طارق عبد الواحد – «صدى الوطن»
في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي أزمات سياسية حادة تطورت في بعض البلدان العربية إلى صراعات دموية طاحنة تهدد مستقبل الشعوب والأوطان، على خلفية ما بات يسمى بـ«الربيع العربي»، أكد الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى أن العالم العربي، دولاً وشعوباً، لن يقبل بسايكس-بيكو جديد يعيد تقسيم بلدان الشرق الأوسط بعد مئة عام من تجزيئها إلى دول وكيانات سياسية في العام 1916. مضيفاً أن المنطقة العربية تشهد في الوقت ذاته حركة تغيير واسعة وعميقة باتت معها العودة إلى الوراء مستحيلة.
موسى الذي زار الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً للمشاركة في فعاليات ولقاءات دولية بالتزامن مع الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد على أن المنطقة العربية بحاجة إلى نظام إقليمي جديد يستطيع التعامل مع المتغيرات المستجدة، داعيا إلى إصلاح الجامعة العربية التي تعجز في ظل الظروف الراهنة عن إيجاد حلول وتسويات للانقسامات السياسية والصراعات المسلحة في بعض البلدان العربية، مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق.
كما زار موسى مدينة ديربورن بدعوة من مؤسسات عربية، حيث التقته صحيفة «صدى الوطن»، الأربعاء الماضي، وأجرت معه لقاء حول رؤيته لمجمل القضايا العربية الساخنة. وتطرق الحديث معه إلى أهداف الزيارة الأميركية التي اشتملت مشاركة السياسي المصري المخضرم في عدد من الفعاليات، ولاسيما حضور اجتماعات «المؤسسة الدولية للسلام» في مقرها الرئيسي بمدينة نيويورك، واجتماعات اللجنة المستقلة الخاصة بالنظام الدولي المتعدد الأطراف، التي شارك في صياغة تقريرها النهائي.
وقال إن تقرير اللجنة المستقلة الخاصة بالنظام الدولي ناقش سبل تنشيط دور مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلام العالميين، واحتمال زيادة عدد أعضائه وإضافة أعضاء جدد إلى أعضائه الـ15 الحاليين، والذين بينهم خمسة أعضاء دائمين- على خلفية ازدياد عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
وأشار موسى إلى أن النظام المتعدد الأطراف فشل سياسياً في حل النزاعات المسلحة ولم ينجح في إحلال الأمن والسلام في مناطق الصراعات والتوترات حول العالم، أما وكالات الأمم المتحدة فقد أدت الوظائف المنوطة بها، مثل منظمة الأغذية والزراعة واليونسكو واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها.
أما اجتماعات «المؤسسة الدولية للسلام» فقد عقدت نقاشات حول الشرق الأوسط، بحضور وزراء خارجية عرب وأجانب ورؤساء منظمات دولية وإقليمية وشخصيات عامة وسياسيين مشاركين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب موسى، الذي أكد على ضرورة إيجاد حلول سياسية في بلدان منطقة الشرق الأوسط من داخل المنظومة العربية.
وقال: المطلوب حل عربي في بلدان المنطقة التي تشهد حروبا أهلية لا يمكن أن يطفئها إلا نظام عربي جديد يحد من تدخل القوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا وإيران (في سوريا مثلا) وكذلك روسيا وأميركا اللتان تعملان على إدارة الأزمة بدل حلها، وهذا أحد أسباب الفشل في حل الأزمة السورية، ثم نظام إقليمي يمنع النزاعات مع العالم العربي أو محاولات السيطرة عليه.
وأضاف إن الحل في سوريا يجب أن يقوم على مبادئ لا يجوز التفريط أو التساهل بشأنها، وفي مقدمتها الحفاظ على سيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، ثم إطلاق خريطة طريق سياسية تتضمن برنامجاً متكاملاً يتضمن إجراء استفتاء وطني على مستقبل البلاد وشكل الحكم فيها، وإعداد خطط لإعادة الإعمار وتمكين النازحين والمهجرين من العودة إلى بيوتهم وأعمالهم وتعويضهم.
