حسن خليفة – «صدى الوطن»
شهدت ديربورن هايتس خلال السنوات الماضية نمواً وازدهاراً سكانياً وتجارياً لافتاً مع انتقال مئات العائلات العربية الأميركية للعيش في أحيائها الوسطى والشمالية. لكن اليوم، يجد بعض هؤلاء أنفسهم وهم يدفعون ثمن هذا الازدهار، ويتهمون البلدية بعدم الاكتراث لهم في إطار مشروعها لتطوير وسط تجاري للمدينة على طول شارع فورد.
عقار تجاري مستحدث على شارع فورد في ديربورن هايتس |
إذ يعرب سكان حي دوكستيتر، المحاذي لشارع فورد جنوباً والمعروف بفخامة منازله التي يقدر سعر بعضها ببضعة ملايين من الدولارات، عن استيائهم الشديد من خطة البلدية التي ستحوّل المنازل التي كانت تفصلهم عن شارع فورد الى محال تجارية ملاصقة لحدائق منازلهم الخلفية.
فقد قامت البلدية قبل سنوات بإعادة تصنيف المنطقة عقارياً من منطقة سكنية الى منطقة مختلطة تجارية وسكنية وذلك على طول القاطع الجنوبي من شارع فورد -بين شارع جون دايلي وإنكستر- ما يعني أن حدائق منازل دوكستيتر الخلفية (الباكياردات) ستصبح مطلةً مباشرةً على المتاجر الجديدة، والتي بدأ العمل على تشييد بعضها.
وأكد محمد صبح، مدير دائرة المباني والهندسة في بلدية ديربورن هايتس، لـ«صدى الوطن» في شهر آذار (مارس) الماضي، أنه تمت إعادة تصنيف المنطقة عقارياً بما يسمح بتطويرها تجارياً، غير أنه أكد أن البلدية تضع شروطاً صارمة على المطوّرين للحد من أنواع الأعمال التجارية التي يمكن أن تتسبب بالإزعاج لسكان الجوار.
شكوك وارتياب
سميح قعوار، وهو طبيب جراح يعيش في أحد قصور دوكستيتر الجديدة، ذكر لـ«صدى الوطن» أنَّ معظم الجيران «مستاؤون جداً» بسبب السماح ببناء محال تجارية بمحاذاة حدائقهم الخلفية مما سيؤثر سلباً على قيمة منازلهم وراحتهم وخصوصياتهم.
وأردف الدكتور قعوار بأن أكثر ما يثير ارتياب السكان هو أن «هيئة التخطيط» في البلدية التي تشرف على التصنيف العقاري وإقرار مشاريع البناء، لم تخطرهم بشكل واضح بشأن خططها.
وبموجب القانون، يتعين على «الهيئة» إخطار السكان عبر البريد عند مناقشتها مقترحات بشأن إعادة تصنيف المناطق المجاورة لمنازلهم، وذلك لإعطاء أصحاب المنازل فرصة طرح الأسئلة وعرض مخاوفهم أو حتى معارضة المشروع قبل طرحه على التصويت أمام المجلس البلدي.
وأبلغ قعوار «صدى الوطن» بأن سكان الجوار يبحثون سبل الرد قانونياً على إجراءات البلدية، مؤكداً أن «السكان قلقون فعلاً من تدفق الشاحنات الضخمة والتلوث والضوضاء والجرذان التي ستجلبها المحلات التجارية»، لافتاً أيضاً الى أن ازدياد النشاط التجاري في المنطقة سوف يؤدي أيضاً الى جذب الجريمة الى هذا الحي الثري.
كما أعرب قعوار عن خشية السكان من انتهاك خصوصياتهم من قبل زبائن المتاجر المزمع بناؤها، مشيراً الى أن لديه في حديقة منزله الخلفية حوض سباحة لن يتسنَّى لعائلته استخدامه بعد الآن، على حد قوله.
غير أنَّ أكثر ما يقلِق قعوار وجيرانه هو أن البلدية أعلنت بين عشية وضحاها، ومن دون سابق إنذار، إعادة تصنيف المنطقة عقارياً، بالتزامن مع قيام وكلاء عقاريين بشراء المنازل المتواضعة المطلة على شارع فورد بثمنٍ بخس قبل بيعها سريعاً لمطوّرين عقاريين بأسعار خيالية، ضاهت مليون دولار للمنزل الواحد.
واستطرد الطبيب الجرّاح بأن هناك خشية من وجود «صفقات من تحت الطاولة» بين البلدية ومطوّرين من القطاع الخاص، مشيراً الى أن أعمال البناء بدأت فجأة على شارع فورد، وهو ما يعزز تلك الشكوك بأن «هناك شيئاً مريباً يحصل… شيء كاللعب في الظلام».
من جانبه، دافع عماد صبّاغ، وهو جار قعوار، عن حق الوكلاء العقاريين في تحقيق الربح الطائل من خلال تجارة العقارات «لأن هذه هي مهنتهم»، لكنه كان يفضّل أن تمنحه البلدية فرصة الاعتراض على إعادة التصنيف هذه.
