فاطمة الزين هاشم
إنّ أبرز ما يلفت نظر المجتمعين في أيّة مناسبة هي اللياقة التي يتمتع بها الأفراد. ومن المعروف أنّ السيدات سبّاقات إلى اللياقة التي تنطوي على حُسن التصرّف ولفت أنظار من حولهنّ إلى مدى الذوق الذي يتمتعن به في توليف مظهرهن، وهذا وإن دلّ على شيء فإنما يدلّ على البيئة التي تربت فيها السيدة واكتسبت منها عاداتها الراقية، أمّا إذا فاتها ذلك فهي بالتأكيد إن لم تتدارك الخلل فلا بدّ أن تقع فريسة للوهم والغرور المتأتي من عدم الثقة بالنفس.. ومن هنا تأتي المصيبة.
منذ أيام وفي إحدى المناسبات السعيدة جمعتني الصدفة حول طاولة واحدة مع مجموعة من السيدات اللواتي لم ألتقِ بهن من قبل، وكانت الأمور تجري بشكل طبيعي حتّى حان تقديم العشاء، وانغمرت النادلات بوضع الطعام على الطاولات، فما كان من احداهن إلا أن اختطفت الطبق من يد إحداهن في مشهد يوحي وكأنها لم ترَ الطعام من قبل في حياتها، وراحت تغرف إلى صحنها المزيد من الأطعمة وهي تعبث بتناسقها بحيث تتساقط نصف كمّية الطعام على غطاء الطاولة دون الاكتراث إلى من حولها أو مراعاة الذوق مع النادلة والتقيّد بآداب الطعام.
كانت تتصرف وكأنها رئيسة عصابة وليست في مناسبة عامّة، وكأن على من حولها أن يتناول بقايا الأطباق، ولم ينته ذلك التصرف البذيء إزاء آداب الطعام، إلا ليبتدئ ببذيء الكلام، حيث لم ترحم أحداً من سياط لسانها إذ اعتبرت كل من في القاعة دون المستوى المطلوب كما اعتبرت وجودها بين هكذا مجتمع -متخلف في نظرها- خسارة تتحملها، معتقدة بأنها لم تجد أحداً بين الحاضرين يرتقي إلى مستواها لتجعله قريباً منها، حتّى تصدّت لها إحدى الحاضرات فجابهتها قائلة لها: لماذا إذاً حضرت إلى هنا طالما كنتِ تتصورين نفسك بهذا المستوى الرفيع؟ لتجيبها بغطرسة فارغة إنّها حضرت للترفيه عن نفسها وتأدية واجب كان عليها أن تقوم به!
ولم أجد نفسي إلا وأنا أنظر إليها بنظرة التعجب الممزوجة بالاستياء، حتى إذا تفحصت تقاسيمها وهندامها لم أجد فيها شيئاً تمتاز به عن الآخرين، بل كانت وفق ذلك أقل مستوى من الموجودين، عندها سألت نفسي: ألم تجد هذه السيدة التي يسيطر عليها الغرور والاستعلاء الكاذب مكاناً آخر لترفّه به عن نفسها بدلاً من حضورها المؤذي للناس هنا؟ فهناك من الأماكن ما لا يحصى للترفيه عن النفس وتمضية الوقت دون أن تجرح مشاعر الناس وتحط من كراماتهم وتقلل من شأنهم.
يقول المثل «الكلام صفة المتكلم»، والناس تستطيع تقييم المتكلم من سياق حديثه، فتمنحه درجة الاحترام التي يستحقها، لذلك نرى أنّ أكثر الأفراد احتراماً هم أكثرهم احتراماً لمشاعر الآخرين، أمّا طغيان صفة الغرور فهي من الصفات المكروهة وكما ينضح الإناء بما فيه كذلك يعبّر المغرور عن مدى ما تحصّل لديه من فقر الثقافة والخلق، فالشجرة التي تحمل الثمر تتدلّى أغصانها منحنية إلى الأرض على عكس الشجرة غير المثمرة فنرى أغصانها الخالية من الثمار شامخة إلى الأعالي الفارغة.
لكلّ ذلك نرى في إنسانية الكلام قرباً لا شعورياً وكما يُقال «الكلمة الطيبة صدقة»، فالكلمة الطيبة والتواضع هما من أبرز صفات المؤمن، ولنا في رسول الله (ص) خير أسوة واقتداء. ولا يفوتني أن أستعيد المثل القائل «لسانك حصانك إن صنته صانك» راجية لكم أن لا تروا ولا تلتقوا بإيّ بذيء لسان، أو بأيّة ضفدعة تنفخ نفسها لتصبح بحجم البقرة.
Leave a Reply