خلال مشاركته في الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل من أنه لا يمكنها الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية، داعيا الفلسطينيين في الوقت نفسه إلى الاعتراف بدولة إسرائيل.
هذا الأداء الدبلوماسي قد يبدو أداء متوازناً ومقبولاً لو أن إدارة أوباما لم تتعهد مؤخراً بتقديم مساعدات عسكرية قياسية بقيمة 38 مليار دولار للجيش الإسرائيلي على مدى العقد القادم، مما سيقود حتماً إلى إطالة أمد الاحتلال وغطرسة الكيان الصهيوني الذي لا يدخر جهداً لقمع تطلعات وحقوق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير.
وبشكل مشابه، كانت المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون قد أكدت في رسالة خاصة لـ«صدى الوطن» الأسبوع الماضي على حق الفلسطينيين بالعيش بكرامة وسلام، وإقامة حكمهم الوطني في دولتهم المستقلة. وفي الرسالة ذاتها، تطرقت وزيرة الخارجية السابقة بشكل سطحي إلى استمرار إسرائيل في إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لكنها لم تقم بإدانة السياسات الإسرائيلية أو شجبها بشأن التمدد الاستيطاني داخل الأرض الفلسطينية.
إن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وتطبيق سياسات الفصل العنصري يضمنان للمستوطنين اليهود الاستفادة من جميع المصادر، مثل المدارس والطرقات والمياه وغيرها، بطريقة غير متكافئة مقارنة بأصحاب الأرض، مع الإشارة إلى المفارقة الساخرة التي تتمثل في كون سكان المستوطنات مواطنين في «دولة إسرائيل» ولكنهم يعيشون على «أرض الدولة الفلسطينية» الموعودة، بحسب عملية السلام القائمة على «حل الدولتين»، وهي عملية ماتزال متعثرة منذ سنوات طويلة بسبب تلكؤ دولة الكيان.
أوباما خلال لقائه نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.(رويترز) |
وهذا التناقض الفاضح، يثير المزيد من التعقيدات الناتجة عن أوضاع شاذة أصلاً، والتي تتمثل بكون سكان المستوطنات يخضعون لقوانين وأنظمة دولة الاحتلال، ولكنهم يعززون وجودهم داخل «الدولة الفلسطينية»، كورم سرطاني يعتمد سياسات قضم المزيد من الأراضي والمناطق الفلسطينية تدريجياً.
إن دعم الولايات المتحدة لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وفق مبدأ «حل الدولتين» وتقديمها في الوقت نفسه مساعدات عسكرية غير مسبوقة للجيش الإسرائيلي لا ينم عن تناقض وحسب وإنما يثبت أن السياسة الأميركية غير نزيهة وغير جدية في إنهاء الصراع أو تخفيف آثاره. فكيف تدعي الحكومة الأميركية أنها تريد حل النزاع بينما تقوم بتمويل الإسرائيليين ودعمهم سياسياً لإبقاء الوضع على ما هو عليه؟ فيما تعمل السياسات الأميركية في المنطقة على طمس القضية الفلسطينية بإشعال الشرق الأوسط بصراعات أشد دموية وهمجية من اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين.
وفي الداخل الأميركي، بعد قبض السلطات على شخص أفغاني المولد بتهمة زرع قنابل منزلية الصنع جرحت ٢٩ شخصاً في مدينة نيويورك، السبت الماضي، اقترح المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب تنميط العرب والمسلمين بنفس الطريقة التي تنمطهم بها إسرائيل، حيث قال: «كما تعلمون، في إسرائيل يقوم (الإسرائيليون) بالتنميط.. لقد قاموا بعمل رائع، ويمكن (للأميركيين) أن يقوموا بنفس العمل».
وما من شك أن تصريحات ترامب الوقحة هذه مليئة بالتعصب والعنصرية، ولكن صراحة ترامب هذه حملت أيضاً اعترافاً واضحاً بالسياسات العنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما لا يجرؤ السياسيون الأميركيون على الاعتراف به.
صحيح أن الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين قد دأبوا على شجب تصريحات ترامب حول الاستفراد بالمسلمين والاستمرار بعزلهم وتنميطهم، ولكن هل يجرؤ قادة الحزب الديمقراطي على إدانة السياسات الإسرائيلية المتعلقة بهذا الشأن؟
الإجابة واضحة وسهلة: طبعا..لا! إذ لطالما حرص الديمقراطيون على تسليح إسرائيل وحماية دولة الاحتلال في الدوائر والمحافل الدولية، وهذا ليس التناقض الوحيد في أدائهم السياسي، فالديمقراطيون الذين يدافعون عن مبادئ الحرية والمساواة في الولايات المتحدة، يقومون بالوقت نفسه بتمويل آلة القمع الإسرائيلية التي تنتهك بالدرجة الأولى مبادئ الحرية والمساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ناهيك عن القتل والاضطهاد والتمييز والتهجير والتنكيل بالفلسطينيين.
صحيح أن السياسة الخارجية الأميركية براغماتية وتُبنى على أساس المصالح، لا الأخلاق، ولكن إسرائيل أصبحت عبئا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب تبدل الأوضاع الجيوسياسية وتطور وسائل الإعلام وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت احتكار حيازة المعلومات والتحكم بها، بشكل بات فيه العالم أجمع يدرك فيه انحياز الحكومات الأميركية ودعمها للسياسات الإسرائيلية. ورغم ذلك لا ينفك زعماء أميركا، وفي مقدمتهم الرئيس أوباما ومرشحة عهده كلينتون، عن تأكيدهم الدائم على «الصداقة الأبدية» مع إسرائيل.
إن الدولة الصهيونية تعمل على تشكيل تحالف مع المملكة السعودية ضد إيران، كما بات موثقاً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل يقدم الدعم للمسلحين في سوريا، بمن فيهم المجموعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم «القاعدة».
إن إسرائيل لا تهتم بمصالح أميركا ولا أمنها، علاوة على ذلك فإن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة تشعل العداء ضد الولايات المتحدة في العالم. وقد عبر المدير السابق لوكالة «الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي أي) ديفيد بيتريوس عن هذه الحقيقة أفضل تعبير حين قال -قبل القضاء على مستقبله السياسي-: «إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يذكي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بسبب المحاباة الأميركية لإسرائيل»، مضيفا أن الغضب العربي بشأن القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكة الأميركية مع الحكومات والشعوب العربية، وتستغل «القاعدة» وغيرها من الجماعات المتشددة هذا الغضب لحشد الدعم ضد المصالح الأميركية.
وأكد بتريوس أيضاً أن الصراع القائم يزيد من نفوذ إيران في العالم العربي من خلال حلفائها، كـ«حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية.
في النهاية، نؤكد على أنه إذا كانت الولايات المتحدة جادة في إنهاء الإحتلال الإسرائيلي فإن أفضل خطوة يمكن أن تخطوها في البداية هي إيقاف منح المساعدات المليارية التي تقتطع من أموال دافعي الضرائب الأميركيين وتذهب لجيش الاحتلال، فمن الأفضل لأميركا أن توظف تلك المليارات في إنعاش المدن ذات الاقتصادات المتردية والمنهكة، كمدينتي فلنت وديترويت، على سبيل المثال لا الحصر.
Leave a Reply