلموا بشمس مضيئة في غد جميل.
أحياناً يغرقنا الحزن حتى نعتاد عليه، وننسى أنّ في الحياة أشياء كثيرة من الممكن أن تسعدنا، وأنّ حولنا وجوهاً كثيرة يمكن أن تضيء في ظلام أيامنا شمعة، فابحثوا عن قلب يمنحكم الضوء ولا تتركوا أنفسكم رهينة للحزن، ابحثوا عن أمل جديد يمنحكم الضوء ولا تدعوا الحياة تمرّ مرور الكرام، فكل دقيقة في الحياة لها ثمن لا يعرفه سوى من دفعه مجبراً، وعليه لا تتقوقعوا وتغلقوا على أنفسكم الأبواب، انظروا إلى الحياة من خلال نافذة ملوّنة، وستجدون أنّ هذا الكون واسع ومبهر وجميل، ستجدون أنّ الحياة رائعة بجميع ألوانها.
كل يوم هو جانب من لوحة حياتنا، نختار نحن ألوانها ولا ندع الظروف والأشخاص يؤثرون عليها فيفسدون ألوانها، لا تنتظروا حبيباً باعكم، بل انتظروا ضوءاً جديداً يمكن أن يتسلل إلى قلوبكم الحزينة فيعيد لأيامكم البهجة، ولا تراوحوا في البحث عن حلم خذلكم، بل حاولوا أن تجعلوا من حالة الانكسار بداية حلم جديد، فالحياة هي فنّ، ومن أجل إتقانه لا يحتاج البشر إلى المهارة المكتسبة وحدها، بل يحتاج إلى اللياقة والذوق الفطريّين أيضاً.
الحياة شعلة إمّا نحترق بنارها وإمّا أن نطفئها ونعيش في الظلام، فإذا كنتم تحبّون الحياة فلا تضيّعوا الوقت سدىً، لأنّ الوقت هو المادّة المصنوعة منها الحياة، فلا تحزنوا إذا جاءكم سهم قاتل من أقرب الناس إلى قلبكم، لأنكم ستجدون من ينتزع السهم ويعيد لكم الحياة المقرونة بالابتسامة، فلا تراوحوا في البحث عن حلم خذلكم، بل واصلوا المسير ولكن في طريق الأمل.
والأمل هو تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقاً واسعة في الحياة، تذكّروا أصدقائي أنّ الأمل شيء جيّد والأشياء الجيّدة لا تموت، وإذ تعثّرت أقدامكم خلال الطريق وسقطت في حفرة واسعة فلا تيأسوا، لأنكم ستخرجون منها وأنتم أكثر تماسكاً وقوّة لأنّ الله مع الصابرين والغروب لا يحول دون شروق جديد، وإنّ أجمل وأروع هندسة في العالم هي أن نبني جسراً من الأمل على نهر من اليأس.
إذا فقدتم المال فقد ضاع منكم شيء له قيمة، وإذا فقدتم الضمير فقد ضاع منكم شيء لا يقدّر بقيمة على الرغم من إمكانية استرداده بالتأنيب، إمّا إذ فقدتم الأمل فقد ضاع منكم كلّ شيء، أحياناً يغلق الله سبحانه أمامنا باباً لكي يفتح لنا باباً أفضل منه، ولكن معظم الناس يضيعون تركيزهم ووقتهم وطاقاتهم في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلاً من التوجّه إلى باب الأمل الذي ينفتح أمامهم على مصراعيه، والآمال العظيمة تصنع العظماء.
إذا نظرنا إلى الوجود بعين التفاؤل سنرى الجمال شائعاً في كلّ ذرّاته وتفاصيله، فالمتفائل كالورقة الخضراء لا تسقط مهما هبّت عليها العواصف، فليس المهم ما يحدث لنا، بل المهم ما الذي سنفعله إزاء ما يحدث لنا، والأفضل دائماً هو أن نتطلع إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الخلف، وأن يكون إحساسنا إيجابياً مهما كانت الظروف ومهما كانت التحدّيات ومهما كان المؤثّر الخارجي.
قد يتحوّل كل شيء ضدّكم، لكنّ الله يبقى معكم فكونوا مع الله يكن كلّ شيء معكم، فالمتشائم يرى الصعوبة في مواجهة الفرحة، أمّا المتفائل فهو على العكس إذ يرى الفرحة في كلّ صعوبة، ولو شعرتم بالظلم يوماً فتذكّروا أنّ الظالم سيُبتلى بأظلم، وتذكّروا على الدوام قربكم من الله، فهو الذي سيحميكم ويمنحكم القوّة والعزيمة.
علّمتني الحياة أن أجعل قلبي مدينة بيوتها المحبّة وطرقها التسامح والعفو، وأن أعطي ولا أنتظر جزاءً على العطاء، وأن أصدق مع نفسي قبل أن أطلب من أحد أن يفهمني، كما علّمتني أن لا أندم على شيء، وأن أجعل الأمل مصباحاً يرافقني في كلّ مكان.
Leave a Reply