خليل إسماعيل رمَّال
من المفترض أنْ يكون موضوع هذه المقالة إجراء تحليل مقارن للمناظرة الأولى بين كلينتون وترامب، لكن موت الجزَّار الصهيوني شمعون بيريز فرض تغيير الموضوع بعد التفجُّع الذي أبداه حُكَّام الردة الخَوَنَة من العرب الذين ثُكلوا بفقد بيريز أكثر من قادة الكيان الصهيوني العنصري نفسه، ثكلتهم أمهاتهم فرداً فرداً.
عندما فطس رئيس وزراء العدو الأسبق إسحق رابين إغتيالاً في التسعينيات كان أكثر العرب تأثراً بموته آنذاك ملك الأردن حسين الذي ألقى كلمة تأبينية عاطفية في جنازته وكأنه فقَد أحد أفراد عائلته بل بكى عليه مما يدل على عمق ومتانة العلاقة التي كانت تشدُّه مع رابين وقادة العدو كلهم إجمالاً اًحيث تبيَّن لاحقاً بالوثائق أنَّ حسين كان أهم حليف سرِّي لإسرائيل وخصوصاً المجرمة القاتلة غولدا مائير. يومها لم يكن حكام الخليج يجرؤون على المجاهرة بعلاقاتهم مع دولة الإحتلال أما اليوم فأصبحوا علناً يبكون ويتفجعون على عدو قاتل الأطفال في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والأردن والذي كان عضواً فاعلاً في عصابات الإبادة الجماعية الصهيونية والتي تبق مليون بحصة للوهابيين الدواعش وقبلهم ميليشيات بشير الجميِّل وجعجع الذين سبقوا كل التكفيريين الخوارج بسنين ضوئية في الإجرام والذبح!
تصوروا مبلغ الدناءة أنْ يرثي شخص مثل محمود عبَّاس المنتهي الصلاحية (كازه خالص) قاتلَ شعبه وجزَّار يوم الأرض ومرتكب مذابح ضد الشعب الفلسطيني ثم يستجدي نتنياهو ليسمح له بحضور جنازته في تل أبيب بينما أحد قادة «فتح» فتحي رباح -أغلق الله عليه كل الأبواب- يصرِّح ويمدح «تراث بيريز في خدمة الصهيونية» ويصف شعبه بالحثالة بعد الغضب من تصريحه؟! وطبعاً غرَّد عبَّاس متأسفاً على بيريز فرد عليه فارس سعيد الدروندي من «١٤ شحار» بتحيته ومدح «اخلاقه وحنكته». بالفعل وافق شنٌ طبقة!
بل هل هناك أحقر من ذلك «الزعيم الخليجي» الذي أجهش (وأجحش) بالبكاء عندما أبلغه مسؤول فلسطيني ليكودي من أراضي 1948 أيوب القرَّا، بنبأ بيريز، وهو بالتأكيد لم يذرف دمعة واحدة على أطفال غزَّة؟ أم وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد، الذي غرد في «توتير» باللغة الإنكليزية، حتى لا يقرأ العرب الآخرون: «أرقد بسلام، الرئيس شمعون بيريز. رجل الحرب ورجل السلام، الذي لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط».
هذا عدا عن مشاركة مصر بشخص وزير خارجيتها وسلطنة عُمان في تشييع القاتل، فما هذا الزمن العربي الساقط الجاهلي الرديء الذي يجعل سفاحاً يهنأ بموت هادىء في فلسطين المحتلَّة المغتصبة بعد 93 عاماً فيشارك في تشييعه 60 شخصية عالمية يتقدمها الرئيس الأميركي الجبان الضعيف، بينما في نفس الأسبوع يستشهد الكاتب الوطني المناضل ناهض حتر برصاصات التكفيريين حلفاء الصهاينة؟
لبيريز أفضال كبيرة على هؤلاء الساقطين من العرب. فمن ينسى زيارته لوليد جنبلاط في المختارة، لأنه رفيقه في الاشتراكية الدولية الصهيونية قبل أنْ يتحول البيك الاشتراكي من يساري خزمتشي للاتحاد السوفياتي والطاغية القذافي ويتبرأ منهم فيما بعد ليصبح صديق جيفري فيلتمان والمحافظين الجدد في أميركا. ومن ينسى زيارة السفَّاح المجرم إلى ديترويت للاحتفال بجائزة السلام الذي مُنحت له وهي تقطر دماً من دماء الشعب العربي، وإصرار بعض «الوجهاء» من العرب الأميركيين مدنيين ورجال دين على حضور «محاضرة» لبيريز في جامعة وين بينما كان كاتب هذه السطور وبعض شرفاء الجالية يعتصمون في الخارج إحتجاجاً على زيارته أمام الفندق الذي نزل فيه، حاملين يافطات تصفه بمجرم حرب؟!
لم يعد الحديث يجدي عن تضامن عربي مشترك بعد أنْ خرق آل سعود، واذنابهم في مجلس التعاون الخليجي، المحظور والمحرمات وبدأوا يتحالفون مع العدو الطامع التاريخي المصيري للأمة والذي يدنس المقدسات الإسلامية والمسيحية ويعمل على محرقة الشعب الفلسطيني.
وختاماً نستشهد بالكاتب البريطاني روبرت فيسك، الذي هو اشرف من هولاء الحكَّام الطواغيت عندما علّق على وصف العالم لبيريز بـ«صانع السلام»، باستذكار مجزرة قانا الأولى التي عايشها في لبنان. وقال في صحيفة «إندبندنت»، إن بيريز قرر أن يزيد أوراق اعتماده العسكرية قبل جولة انتخابية بمهاجمة لبنان، واستغل «حامل جائزة نوبل للسلام ذريعة إطلاق حزب الله صواريخ كاتيوشا عبر الحدود اللبنانية، التي كانت ثأراً لقتل طفل لبناني صغير بواسطة قنبلة خلفتها دورية إسرائيلية وراءها، لارتكاب تلك المجزرة».
إذا كان أيتام بيريز العرب متضرعين ومحزونين لهذه الدرجة فإن شاء الله سوف يلحقون به ويُحشرون معه. آمين.
Leave a Reply