كايد مصاروة
عاش الاْردن فترة الشهور الثلاثة الأخيرة تجربة الاستعداد لانتخابات برلمانيه بإحساس مخلوط من الارتياح وعدمه وذلك بعد تجربتين سابقتين اعترفت فيها الحكومة علناً بأنها زورت النتائج!
هذة المرة قررت معظم القوى الفاعلة من أحزاب ونقابات على الساحه الأردنية أن تشارك وخاصة عندما صرح الملك بانه لن يقبل بأي شيء أقل من انتخابات حرة نزيهة تمنح الأردنيين حرية اختيار من يمثلهم بكل شفافية. صوت الأردنيون داخل أراضي المملكة يوم ٢٠ أيلول (سبتمبر)، فهل نجحت التجربة الأردنية وماهي المخرجات؟
بدايةً، ما زال تصويت الأردنيين المقيمين خارج الوطن غير ممكن ومجرد طموح. والمطلوب أن يقوم البرلمان المنتخب والحكومة بوضع أسس وخطط لمشاركة كل الأردنيين في الانتخابات القادمة من خلال تجهيز السفارات بما يلزمها لإنجاز ذلك.
تأثرت طروحات الكتل وقوائم المرشحين بما يجري بالمنطقة من صراعات. فالأردن -البلد الهادىء وسط بركان لم يتوقف عن الهيجان منذ أعوام- يتأثر بما يجري في محيطه في كل مناحي حياته، لاسيما وأنه واحد من أكبر ساحات عمل جماعة «الإخوان المسلمين»، وخاصة بعد نكستهم التاريخية في مصر، وهذا يشكل مصدر تحد وإزعاج لكل القوى المدنية والعلمانية التي ترى خطورة «أخونة» مفاصل الدوله وقوانينها بما فيها من تبعية لدول مجاورة وتوريط البلد بمواقف لا تحمد عقباها على المدى البعيد.
هذا من الجانب السياسي، أما من الجانب المعيشي، المتمثل بالقضايا اليومية للمواطن الأردني الذي يعاني من البطالة وانخفاض الدخل وتدني مستوى الخدمات في المناطق المهمشة والبعيدة عن العاصمة وارتفاع كلفة التعليم وأسعار الأساسيات وما الى ذلك من تحديات، تحتم على من يترشح بأن يقدم برنامجاً مقنعاً يحمي البلد من مخاطر التطرّف ويعمل على تحسين حياة المواطن.
في ظل هذا الوضع قفز من قفز الى الساحة وعملت الحملات الانتخابية بمحركاتها المختلفة واساليب متنوعة بحسب الدوافع والمناطق، ولكنها تميزت هذه المرة بوجود عدد من القوائم الجادة والمصممة على معارضة ومحاولة تغيير الوضع القائم مهما كان الثمن. وفي بعض الأحيان ترشحت هذة القوائم في بيئات إخوانية معادية وبتصميم قوي على جعل برامجها بعنوان مشروع الدولة المدنية ومراجعة وتغيير المناهج الدراسية التي سيطر عليها «الإخوان» خلال الأربعين سنة الأخيرة من عمر الدولة الأردنية، فجاءت هذه البرامج واضحة المعالم ومعلومة الأهداف للجميع، مما أسهم في تعرية من يعارضها!
أقوى هذة القوائم في عمان كانت قائمة «معاً» ثم «المشاركة والتغيير» والقائمة «الوطنية» بالزرقاء وقوائم أخرى في المحافظات الى جانب الشخصيات الوطنية والقومية التي ليس لها ارتباط حزبي معلن مقابل قوائم «الإخوان» التي استمرت بتخويف المواطن بمقولة «التصويت للعلماني حرام» والتركيز على أن مشاكل البلد سببها عدم تطبيق الدولة للنهج الإخواني المتدين. قائمة «معاً» كانت متميزة بلا شك وكانت الأقوى والأكثر اندفاعاً وجاذبية لجيل الشباب في العاصمة عمان، وأصبحت مثالاً يحتذى به على مستوى الوطن. قدمت القائمة برنامجاً تم نشره على الانترنت معتمدة على السوشال ميديا مثل «الفيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» لترويج نفسها بشكل فاعل للوصول الى الناخب أينما وجد بالاضافة إلى المشاركة بجدارة في مناظرات مع مرشحي الإخوان.
ساند «معاً» العديد من الوجوه المؤثرة والبارزة بالبلد والتي تحمل لواء التغيير وتؤمن بالديمقراطية كالدكتور ذوقان عبيدات والكاتبة المعروفة زليخة أبو ريشة والدكتور مروان المعشر وهم أصحاب الصوت الأعلى المطالِب بتحديث المناهج الدراسية في كل مراحل التعليم كطريقة فاعلة لمقاومة الاٍرهاب وفكره عند الأجيال القادمة. الأهم هو إعلان القائمة أن يكون فوزها بالبرلمان بداية التحرك لشيء أوسع وأكبر بحجم الأردن وربما تشكيل حركة سياسية للشباب لدفع التغيير نحو الأفضل بلا توقف… هي وعود يأمل الأردنيون أن تترجم الى خطوات عملية لكل الأحزاب والقوى السياسية لتدعيم وتقويه مشاركة المواطن بالحياة العامة بفاعلية وتاثير من الآن فصاعداً.
بالمحصلة، كان هناك اجماع رغم الإشكالات التقنية هنا وهناك على أن التجربة الانتخابية هذه المرة كانت ناجحة وخالية من تدخل الدولة في تحديد النتائج مسبقاً.
هذا رأي أجمع عليه المراقبون العرب والأوروبيون الذين تابعوا العملية الانتخابية على الأرض من بدايه عملية التصويت وحتى إغلاق صناديق الاقتراع ومراقبة فرز الأصوات.
مِمَّا لاشك فيه ان الإصرار والزخم من قبل قوى الشعب الأردني السياسية وتجمعاته اليسارية والتقدمية ممثله بقائمة «معاً» وقائمة المشاركه والتغيير والقائمة الوطنية وأصحاب الكفاءات والماضي القومي والعلماني الطويل قد أثمر بقوة هذه الجولة، وخلق زخماً ليس بقليل للتعامل مع قضايا الوطن والنَّاس من أول جلسة برلمانية للمجلس الجديد.
الطريق نحو حياة حزبية وحكومات برلمانية في الأردن ما زال طويلاً ولن يكون سهلاً، ولكنه بلا شك قد انطلق.. إن يوم ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦ ليوم جديد وبداية موسم أجمل في ربوع الأردن ومعاً ستكبر الإنجازات…
Leave a Reply