كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يعود مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الى الواجهة الأمنية وهو أكبر المخيمات في لبنان اكتظاظاً بالسكان إذ يبلغ تعدادهم نحو 125 ألف نسمة على مساحة كلم2، بعد تمكنت مخابرات الجيش ونخبة من العناصر فيها، من توقيف أمير تنظيم «داعش» في لبنان عماد ياسين الذي يحمل ألقاباً عدة، وفق بيان للجيش، إذ اعتبرت العملية الأمنية نوعية، بدخول عناصر من المخابرات الى المخيم واعتقاله من خلال كمين محكم ونقله الى مقر وزارة الدفاع، ومباشرة التحقيق مع أهم صيد أمني ثمين، كان مع الخلايا التابعة له يعد لعمليات إرهابية خطيرة تضع لبنان أمام زلازل أمنية وسياسية، للأشخاص المستهدفين والمؤسسات التي سيتم تفجيرها.
فإسم ياسين يتردّد منذ أشهر، بعد أن أشارت معلومات حصلت عليها مخابرات الجيش من عناصر سبق لها واعتقلتهم، أن هذا الإرهابي، يخطط لإغتيال شخصيات من أبرزها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تضعه الجماعات الإرهابية على رأس أهدافها، لما يمثّله، وما تحدثه جريمة اغتياله من ردود فعل، قد تؤدي الى إندلاع فتنة سنّيّة-شيعية، وهذا هو الهدف، كما كان في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي مازالت بعض المعلومات تشير الى أن جماعة متطرفة وراء الإغتيال، وتمّ إعتقال ما سمي بمجموعة الـ 13 التي يترأسها نذير نبعة، وهو من بلدة شبعا الحدودية، وشارك في القتال مع تنظيم «القاعدة» في العراق الذي ترأسه «أبو مصعب الزرقاوي».
توقيف أمير «داعش» في لبنان، سبقه إتصالات ولقاءات جرت بين مخابرات الجيش، وممثلي الفصائل الفلسطينية بكل أطيافها وتلاوينها السياسية والفكرية، على حفظ الأمن في المخيم، وقطع الطريق على مجموعات إسلامية داخله، تسعى الى زجّه في صراع محلي مع فصائل فلسطينية لاسيما حركة «فتح»، التي يتعرّض مسؤولوها وعناصرها في المخيم لعمليات إغتيال منظمة، وكان آخر مَن قتلوا سيمون طه، الذي تتهمه المجموعات الإسلامية المتشدّدة كـ«الشباب المسلم» التي يقودها بلال بدر، و«جند الشام» و«فتح الإسلام»، بأنه يتعاون مع مخابرات الجيش وتزويدها بالمعلومات عن تحركات القوى الإسلامية، وهو يساعد مَن يريد أن يسلّم نفسه الى السلطة اللبنانية، لمحاكمته ووقف ملاحقته، حيث سلّم حوالي 25 شخصاً أنفسهم الى القوى الأمنية اللبنانية، ومنهم عناصر قاتلوا الى جانب الشيخ أحمد الأسير في شرق صيدا، وهو ما أفلت زمام الأمور من المجموعات الإسلامية، التي واجهت رفضاً من كل أبناء مخيم عين الحلوة، بتحويل مخيمهم الى نهر بارد جديد، أو مخيم اليرموك في سوريا، وتشريدهم نحو المجهول.
وضغط المجتمع المدني في المخيم على الفصائل الفلسطينية، بحماية أمنهم، وعدم وقوع اقتتال فيه، لا بين المسلحين، ولا مع الجيش اللبناني، أو أية جهة لبنانية أخرى، حيث نجحت الفصائل لاسيما منها الإسلامية، كـ«عصبة الأنصار» و«القوى الإسلامية المجاهدة» في لجم محاولات المجموعات الإرهابية التي تقدر بنحو 500 عنصر، من إدخال المخيم في قتال دموي، يؤدي الى تدميره وتهجير أبنائه، إلا أن محاولات التهدئة، كانت تخرق من قبل عناصر إسلامية متشددة، باغتيال مواطن، أو رمي قنبلة، أو إطلاق نار إرهاباً، أو الإنتشار المسلّح، وكانت اللجنة الأمنية المشتركة في المخيم والمكونة من الفصائل تقوم بتطويق الحوادث الأمنية المتفرقة، والسيطرة على الوضع، كي لا تفلت الأمور وتتجه نحو المعارك المسلحة.
ففي المخيم رموز لها إنتماءات عقائدية تتبع الفكر «الوهابي»، و«السلفية الجهادية»، ومن هؤلاء أسامة الشهابي، هلال هلال، وبلال بدر، وقد سيطروا على أحياء في المخيم كالطوارئ والطيري والتعمير وحطين إلخ…، لكن لم يتمكنوا أن يوقعوا المخيم تحت قبضتهم كما فعل شاكر العبسي في مخيم نهر البارد، وأسّس ما عُرف بـ«فتح الإسلام» في مطلع عام 2007، إذ نجح باستمالة مسؤولين وعناصر من فصائل فلسطينية، ومنهم “فتح الإنتفاضة” وأوهمهم أنه حضر الى لبنان، للقيام بعمليات ضد الإحتلال الإسرائيلي، الذي كان انتهى من عدوانه على لبنان صيف 2006، بهزيمة كبيرة، مع اعلان الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، والذي كان يتبع له العبسي، الذي قاتل في صفوفه في العراق مع أبو مصعب الزرقاوي، أن القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي، وأوقف إطلاق النار في لبنان، إنما هو «احتلال صليبي» له من قبل «القوات الدولية» ولا بدّ من قتالها، وأن «حزب الله» تحوّل الى حرس حدود لإسرائيل، وأن لبنان بالنسبة لتنظيم «القاعدة»، لم يعد «أرض نصرة»، بل «أرض جهاد»، كما أعلن الزرقاوي، وكلّف العبسي، تنفيذ ذلك، والبدء من أحد المخيمات الفلسطينية، فحضر الى مخيم برج البراجنة، وانكشف أمره، فانتقل الى مخيم نهر البارد مع عناصره، وأول ما قام به هو حصول زيجات من عناصره ونساء من المخيم لتجميع قوة شعبية حاضنة له، والى دفع أموال لتجنيد مقاتلين.