وأكد أنه من المستحيل أن تعود الأوضاع في سوريا إلى نقطة الصفر، وأن هذه الحقيقة يجب أن تشكل أساساً للحل السياسي الذي لا بديل عنه، مهما طال الاعتماد على الحل العسكري في إنهاء الحرب في سوريا، والذي قاد في نهاية الأمر إلى تدخلات إقليمية ودولية زادت من تعقيد الأزمة وتعميق مأساة السوريين.
ووصف الأزمة السورية بأنها أزمة مفتوحة، ولا آفاق تشير حالياً إلى إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار فيها، بسبب التدخلات الأجنبية وتناقض مصالحها. وتوقع أن التغيير في سوريا سيكون في إطار زمني لا يتعدى فترة قصيرة لأن استمرار الحال على ما هو عليه فيه خراب كبير وضرر ضخم لأهل سوريا، ووصف الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في إنهاء الأزمة بأنه «دور بناء»، يستمد ضرورته وأهميته من العلاقة الخاصة التي ربطت بين البلدين عبر التاريخ.
ولدى سؤاله حول ملامح النظام الجديد الذي يعوّل عليه وإمكانية إطلاقه في ظل غرق الدول العربية، وعلى رأسها مصر، بمشاكل داخلية وخارجية مستعصية، قال موسى: صحيح أن مصر تمر بأزمة ولكن النقاش حول مستقبل المنطقة لن يكتمل بدونها، ومع تزايد النفوذين الإيراني والتركي في العالم العربي، لا بد من التفكير بتشكيل جبهة تقود العمل العربي في أسرع وقت ممكن.
وفيما يبدو أنه من العسير عمليا تشكيل مثل هذه الجبهة في ظل انحسار دور الجامعة العربية وخروج العراق ومصر وسوريا من المعادلة العربية والإقليمية، رأى موسى أن هذه الجبهة ربما تتشكل من مصر السعودية ودولة مغاربية أخرى، مشددا على أن شعار المرحلة القادمة في العالم العربي يجب أن يكون «إعادة البناء».
وقال: إن الرأي العام العربي أصبح ذا تأثير حاسم، فالقرن الحادي والعشرين له تأثيره المزاجي على الإطار العام للتفكير، خاصة في زمن المعلوماتية وانطلاقا من حقيقة أن 60 بالمئة من سكان العالم العربي هم من الشباب الذي باتوا قادرين على التواصل لحظة بلحظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
العرب الأميركيون
وفي ما يتعلق بزيارته لمنطقة مترو ديترويت التي كان قد زارها قبل 13 سنة، أشار موسى أن زيارته جاءت تلبية لدعوة مؤسسات عربية للاطلاع على أوضاع الجاليات العربية الأميركية ومدى التقدم الذي أحرزته خلال الفترة الماضية.
ومن المقرر أن يلقي موسى محاضرة في «جامعة ميشيغن» تتناول التحديات التي تواجهها الأمم المتحدة التي تقف الآن على أبواب تعيين أمين عام جديد لها بعد نهاية ولاية أمينها الحالي بان كي مون.
وأشاد موسى بإنجازات العرب الأميركيين في الولايات المتحدة ونجاحهم في مختلف المجالات، ولكنه أبدى أسفه إخفاقهم في تسويق دورهم في المجتمع الأميركي، وقال: «إن الأميركيين لا يسمعون هذه الأيام إلا بـ«داعش» ولا يعرفون شيئا عن العرب الناجحين والمبرزين»، وشدد بالقول: إن «داعش» ليس ماركة مسجلة بإسم العرب.
ودعا العرب الأميركيين إلى تجنب الانقسامات الطائفية والفئوية التي أدخلت أوطانهم الأم في أتون العنف والتطرف، وأن يتوحدوا من أجل تصحيح صورتهم الحضارية التي بدأت تسوء في العالم، وفي أميركا على نحو خاص، منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فهذا «أفضل وأنفع بألف مرة من الحديث عن مشاكل المنطقة العربية والانقسام إزاءها»، على حد وصفه.
Leave a Reply