عماد مرمل – «صدى الوطن»
يتمسك حزب الله بدعم ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، منذ أن أعلن الجنرال عن دخوله الى السباق الرئاسي، بل حتى حين كان ترشحه لا يزال مجرد نية مضمرة لدى الجنرال، غير مكسوة بعد بـ«اللحم السياسي».
ومع ذلك، فإن البعض كان يفترض أن موقف الحزب الداعم لوصول عون الى قصر بعبدا ليس سوى مجرد مناورة تكتيكية تهدف الى كسب الوقت، وأن الحزب ليس صادقاً وحازماً في تأييد الجنرال وإلا لكان قد أوصله الى الرئاسة، وأن مصلحته الحقيقية تمكن في استمرار الشغور أطول وقت ممكن لأنه من غير المناسب له وجود رئيس في هذه المرحلة التي يخوض فيها مواجهة مباشرة في سوريا وغير مباشرة في ساحات أخرى على مستوى المنطقة، إضافة الى أن إيران ليست بوارد التفريط بورقة الرئاسة اللبنانية مجاناً وهي تريد الاحتفاظ بها الى حين بدء المقايضات الاقليمية لتساوم عليها، كما يقول خصوم الحزب.
وعندما حصل الاتفاق بين عون و«القوات اللبنانية»، راح سمير جعجع يلعب على وتر تحالف «حزب الله»-«التيار الوطني الحر»، محاولا تأليب الشارع البرتقالي على الحليف الشيعي والايقاع بينهما، عبر اتهام الحزب بأنه لا يمارس الضغوط الكافية على حلفائه لإقناعهم أو لإلزامهم بدعم ترشيح عون.
وقد نجح جعجع أحياناً في زعزعة الثقة بين جمهور بعض التيار والحزب، خلال الفترة الماضية، قبل أن يؤدي تدخل السيد حسن نصرالله أكثر من مرة الى إعادة تصويب الأمور وطمأنة القلقين من أنصار الجنرال الى ثبات الموقف الداعم لزعيمهم وصلابته، مع تأكيده في الوقت ذاته على أن العلاقة مع الحلفاء، ومن بينهم الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية، تستند الى الاحترام المتبادل ولا مكان فيها لأي قرارات قسرية.
وقد أتى ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية كي يشكل اختباراً بـ«الذخيرة الحية» لحقيقة نيات الحزب حيال عون، ويمكن القول إن نتائج هذا الاختبار أفضت الى إثبات مصداقية «السيد» في تأييد «الجنرال». ليس خافياً أن فرنجية هو أحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين والثابتين للحزب منذ زمن طويل، وأن هناك خيارات جذرية تجمعهما من نهج المقاومة الى العلاقة مع سوريا مروراً بالملفات الداخلية، حتى أن هناك من كان يقول إن فرنجية مصنف بأنه «المرشح الحلم» للحزب وفريق «8 آذار» وإن انتخابه رئيساً سيكون بمثابة انتصار مدوٍّ لتحالف محور المقاومة والممانعة. ومع ذلك كله، قاوم الحزب عرض الحريري المباغت، وتفوق على نفسه، عبر إعلانه عن استمراره في التمسك بدعم ترشيح الجنرال، على الرغم من الروابط الوثيقة والمميزة التي تربطه تاريخياً برئيس «تيار المردة» الملقب في الاوساط الشعبية الشيعية بـ«أبي علي».
ولكن، ما الذي يدفع «حزب الله» الى المضي في دعم عون حتى النهاية وتفضيله على فرنجية رئاسياً، الى أن يقرر عون نفسه الانسحاب وهو احتمال غير وارد في حسابات الرابية؟
يستند قرار الحزب الى مجموعة عوامل، من أبرزها:
– الحزب ملتزم بإيفاء دين وطني لعون الذي وقف في تموز 2006 الى جانب المقاومة في مواجهة العدوان الاسرائيلي انطلاقا من خيار مبدئي يتجاوز حسابات الربح والخسارة، في وقت كان كثيرون في الداخل قد بدأوا يميلون مع الريح الاسرائيلية وراحوا يتصرفون على اساس أن نهاية الحزب أصبحت مسألة وقت ليس إلا.
– المسألة الاخلاقية، وخلافاً للشائع في السياسة، تشكل عنصراً مؤثراً في تحديد سلوك الحزب، وبالتالي فإن التزامه بدعم عون ليس قابلاً للمساومة مهما بلغ حجم الترغيب أو الترهيب، وحتى لو كان البديل المطروح هو حليف من الوزن الثقيل كفرنجية.
– الحزب مقتنع بأحقية الجنرال في الوصول الى رئاسة الجمهورية انطلاقاً من كونه الأوسع تمثيلاً لبيئته، عملاً بمتطلبات الشراكة والميثاقية في لبنان.
– عون يستطيع انطلاقاً من حيثيته الشعبية الواسعة وكتلته النيابية الوازنة أن يواجه الفساد في الدولة ويخوض معركة الاصلاح.
– عون الأقوى في بيئته المسيحية هو الأقدر على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الرئيس سعد الحريري في السلطة.
– الحزب حريص على عدم الاصطدام بالقاعدة المسيحية العريضة التي يمثلها عون، خصوصاً على امتداد جبل لبنان الذي كان مسيحيوه يعتمدون تاريخياً خيارات سياسية تتعارض مع مفهومي العروبة والمقاومة، الى أن تمكن عون بعد ورقة التفاهم الموقعة مع الشريك الشيعي في شباط 2006 من مصالحتهم مع هذين المفهومين، الأمر الذي انعكس مقاربة جديدة من قبل جمهور التيار الوطني الحر للعلاقة مع المقاومة وسوريا، وهذا انجاز غير مسبوق يُسجل للجنرال الذي ليس من المصلحة ولا الحكمة التخلي عنه وعما يمثله في واحدة من أهم المعارك السياسية بالنسبة اليه والى مؤيديه، تحت طائلة دفع تياره الى الاقتراب أكثر فأكثر من رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يراهن على الوقت لاستقطاب جزء من القاعدة البرتقالية، مرتكزاً على المصالحة التي تمت بينه وبين الجنرال.
Leave a Reply