وما فشل به العبسي في 2007 في مخيم نهر البارد، يحاول تنظيم «داعش» تكراره من جديد، حيث صدرت الأوامر من أحد مسؤوليه في العراق «أبو خالد العراقي» الى أمير «داعش» في لبنان عماد ياسين، للقيام بعمليات إرهابية كبيرة، لتعميم الفوضى فيه، باغتيال قياداته السياسية والحزبية، وشل قدرة الجيش والقوى الأمنية، وضرب السياحة، فيدخل لبنان في أتون حرب داخلية، تمكن «داعش» من السيطرة على مخيم عين الحلوة والتمدد خارجه، وإقامة «إمارة إسلامية» في لبنان، وهو المخطط الذي كان سينفّذه عماد جمعة في 2 آب 2014، وأوقفه الجيش في عرسال، في ذلك اليوم، وحصل بعد ذلك الهجوم الغادر من مسلحي «داعش» و«النصرة» على مراكز الجيش ومواقعه، وقتل ضباطه وجنوده، وخطف عسكريين وعناصر لقوى الأمن الداخلي، ولم تنجح العملية التي أحبطها الجيش وتصدّى لها.
وما لم يتمكن منه جمعة، سعى إليه ياسين الذي كان أحد قياديي «جند الشام» الذين ساندوا العبسي في مخيم نهر البارد، لكن رصد مخابرات الجيش له، عطلت مخططه، الذي كان في «بنك أهدافه»، إغتيال الرئيس برّي، ومراقبة النائب وليد جنبلاط للغرض نفسه، والأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، ورئيس «اتحاد علماء المقاومة» الشيخ ماهر حمود، إضافة الى نسف محطتي توليد الكهرباء في الجية والزهراني، وتفجير «كازينو لبنان» و«مصرف لبنان»، وارتكاب مجزرة في سوق النبطية، ومثلها في الضاحية الجنوبية، على غرار ما حصل في الكرادة العراقية، والهجوم على ثكنات الجيش ومراكزه، وتخريب المؤسسات السياحية والمطاعم.
وهذا المخطط لو نجح ياسين في تنفيذه، لكان لبنان يعيش أسوأ حرب داخله، تعمل القوى الإقليمية والدولية على منع حصولها، وقد نجحت مع تجاوب الأطراف اللبنانية معها، وقد سبق للمجموعات الإرهابية من تنفيذ مخططاتها الإرهابية، في اعوام 2013 و2014 و2015، عندما استهدفت بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة أماكن في الضاحية الجنوبية، والبقاع، وكان ياسين أحد المخططين لتفجير برج البراجنة.
ولم يؤدِّ اعتقال ياسين الى ردود فعل، ليتبيّن أن «داعش» و«النصرة» والمجموعات الأخرى الإرهابية في المخيم، لا يمكنها التحرك فيه، وأن أهالي المخيم ليسوا بيئة حاضنة لهم، وهم يخشون أن يتحوّل مخيمهم الى نهر بارد جديد، فتمكنوا من محاصرة هذه المجموعات، حيث لعبت قوى إسلامية على رأسها الشيخان جمال خطاب وأبو شريف عقل دوراً ايجابياً بتوجيه تحذير وإنذار الى قادة المجموعات المسلحة، بأن أول مَن سيطلق النار عليهم هم أبناء المخيم، إذا حاولوا أن يهاجموا مواقع الجيش عند مداخله وأطرافه، حيث أبلغت قيادة الجيش قادة الفصائل وسفير فلسطين في لبنان، والسلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبو مازن)، أن أي عمل عسكري ضد الجيش سيكون الرد عليه قاسياً، ولن تحصل عملية غدر بالعسكريين كما حصل في نهر البارد، إذ قتلوا وهم نيام، أو في عرسال، إذ تآمر أفراد من أبنائها مع المسلحين وهاجموا مراكز الجيش الذي إتّخذ إجراءات أمنية مشددة، بعد إعتقال ياسين، الذي لم يتمكن مناصروه من تحريك المخيم عسكرياً، إذ باعتقاله فقدت الخلايا الرأس الذي يحركها، وهو ما أفشل المخطط من أن يكون مخيم عين الحلوة، نهر بارد جديد، الذي كانت نتائج المعارك العسكرية فيه على مدى ثلاثة أشهر تدميره وتهجير مواطنيه، وهو ما يقلق أهالي مخيم عين الحلوة، من تكرار ما حصل في نهر البارد، إلا أن قيادات فلسطينية أكّدت أن السيناريو لن يتكرّر، وأن حجم «داعش» ضئيل وضعيف، ولن يتمكّن عناصرها، إختطاف عين الحلوة، فالقرار الفلسطيني هو الوقوف مع السلطة اللبنانية التي نجح الجيش بإسقاط الإرهاب دون معارك باعتماد اسلوب الامن الوقائي بالتعاون مع فصائل فلسطينية ومواطنين شرفاء لتوفير الدماء والدمار والحفاظ على أمن المخيم والاستقرار في لبنان.
Leave a Reply