صحيح أن تاريخ اليمن الحديث يكاد يخلو من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، غير أن تداعيات ما يسمى بـ«الربيع العربي» أدخلت البلاد في جحيم النزاعات والصراعات الداخلية، حتى بات حاضر اليمن ومستقبله على كف عفريت ينذر بكوارث إنسانية خطيرة وسط تجاهل دولي وعربي لمآسي هذا الشعب العريق.
لا بد من دقّ ناقوس الخطر والتحذير من المصير القاتم الذي ينتظر هذا البلد «اليتيم»، الذي تخلى عنه جميع أشقائه، وكذلك المجتمع الدولي، ليتحول الى «حقل تجارب» للسياسات السعودية الفاشلة التي -ورغم إمكانياتها الهائلة- تسجل فشلاً متكرراً في معالجة القضايا والأزمات العربية، إلى جانب أزماتها الداخلية.
لقد لعبت السعودية، الجار الكبير والثري لليمن، دوراً سلبياً على مر العقود، وقبل سنوات طويلة من شنّها «عاصفة الحزم» على الشعب اليمني، كانت قد ساهمت في عزل اليمن وإضغافه وإفقاره، حين رفضت ضمه إلى «مجلس التعاون الخليجي» في العام 1981 مع العلم أن اليمن يشكل امتداداً استراتيجياً لدول الخليج. ومن المفارقات أن «مجلس التعاون» رحب سابقاً بضم دول مثل المغرب والأردن إلى عضويته، إلى درجة بدا معها وكأنه «ناد ملكي» غير مرحب بالجمهوريات، أكثر من كونه منظمة إقليمية تتطلع إلى حماية مصالح شعوبها السياسية والاقتصادية.
ومثلما فشلت «عاصفة الحزم» في تحقيق أهدافها المعلنة في إعادة «الشرعية» إلى اليمن، والتي تنطوي في الحقيقة على أهداف وحسابات إقليمية لاسيما مع توتر العلاقات السعودية الإيرانية، فإن ترسيخ الفشل عبر تغيير اسم العدوان الى «عملية إعادة الأمل» في 21 نيسان (أبريل) 2015، لم يغير واقع اليمن الأليم بعد شهور وسنوات من القصف وتدمير مؤسسات الدولة والبنى التحتية في هذا البلد الفقير.
وبسبب الحرب المستمرة على اليمن التي تخلف يوميا مزيداً من القتلى والجرحى والمهجرين من مناطق الصراع الساخنة، تزداد الأوضاع الإنسانية تدهوراً، حيث أكد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، الذي زار العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي: أن 14 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم سبعة ملايين لا يعرفون في ما إذا كان بمقدورهم الحصول على طعام خلال الأيام القادمة، مضيفاً: «إن الأمم المتحدة وشركاءها يعملون على تقديم مساعدات غذائية لستة ملايين شخص لانتشالهم من خطر المجاعة.
وتشير الإحصاءات إلى أنه يوجد 26 مليون يمني من إجمالي السكان البالغ عددهم 28 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، نصفهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ومن الناحية الأمنية، فشلت القوى المتصارعة على مدى العامين الماضيين في إنهاء الصراع المحتدم بين أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين من جهة، وأنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي المتحالفين مع السعوديين، فيما تسرح القاعدة وأخواتها دون حسيب أو رقيب ليدفع المدنيون الذين يتساقطون بالعشرات يوميا ضريبة تناقض المصالح السياسية بين القوى المتصارعة.
لقد شكل هذا المناخ الفوضوي بيئة خصبة لتدفق ونمو الجماعات التكفيرية مثل «داعش» و«القاعدة في شبه الجزيرة العربية» التي بدورها تشكل خطراً متزايداً على المجتمع اليمني بكافة أطيافه، وتساهم في خلط الأوراق بشكل يعيق تحقيق الأمن على المدى المنظور، ويعرقل احتمالات التسوية السياسية التي لا تجد من يضغط لتحقيقها في هذه الأيام، فيما تظل اليد السعودية طليقة لفرض إرادتها المريضة على اليمنيين.
لقد كان بإمكان دول الخليج -في السابق- أن تساهم في مساعدة اليمن وتحصين أوضاعه الاقتصادية المتهالكة من الانهيار، ولكنها فضلت الوقوف إلى جانب العدوان السعودي. ومن المثير للغرابة والتساؤل، أن تلجأ تلك الدول الغنية إلى صرف مليارات الدولارات في مشاريع استعراضية، في السياحة الترفيهية وشراء أندية كرة القدم الأوروبية وغيرها من المشاريع التي لا تفيد المواطن العربي بشيء، بدل أن تفكر -ولو من باب حماية أمنها الوطني- في مساعدة الأشقاء اليمنيين الذين يعانون من الأمرين وهم على مرمى حجر من الدول الخليجية المتخمة بالثروات والإمكانات الاقتصادية.
ويبدو واضحاً أن المجتمع الدولي قد سحب يده من معالجة الأزمات التي تضرب الشرق الأوسط، بما فيه اليمن، كما أن الولايات المتحدة، حليفة السعودية، لم تحرك ساكنا لإنهاء الأزمة التي تضع اليمن وشعبه على شفير الهاوية، بل أنها لم تتردد في مد الرياض بصفقات سلاح ضخمة تحت عناوين «محاربة الإرهاب» الواهية.
وكانت وكالة «رويترز» قد كشفت في تقرير لها عن الخسائر الاقتصادية والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الحرب في النهاية، حتى مطلع العام الحالي، والتي قدرت بحوالي 14 مليار دولار.
وذكر التقرير، الذي اشترك في إعداده البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي، أن «الصراع تسبب بأضرار تصل كلفتها إلى سبعة مليارات دولار وأضرار اقتصادية بأكثر من 7.3 مليار دولار تتعلق بالإنتاج وتوفير الخدمات.
وغني عن الذكر، أنه من الصعب على اليمن بموارده الاقتصادية الضعيفة أن يتجاوز هذه المحنة لعقود قادمة، أما المسألة الأكثر إلحاحاً فهي إنهاء الحرب وعقد تسوية سياسية توقف المذبحة اليومية المستمرة بحق المدنيين الأبرياء.
Leave a Reply