مريم شهاب
قد تتفق معي -أيها القارئ العزيز- أنه لا توجد في هذا العالم الواسع أفراح كبيرة ولا مسرات مثيرة، لأن أول مواثيق هذه الدنيا أنها لا تعطي ملذاتها كاملة في حياتنا القصيرة، لهذا على الإنسان أن يكون صياداً يقظاً يقتنص من حياته السريعة مسراته الصغيرة.
مثلاً، إن كنت من محبي «الزرّيعة»، فتقوم كل يومٍ بإلقاء تحية الصباح على شتلاتها، كل واحدة بإسمها، ثم تتأكد من أن شتلة الورد الجوري تعاند صيفها ويبزغ منها برعم صغير، عمّا قريب سيصبح وردة بكامل عطرها في هذا الخريف، عندما يفرفح قلبك بشحنة أوكسجين نقي هاجمته غفلة، فتنظر نحو شروق الشمس قائلاً صباح الخير أيتها الحياة الحلوة.
جرِّب حين تتوقف أمام إشارة المرور التي تزدحم عندها السيارات هنا في شوارع ديربورن، وتذكَّر عجقة السير في شوارع بيروت التي تشاهدها عبر نشرات الأخبار، بهدوء إخفض شباك سيارتك لتوزع ابتساماتك الصغيرة على جيرانك العابرين بغضب وبسرعة من حولك لأنك قد تشعر بأن الناس قادرون على خطف البسمة من الآخرين حين تبتسم لهم، وبدلاً من سماع الأغاني والدعايات السخيفة، خفف صوت الراديو في سيارتك، لتسترق السمع من مذياع جارك في السيارة الأخرى قائلاً له صباح السرور يا فيروز!
أما إذا كنت عاشقاً لمنقوشة الزعتر، فهي «مسرَّة، كويسة ورخيّصة»، خاصة إذا كانت محمّصة وزعترها جديد من الضيعة وفيها الكثير من السمسم والزيت البلدي غير المغشوش. الزعتر البلدي وليس زعتر الماكينات المملوء قشاً وحصاً مطحوناً. ففي كل «نتشة» أو قضمة تسمع نغماً خاصاً. أما عندما تكون المنقوشة محمّصة، وزعترها كثير، تصبح أنغامها في فمك مختلفة خصوصاً مع «شفة» شاي ساخن، سكّره مضبوط.
سرور عارم يجتاح كل خلية في جسمك، يجبرك أن تلعن «الدايت» سراً وعلانية وفي لحظات قليلة يصبح طعم الحياة أقل مرارة، بنكهة الزعتر المميزة، وطعمه المالح يصبح ألذ عندما يتبلل لسانك بشايٍ طعمه حلو. إحساس يغمرك بانسجام يشبه الهارموني في الموسيقى، أو الألوان عندما تنسجم مع بعضها في لوحة متقنة الرسم. كل هذا يجعل يومك حلواً سعيداً ولسانك فيه أثر من ذلك المزيج المتنافر اللذيذ: ملح المنقوشة وحلاوة الشاي.
سرور آخر في هذا العالم المجنون المكتئِب ينسل إليك مثل نسمة معطرة بحبق الطفولة عندما تسمع أو تقرأ صدفة مثل هذه الكلمات:
لولا برجع طفل زغير، وإرجع لقِّط العصافير
وبدِّي رفيقة ترافقني، كنت بحب كتير كتير
إنتِ تكوني رفيقة المشاوير!
ولو برجع إلبس مريول، وإتعلَّم تحت الملُّول
ومدرسة الضيعة ببجنِّين
وأمي تلف عرايس لبنة وتين
وتعبِّيلي جيابي فول، بطعميكي نصُّن وبقول:
سرقوا أكلي العصافير
لولا برجع طفل زغير!
هذه الكلمات الرقيقة الجميلة، ألا تشعرك بفرحٍ ولو قليل! هي كلمات للشاعر اللبناني المبدع مارون كرم، وهي من أصدق الشعر وأجمله، عندما تذكرك بعمر «الولدني»، أنت تلاحق العصافير والفراشات ورفيقة الدرب الصغيرة إلى المدرسة، وزهرة الدحنون عندما تخبئها لها في كتابها وشجرة الملول والمريول وعروسة اللبنة وعروسة التين المعقود بالسكر واليانسون!
Leave a Reply