وللتدليل على تجاهل البلدية لمطالب السكان، ذكر صبّاغ أنه تلقى قبل سنوات إخطاراً بلدياً بشأن مقترح بإنشاء محطة وقود قرب عمله في المدينة، فحاول الاعتراض على ذلك في اجتماع لمجلس البلدية وأمام رئيس البلدية، ولكن دون جدوى.
«قالوا لي هذا ما مشروعهم وهذا ما سيحصلون عليه»، وتابع «ذهبنا وأسمعناهم صوتنا لكن انتهى الأمر بنا لنقول: إنهم أكبر منا، إنهم عازمون على القيام بذلك شئنا ذلك أم أبَينا وبالفعل مضوا قدماً وفعلوها».
ويقول صباغ إن المنازل المطلة على شارع فورد أعيد تصنيفها عقارياً منذ حوالي أربع أو خمس سنوات، قبل أن يُعلَن عن ذلك رسمياً، «منذ كنا نرى الشاحنات مركونة على مداخل المنازل الواقعة على شارع فورد» إذ أن ركن الشاحنات التجارية في ممرات المنازل السكنية يُعتبر خرقاً للقواعد البلدية في ديربورن هايتس.
وبدوره، عبَّر غاس ماريسكاس، وهو مقيم منذ فترة طويلة على شارع دوكستيتر، عن غضبه الشديد لأن بلدية مدينته «لم تتشاور مع دافعي الضرائب حول مشروع تنمية تجارية رئيسي من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على ظروف معيشتهم». وأضاف أن «هناك من يحصد الأموال الطائلة» من وراء هذا الأمر «وإلا لماذا أعيد تصنيف المنطقة عقارياً دون أن يُسأل أي شخص عن الأمر؟».
وفق الأصول
عضو مجلس بلدية ديربورن هايتس، المنتخب حديثاً، دايف عبدالله -وهو وكيل عقاري- دافع عن خطة المدينة التنموية، رغم أنها دخلت حيّز التنفيذ قبل انتخابه، مؤكداً أنها جاءت لمعالجة المخاوف بشأن الحركة المرورية على شارع فورد، حيث تتعدد مداخل ومخارج المنازل المطلة على الشارع مما كان يتسبب بحوادث سير وازدحام مروري.
وأضاف لهذا السبب قررت البلدية أنْ تعيد تصنيف المنطقة من اعتبارها سكنية الى منطقة مختلطة «سكنية-تجارية».
وبشأن الارتفاع الصاروخي لأسعار تلك المنازل، يشير عبدالله الى أنه «قبل إعادة التصنيف العقاري، كان معدل أسعار تلك المنازل في السوق حوالي 200 ألف دولار. وبعد إعادة تصنيف المنطقة، ارتفعت الأسعار بأربعة أضعاف تقريباً» وذلك بسبب ارتفاع الطلب على فتح متاجر في قلب التجمعات السكنية الكثيفة.
رئيس بلدية ديربورن هايتس دان باليتكو، نفى في حديثٍ مع «صدى الوطن» وجود محاولة من البلدية لفرض المشروع على المواطنين من دون علمهم، مشدداً على أنه لا يوجد دليل واحد على أن البلدية تتربّح من هذا المشروع.
وأضاف أن ما يجري هو «أمر طبيعي»، «فالجميع كان يتوقّع أن يوماً ما سيتحوّل ما تبقى من شارع فورد إلى محلات تجارية». وأكد باليتكو أن البلدية، تفرض على المستثمرين الحصول على موافقة هيئة التخطيط للبدء بمشاريع البناء، لافتاً الى أن أحد هؤلاء انتقد البلدية بشدة بسبب القيود الصارمة التي تفرضها على المطوّرين العقاريين.
وفي خصوص إعلام السكان بشأن إعادة تصنيف المنطقة عقارياً، أكد باليتكو أنه تم نشر الإشعار قبل سنوات في صحيفة محلية.
لكن ماريسكاس أصرَّ «أن مثل هذا الإشعار يكون غير واضح بتاتاً ولا يمكن للسكان قراءته عملياً».
وللتأكيد على حرصه على راحة سكان دوكستيتر، يقول باليتكو إن هيئة التخطيط قامت مؤخراً بإخطار السكان بشأن تعديل في أحد مشاريع البناء المقدمة، حيث يطالب أصحاب المشروع بالسماح بتشييد البناء على الجهة الخلفية من العقار، وجعل مواقف السيارات في الجهة الأمامية، على غرار المجمعات التجارية المجاورة (وفق طراز البلازا)، وقال باليتكو إن هيئة التخطيط أرسلت إشعاراً للسكان حول التعديل المقترح للاطلاع على آرائهم. كما أكد أن البلدية تعمل على استحصال إذن للحد من إمكانية الوصول إلى منازل شارع دوكستيتر «من أجل حماية السكان»، مشيراً الى امكانية بناء جدار أو حاجز لفصل الحدائق الخلفية للمنازل عن المتاجر الجديدة.
وكان رئيس البلدية قد أعرب في شهر آذار (مارس) الماضي عن أمله في رؤية المنطقة تتحول قريباً إلى «داونتاون» ديربورن هايتس.
Leave a Reply